نظام الثانوية العامة الجديد .. جنون أم عبقرية ..
نظام الثانوية العامة الجديد .. جنون أم عبقرية ..
أعده : حسنى فاروق ..
خرجت أشباح الحزن واليأس من أخنانها الغويطة لتنفث سمها المعتق فى كل إتجاه ، وفى نفوس وقلوب عشرات الآلاف من الأسر المصرية ؛ وذلك بعد إعلان نتيجة الثانوية العامة ، تحطمت كل الآمال فوق صخرة التعنت الفكرى والغباء التربوى والفوضى العلمية ، وابتلعت دوامات الضياع كل الأحلام البسيطة والآمال العادية ، وجلس الكثيرون ينظرون إلى اللاشئ فى بلادة واستسلام .
قال ” ب ــ ع ” مدرس كيمياء : إن ما حدث هذا العام تحد صريح لأصول التربية المتعارف عليها ، وإلقاء لكل النظريات التربوية عرض الحائط ، وعدم الاعتراف بآلاف الدراسات العلمية على مدار السنين ، رفض علنى وفج لكل الأبحاث الفكرية والتربوية ، فنظام الامتحانات الجديد يأخذ اتجاها واحدا وهو الاختيار من متعدد ، الأمر الذى يجعل اجتيازه يخضع للاحتمال والحظ ، ” حادى بادى ، كرنب زبادى ، شاله وحطه ، كله على دى ” بمعنى أنه يمكن لأى إنسان كان من كان أن يحصل على النتيجة النهائية ، مادام الأمر يخضع للاحتمال والحظ ، وذلك كما أخبرتنا قواعد الرياضيات ، أين إذن النظريات التربوية ، أين البحث والتقصى والاستنباط والتعبير والملاحظة والكشف والقياس والمقارنة لدى الطالب ، إلغاء تام لعقل الطالب ، وتدمير لقدراته العقلية والفكرية .
وقال ” ص ــ ى ” مدرس تربية رياضية : نحن لا نقف حجر عثرة أمام تطوير التعليم ، ولكن شريطة أن يكون هذا التطوير نقلة فعلية للواقع فى مصر نحو الأفضل ، نقلة علمية وفكرية وسلوكية بكل المقاييس ، ماذا صنع هذا النظام الجديد ، ماذا أخرج لنا ؟!! لم يخرج لنا سوى جيل مشوه فكريا وسلوكيا وأخلاقيا ، جيل غير واع جيل تافه ، غافل ، تائه ، مخدر ، ثمل ، ضال ، ضائع ، أبله ، مغيب ، أحمق ، غبى ، سلبى ، عدوانى ، سطحى ، بليد فظ ، وشره ، الأمر كله ضد أى نظرية من نظريات التطور ، فأبسط النظريات تخبرنا بأن التطوير لا يكون دفعة واحدة ، أشبه بــ ” بعبع ” خرج فجأة لشخص ما ، لا شك أن هذا الشخص سوف يفقد الكثير والكثير ، وربما يفقد عقله تماما ، ما حدث يعد صدمة للطالب غير متوقعة ، فالطالب لم يعتد على هذه الطريقة المفاجئة التى أفقدته اتزانه وتركيزه ، الأمر الذى يجعله كريشة فى مهب الريح ، لا حول لها ولا قوة .
وقال ” ج ــ س ” فلاح : فقدنا أبناءنا ، هم موجودون جسدا لا روحا ، هربت الابتسامة من بيوتنا ، وتعطل كل شئ فى حياتنا ، فبدلا من أن يكون الابن سندا لأسرته وعونا لها صار عبئا ثقيلا وهما لا يزول .
وقال ” ح ــ ف ” : نظام التعليم فى كثير من الدول المتقدمة يعتمد على الاستكشاف ، أى معرفة الميول لدى الطالب ، وذلك منذ المرحلة الإعدادية على الأقل ، فإذا كانت ميول الطالب ميولا هندسية مثلا ، تقوم الدولة بوضعه فى هذا المجال وتقديم كل المساعدات التى تمكنه من الابتكار والبحث والتجديد والكشف ، وذلك بدءا من المرحلة الثانوية ، بالإضافة إلى دراسة لغة أجنبية والتى تساعده على الاطلاع على كل جديد فى العالم ، ليس منطقيا أن يدرس الطالب علوما مختلفة ــ لن تنفعه بأى شكل من الأشكال يوما ما ــ ، ويبذل جهدا مرهقا نفسيا وماديا وجسديا ، وهو يعلم تماما أنه سوف يترك كل هذه العلوم عند التحاقه بالجامعة ويتجه إلى التخصص فى مجال واحد أو علم بعينه ، يعد هذا النظام عرقلة للتطور ، ومضيعة للوقت والجهد ، علينا أن نختصر هذه الخطوات ونضع أقدامنا فى ساحة الابتكار والبحث مباشرة .
لا شك أن تطور التعليم ليس استعراضا للعضلات أو الأفكار الجزافية ، فالأمر لا يحتمل التجربة أو المضاربة أو المزايدة ، لكنه يحتاج إلى دراسة الواقع والوقوف على احتياجاته وميوله .