أخبارتقارير و تحقيقات

ترامب يربك أوروبا ويعيد تشكيل المشهد السياسي عبر الأطلسي

 

في خطوة أحدثت زلزالا سياسيا في أوروبا، أفاد موقع “أكسيوس” الأمريكي بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض واقعا جديدا على القارة العجوز خلال ثلاثة أيام فقط، ترك خلالها أقرب حلفاء الولايات المتحدة في حالة من الصدمة والارتباك. التصريحات النارية، والتحركات المفاجئة، والتدخل في الشؤون الأوروبية رسمت ملامح نهج سياسي جديد، يعيد تعريف العلاقة بين واشنطن وحلفائها التقليديين.

ضربة للحلفاء وإعادة ترتيب الأولويات

لم يكن أي قدر من الاستعداد كافيا لمواجهة العاصفة السياسية التي أطلقها ترامب، والتي حملت بصمته المعتادة تحت شعار “جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى”. قرارات مفاجئة ومواقف غير مسبوقة دفعت حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأوكرانيا إلى حالة من الاضطراب، بعدما بادر ترامب إلى محادثات سلام مباشرة مع روسيا، دون إشراك أوكرانيا بشكل كامل أو إشعار القادة الأوروبيين الآخرين.

وفي أول زيارة لوزير دفاعه بيت هيجسيث إلى مقر الناتو، صدم الحلفاء عندما بدا وكأنه يسحب بعض أوراق الضغط الأمريكية من على الطاولة، مقلصا دعم واشنطن لأوكرانيا. لم يكتفِ بذلك، بل طالب الأوروبيين بتحمل مسؤولية أكبر في الدفاع عن أنفسهم، مؤكدا أن الولايات المتحدة تحتاج إلى التركيز على تهديدها الرئيسي: الصين.

تصعيد اقتصادي وسياسي

لم تقتصر تحركات ترامب على المجال السياسي فحسب، بل امتدت إلى الاقتصاد، حيث أعلن فرض تعريفات جمركية “متبادلة” على الدول التي تفرض رسوماً على الواردات الأمريكية، وهي خطوة من شأنها أن تؤثر على سلع بقيمة 600 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي.

وفي باريس، خلال قمة الذكاء الاصطناعي العالمية، صعد نائب الرئيس جي دي فانس المواجهة مع أوروبا، منتقدا ما وصفه بـ”التنظيم المفرط” للذكاء الاصطناعي و”القلق غير المبرر” بشأن السلامة. وبينما كان الحضور يتوقعون موقفًا أكثر دبلوماسية، غادر فانس القمة دون التوقيع على الإعلان المشترك، ما عزز الشعور بأن الولايات المتحدة تنتهج نهجًا أحاديًا في القضايا العالمية.

تصريحات تهز أوروبا

في مؤتمر ميونيخ للأمن، ازدادت الأمور توترا عندما اعتلى فانس المنصة ليطلق تصريحات أثارت غضب القادة الأوروبيين. قال: “التهديد الأكبر لأوروبا ليس روسيا ولا الصين. بل يأتي من الداخل، من تراجعها عن القيم المشتركة مع الولايات المتحدة”.

ما حدث لاحقًا أصاب الحاضرين بالذهول، حيث وصف فانس مسؤولي الاتحاد الأوروبي بـ”المفوضين”.في إشارة تهكمية إلى النظام السوفييتي، متهمًا إياهم بقمع مواطنيهم تحت ذريعة مكافحة التضليل وخطاب الكراهية. كما انتقد تعامل رومانيا مع نتائج انتخابات 24 نوفمبر، التي شهدت صعود مرشح قومي متطرف. ملمحا إلى تدخل روسي في حملته عبر تيك توك.

لم يكتفِ فانس بذلك، بل تطرق إلى قضايا حساسة، من إدانة رجل بريطاني أدى الصلاة خارج عيادة إجهاض، إلى رجل سويدي أحرق نسخة من القرآن الكريم. مؤكدا أن الخطر الأكبر على أوروبا يتمثل في “الهجرة الجماعية”، التي ربطها بهجوم إرهابي وقع في ميونيخ.

تدخل مباشر في السياسة الأوروبية

قبيل الانتخابات الألمانية المبكرة، دعا فانس إلى إنهاء “الجدران السياسية” التي تمنع التعاون مع الأحزاب اليمينية المتطرفة، والتقى زعيم حزب البديل من أجل ألمانيا، ليصبح أعلى مسؤول أمريكي يجتمع معه على الإطلاق، في تجاهل واضح للمستشار الألماني أولاف شولتز. هذه الخطوة قوبلت بإدانة واسعة من كبار المسؤولين الأوروبيين. الذين رأوا فيها تدخلا سافراً في الشؤون الداخلية.

 هل انتهت الشراكة عبر الأطلسي؟

ترامب لم يكن يوما من المدافعين عن أوروبا، بل وصفها في إحدى المرات بأنها “أسوأ من الصين” في تعاملها مع الولايات المتحدة. من تهديده السابق بضم غرينلاند، إلى اختيار السعودية وسيطًا في النزاع بين روسيا وأوكرانيا، يبدو أن ولايته الثانية قد تعني قطيعة غير مسبوقة في العلاقات عبر الأطلسي.

 أيام تفوق أسوأ الكوابيس الأوروبية

رغم أن القادة الأوروبيين استعدوا منذ أكثر من عام لاحتمال عودة ترامب إلى السلطة، فإن الأيام الثلاثة الماضية تجاوزت كل السيناريوهات المتوقعة. وبالنسبة لهم، فإن مستقبل العلاقة مع الولايات المتحدة لم يعد مجرد تحدٍّ دبلوماسي، بل معركة للحفاظ على وحدة أوروبا واستقلال قرارها في عالم يعاد تشكيله وفق إيقاع ترامب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى