ثقافة و فن

البنية السردية وتجليات الواقع في قصة “سراب” لرندا المهر – قراءة نقدية لحاتم عبد الهادي

البنية السردية وتجليات الواقع في قصة “سراب” لرندا المهر – قراءة نقدية لحاتم عبد الهادي

قصة “سراب” للكاتبة الأردنية رندا المهر تعكس بمهارة مشاعر القلق، الخيبة، وصراع الإنسان مع الأعباء الحياتية. إنها قصة قصيرة لكنها غنية بالرمزية، حيث يجسد ضياع الراتب شعور البطلة بالفقد والضياع وسط متطلبات الحياة التي لا تنتهي.

لغة القصة انسيابية، وتنتقل بين الحدث والذكريات بسلاسة، مما يعزز من تأثير المفاجأة في النهاية. استخدام الحقيبة كرمز لمتاهة الحياة والالتزامات كان موفقًا، وكذلك تصوير لحظة اكتشاف الحقيقة، حيث تحولت فرحة العثور على الراتب إلى صدمة الواقع. 

 

 

 

 

سراب

 

طاوعتني عربة المشتريات في السير بسهولة، حتى وصلت إلى صندوق المحاسبة، غرزت كل أصابعي في حقيبتي مبتسمة لأعطيه ثمن ما اشتريت، لم يكن لدي أدنى شك أني لن أجده.. فلما لم أعثر عليه، تصببتُ عرقا وشعرت بالخجل.. علا صراخ وهتاف؛ نظرت ورائي فإذا بالزبائن يتدافعون بعرباتهم .. رفع أحد العاملين كرسيا، ركنه بعيدا .. قائلا:- اجلسي ها هنا، وابحثي بهدوء .. فأردفت اطمئنه ..

_حسنا.. سأعثر عليه في ثوان؛ أنا متأكدة أنه في مكان ما هنا.

 

خلعت نظارتي، دعكت جيبني، وتناثرت من فمي كلمات بلا معنى.

 

_لقد اعتدت أن أضعه هنا؛ في جيب الحقيبة، لكن حقيبتي كالمغارة… بينما كانت يدي تعبث في محتوياتها

 

سمعت أحدهم، يقول:

 

_لا تقلقي.. اهدئي.

 

رددت بثقة:

 

_لا عليكم، سأجده…لقد قبضت الراتب اليوم!

 

لقد غادرت عملي، بعد أن وصلتني رسالة من البنك على هاتفي، لحظتها تطاير من عينيّ الفرح…. لكن الحافلة التي أقلتني، كان سائقها يشكو من عدم قدرته على إشباع أولاده، ولج أزقة كثيرة، باحثا عن ركاب، تعاطفت معه، لكني خفت أن أصل البنك بعد الإغلاق، وكدت أبكي، تمتمت:” الله يسامحه”… نزلت من الحافلة، وأخذت ألوح للسيارات التي اصطفت أمامها… وقد علا صوت أبواقها.

 

خبا قنديل ذاكرتي على صوت أحد الزبائن يقول لي:

 

لا داعي للشراء اليوم!!

 

لملمتُ محتويات الحقيبة المبعثرة، لكني وجدتُ مغلف الراتب فصحت فرحا لقد وجدته!، فتحته وإذ بالخيبة تصعقني حين وجدت فيه دينارا واحدا لا غير قد لا يكفي أجرة التاكسي لأصل إلى بيتي.. عصرت ذاكرتي لأعرف أين ذهب الراتب.. فإذا بأوراق، بسطتها فلم تكن سوى إيصالات لفواتير كهرباء، ماء، هاتف..

جاء عاملان وأعادا ما اشتريته إلى الرفوف؛ خرجت أدثر جسدي بما تبقى من ثوب الحياء المهترئ.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى