ثقافة و فن

وجه .. قصة قصيرة بقلم : حسنى فاروق

وجه .. قصة قصيرة بقلم : حسنى فاروق

 

 

 

فى سأم نفض عن جسده تلك الفيوض الآتية من ذاكرة جهنم ، والتى تجعله يبدو ثقيلا على غير عادته ، وفى نفس الوقت خفيفا كزغب الدود ، كى يتكوم فوق الأرض دون مراعاة لتلك العظام الهشة .

خافتا بدا صوته رغم أنه فتّ عضده ، وفرت ضلوعه فالتصقت بحيطان الدور ككومة من قنابل انفجرت تباعا عندما نفثت فيها ريح القوم الآتين من بعيد ، ……….. يا خسارة الجدعان !.

كنت تفتح عينيك الدامعتين فتفر تلك الطيور الرابضة فوق حافتى الجفن لتحط فى رقة الفراشات فوق الوجه ، ذلك الذى يزداد التماعا أمام راكية النار ، ذلك الوجه الذى لم يعتد إلا الضحك ، وكنت تمرق فى دروب المدينة النائمة فى روث الغواية ، حاملا تلك الأوردة المحشورة فى جسدك المشروخ ، وفى آخر الليل تغلق عينيك وتستسلم لكومة من السوس تمرح داخل شقوق جسدك .

فى الصباح ، تتململ وأنت تحمل فوق ظهرك كل الشوارع المقلوبة ، وبعد مائة زمن ، وعندما تصل إلى قبرك ، ذلك المشيد فى لحم ذاكرتك ، وتنبش داخله مبعثرا تلك الأحجار التى تسد فوهته الضيقة ، تمد يدك عن آخرها ، ثم تنقب على مهل فى دربكة الأعماق ، وتخرج كل الوجوه النائمة ، تلك التى كنا نلهو فوقها ، ونرسم بالريش مدينتنا الطينية ، تاركين حجورنا الملأى بالطيور ذات المناقير الطرية لتعشش داخل السحب الحالمة فى وجه الطفل الذى يبحث عن دميته وسط عظام المدينة المبعثرة ، نهمس : يابوووووى … لساه القلب مشرّخ فوق الحجر .. مخنوق .. بيفرفط م الوجع .

وقبل الغروب تتوسد ذراع أبيك الممدة بإهمال جوار البيت ، تسمع طنين الكلمات المنزوعة الريش تنط من وجهك ، ذلك الذى يزداد التماعا أمام راكية النار ، ناهيك عن رائحة الشواء المنبعثة من قدور المهزلة ، إيه .. النعاج كثيرة ، والسكاكين كحد الموسىّ ، الرقاب مطواعة ، والدماء كغفلة العاصى عن يوم القيامة ، المكان ضيق والحمار رفاس .. رفاس .. رفاس ، إيه ……… الناس فوضى لا عصا لهم ولا عصا إذا جهالهم سادوا .

وأنت .. أنت تعافر ، تهش بعصاك تلك الغربان التى تقف تارة فى ألق فوق قبة المسجد المجاور لبيتك ، وتارة تنقر فى وجهك .. ذلك الوجه الذى لم يعتد إلا الضحك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى