مقالات
أخر الأخبار

مثيولوجيا الوطن الشهى والحبيبة مصر.. قراءة في ديوان : افتوني للشاعر الجميل / عبدالله على زين

مثيولوجيا الوطن الشهى والحبيبة مصر.. قراءة في ديوان : افتوني للشاعر الجميل / عبدالله على زين

حاتم عبدالهادى السيد

يحيلنا الشاعر / عبدالله على زين – منذ البداية – إلى عبق مصر الأصيل؛ وصعيدها الزاخر بالجمال الفطرى، والكلمة الصادقة، والصورة الخارجة من الحقول والمزارع والغيطان، أى عبر الشعر المطبوع الخارج من القلب والذى يصل إلى القلب .

وفى ديوانه : ” افتونى ” نراه عبر سيمولوجيا العنوان يطلب الإفتاء؛ وكأن هناك قضية ملحة يريد أن يطلعنا عليها؛ وهو حائر ؛ عبر القضية الشائكة، لذا يطلب الفتوى عبر فعل الأمر الذى يتضمن الرجاء والطلب كذلك، لكنها ليست قضية شخصية؛ بل الوطن بأكمله عبر قضاياه المتعددة.

إنه يطرح فضايا الواقع بلهجة صعيدية، عبر لغة شاعرة تتقافز حروفها من روحه لتصل إلى أعماقنا، فما يكتب من القلب يصل إليه بسرعة؛ ودون وساطة، وهذا ما غَلَّف هذا الديوان الجميل بغلالة الجمال والفطرة الإنسانية المشرقة، يقول :

مليش في المشهد غير باب

وحالف ما يزقيني

مهرك  لان في نهرك

وبان لموجك عقاطه

لا سمي ولا كبر ولا امن رباطه

البحر لو دوب حلم بكره

يستحيل لمه  وفكره  خياطه

صحيلي حلمي يفوق ويتفسر

فاطمه يا كوثر

انا طفل في عمايلي

بيحلي علي قلبك عياطه.

ولنلحظ جمالية الصورة؛ وبساطة وعمق التصوير، وبراعة الشاعر في تصوير مشهدية ما بدواخله الدفينة عبر لهجة صعيدية دافئة، جميلة، وغير ملغزة، ولا مستغلقة في ترميزيتها كذلك .

ولندلل إلى بساطة وصدق المشاعر في قصيدته : ” الست الطيبة ” ، والتى يقصد بها الزوجة المخلصة، التى تسهر على راحة ” راجلها ” فتضع أمامه الأكل الطازج، وترضضى بالأكل البايت، وتظل ساهرة على خدمته حتى النهاية، وهو يعافر الحياة ليرضيها ويسعدها : يقول :

حلمها بسيط وصادق

لا هو  اللي عادم

ولا هو اللي حادق

تطلب علي قد عرقك

وعملك الكادح

تفطر هي بالبايت

وتقدملك  الصابح

الست الطيبه

ست الفجر وست الدين

تداري على رغيفك

لو غموزه طين

تجري علي حصيرك

وكل همها تلمها

تخاف لحد يجيلك

يكشف لقمتك لو شمها

وانتا بتعافر.

إن الشاعر هنا صادق الفطرة، معانيه تتميز بصدق جارف، ومشاعر في غد جديد لمستقبل يراه قريباً بفضل الحنان النابع من المرأة الأصيلة الطيبة التى تشاركه الحياة، بحلوها ومرها، وبكل ما فيها .

وتتوالى القصائد، وكانها متوالية شعرية، فنرى قصيدة الأبناء، ثم نرى قصة الشهيد البطل المنسى؛ يرويها بحب، ويصور فيها مشهدية الدماء، ودموع أمه، وأهل القرية، والوطن على هذا الشهيد الذى زلزل الإرهابيين في سيناء، وحفر اسمه، وجنودنا من رجال القوات المسلحة بالدماء فوق رمال سيناء الغالية التى لوثها الإرهاب الغاشم، فنراه يخاطب البطل الشهيد، ويتوعد بأنه لن يترك ثأره، من هؤلاء الإرهابيين، يقول :

انا مين من ضاق الرصاص ودمه علي جلبابه

يامنسي انا مخلصتش قرايه

الشمس حرقت بره جنتك درايا

وحلمي هيطول وانا مين يصحيني

كحي لي ياسمره يارض الطين وحييني.

إن اللهجة الصعيدية الجميلة؛ وقصيدة النثر العامية تقدمان مساحة للبوح فضفاضة، عبر لغة تحاكى ” الواقع واليومى” عبر تفاصيل الحياة البسيطة في صعيد مصر، والطيبة والجمال الفطرى ، وهذا ما تكسو تجربته الجميلة، حيث ” أبراج الحمام ” وصوت العصافير في الحقول، فنعبر معه من القرية إلى المدينة ليصور حياة كثير من أهل الصعيد الذين يهجروا الريف بحثاً عن الرزق، كما يعرض لكثير من عادات اهل الصعيد الوفياء الذين يتصفون بالكرم ونبل الأخلاق، والنظر للحياة بعين الرضى، وحب الجميع ؛ كما نلحظ الفلسفة الفطرية لدى الشاعر حين يقول :

لو نيتك تنبش عشان الحبوب

مش هتحدفك  الأرض  طوب.

إنها فلسفة الفطرة والجمال الروحى الأصيل، وشاعرنا هنا يغنى للذات والعالم، ويكتب بعرقه ودمه الكلمات، ويتمشى مع أوجاع الحياة ليقهرها، ولا يستسلم للهزيمة مطلقاً .

وفى قصيدته : ” انت الشاهد ” نلمح فلسفة الشعر لديه عبر تقارنية الأشياء ومفارقاتها، بين الليل والنهار، والعتمة والنور ، والعمى والشوف، والجمال والقبح، وعبر لغة بسيطة تنساب من مرمر اللهجة فتحيلها إلى قبس من جمال، وتعبيرية تدخل إلى القلوب في الداخل، يقول : ما بين العمى وبين الشوف سؤال مجهول

بتعول فيه  وصف الكون   اشاره وقول

طول النخل

طعم الكد بينتج دخل

دبح السخل بينزف دم غير الشم أنتا بتعجز

وهو بيحجز بحور افكار صعب تروحلك

وصعب تنفذ

وصعب يبحوح لك بكل عماه

جوه خياله مسافه جهوله ما بين أديه وبين سماه

مابين الدكنه وبين الصبح

ما بين الحسن وبين القبح

ما بين العمى وبين الشوف داخله صراع

ساع المشهد زيف في نزيف

فمشي  وراه كداب حريف

وراح ينصاع لوصف فتاه

وزن الصاع لو لزوه وتاه

ياخد ذنب اليوم كياله

هو المونه وهو بناه

ما بين العمى وبين الشوف سؤال مجهول.

وشاعرنا الجميل / عبدالله على زين يعرف قيمة الرض، لذا نراه عبر مشهديات القصائد يصور مناظر الريف المصرى، وطعم الشاى، والبنت السمة، عبر جمالية الشعر اللهجى، وقصيدة النثر العامية التى ” تفحت في الأرض ” لنرى جماليات التصوير وهو يموسق المعنى، ليصور لنا يوميات حمدان الذى يزرع الأرض بعرقه، ويرويها بحنانه، فتنتج وطناً دافئاً محاطاً بالحب والجمال ، يقول :

مشهد تاني

جوه عرق بلونه  الغامق

جوه بشره حامله الطمي وحبه الفالق

شايله  في صوتها سماحه النبره

صارت عبره وكله عبيد تحت الخالق

البنت السمره تمثال ف ميدان

والواد حمدان  واد  لواي

بس عاشق لتراب ارضه ولون الشاي

عارف معني غرام السمره

عارف طعم الحمو لما  بيدخل حمص التمره

الواد حمدان واد همدان

بس غايه النظره في عينه تسيع  فدان

فيها الشوق داخله  الشوك

يعرف يسرب داخل ارضه احلي عيدان

كل حواري الدنيا مشاهد

جان فى جنان

الواد حمدان هو الشايف

فى الفنجان .

وشاعرنا رجل وطنى ، تجذبه قضايانا القومية الكبرى كما في قصيدة القدس التى ردفها بياء النسب فنسبها إليه ” ياقدسى ” وعبر القصر الذى نلمحه دليلاً على حبه لفلسطين وعروبيته، وحبه لوطنه مصر في قصيدته أفتونى، حيث يسأل عن موعد لفجر الحرية، وعن صبر المصريين والفقراء ، فهو ينشد فجراً جديداً للحرية للجميع، والمجد لمصرنا العظيمة، مصر النيل، الحضارة، التاريخ ، لذا فهو يتصبر بالوجع والآه، والصبر الذى طال على قلب الغريب، يقول :

وآآآآآه م الإنتظار

يا مزار وارضك بكر

فيكي طينه عفيه ساده الوكر

ياعود الطيب فى امتي تطيب

تسقيني شرابك ليله سكر

والله وطالت شمس الغربه

امتي تكوني مدافع حربه

في ضهري الضربه كانت مكر

اه لو جاب الصبر  عمار

وآآآآآه م الإنتظار.

إنه ينتظر الضوء، الفجر الوليد مع إشراقة الصباح، فقد طال الليل بطلامه، وآن للفجر أن يعود من جديد، لتشرق شمس الحب على الجميع .

وفى قصيدته : ” صعب تعرف الحكاية من حنك أخرس ” يعيدنا الشاعر الجميل إلى الذات وهمومها، إلى الغربة بتفاصيلها وآلامها، ومرارها، وإلى قصته مع الأيام، يقول عبر الصور المؤلمة الحزينة:

كلام يشبه رسوم على حجر احمس

غامضه في معانيها

والناس اللي ماشيه ايه يعنيها

اكتر من الوقوف

وليه بعنيها تحقق ف ميه نازله من سقف

مسقوف

انا ال أبن الف عام

ملقتش صاحب يفهمني غير الكهوف

موت وشبع موت

بات الطريق من غير رفيق

علمني الاشاره من غير صوت

عشقنا الغابه

و عشقنا العزله.

إنه يعيش الغربة والعزلة، وهو بينهما الممزق على عتبات الحياة، يحفر الصخر لينقش مرار أيام الغربة، ويتصبر بالوع والشعر ليرتق للحياة ، وله مدىً جدياً عبر رحلة الأيام .

وعبر مفردات : ” الطبلية، لمبة الجاز، الصلصال، الريف، الغربة، المدينة، الوجع، العيال، الوطن تتوزع قصائد الديوان ذات اللهجة الحزينة، وكانه الشاعر الذى ينزف على مزمار الحياة أيامه، ويومياته، فهى يوميات شاعر في بلاد الحياة، يبحث عن الدفء والجمال، وستر العيال، ويبحث عن الوطن، ويتشرف الحلم الجديد للثورة القادمة في الغد الأفضل لمصرنا الحبية .

وفى قصيدته : ” اصنعلى في حبك مرتية ” نراه يهدهد قلبه الدافىء، فقد آن أن يعود المهاجر للحضن الدافىء، للحب بعد رحلة المرار، وللغزل بعد الحل والترحال، فنرى جماليات الوصف، والذى يشتقه من عالمه، وما حوله، يقول :

خدني لدفاك من نومه جليد

القلب عاشق يرتمي

قبل مايكون في الكون وليد

حبيبي اوعدني بها الراحه

قلبك جنياين بابه سروح

طمعان في حب بها الواحه

لوطلبي ليك شي مسموح

اصنعلي في حضنك مرتبه

خدني لدفاك من نومه جليد

القلب عاشق يرتمي

قبل مايكون في الكون وليد.

وينهى الشاعر ديوانه بالحب للاوطان، لكنه حب خاص، عبر لهجة مخصوصة، لوطن عشقه حتى الموت، في صورة حبيبة عشقها، وكتب فيها الشعر الجميل ، يقول :

حبيتها بتقل الأراضين طين

و بجمال الزرعه اللي حامله يقطين

إنه حب فطرى، حب جميل من شاعر جميل ، يغزل في الحبيبة / الوطن أجمل الأشعار، ولا يتكلف الكلام، بل يكتب همومه بلهجته، عبر بساطة أسلوبية، وعبر عمق جميل، وصور ماتعة ، لذا نراه ينهى ديوانه متولهاً في حبها الحبيبة مصر ؛ يقول :

(ويل لكل همزه لمزه)

اللي نكروا وستخفوا تبجيلك

اللي نسيوا قرآنك وانجيلك

وتفوا في كفي يوم العزا

قد ايه عشقتك يافاتحه ركعتي

يا مفاصل السواقي الصباره

يا غماره مرعتي.

وفى النهاية : نحن أمام شاعر يغزل من صوف روحه جمالية القصيدة، وهو الشاعر الذى جال في البلاد بحثاً عن الحب، وأنشد الشعر في الوطن الخالد، فظلله بظلاله، عبر الغيطان، وعبر حضن الحبيبة الدافئة، مصر الجميلة أم الدنيا .

سيظل شاعرنا / عبدالله زين يكتب الشعر الجميل، بفطرة غير مسبوقة، وبحب جارف للأوطان، وهو هناك ، يزرع الأرض بالسنابل ليحصد العيال تعب السنين والأيام .

حاتم عبدالهادى السيد

رئيس رابطة الأدباء العرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى