جرائم الأمهات ضد الأبناء أثبتت صدق مقولة “إن جاك الطوفان”
دعاء رحيل
انتشرت مؤخرًا جرائم يمكن أن نقول عليها أنها غريبة من نوعها حيث قامت عدد من الأمهات بجرائم ضد أطفالهن حيث قامت أم تبلغ من العمر24 عام بقتل طفليها للحصول على الطلاق حيث قامت بوضع عقار لهم تسبب في حدوث هبوط في الدورة الدموية أدت إلى الوفاة، كما قامت أم أخري بإلقاء طفليها تحت بيرالسلم لوجود خلاف بينها وبين والدهما.
أكد جمال حماد أستاذ علم الاجتماع بجامعة المنوفية ، أن الدوافع الاجتماعية والإنسانية ليست سببًا للجرائم التي ترتكبها الأمهات في حق أطفالهن كما تدعين، وإنما هي مجرد “شماعة” يبررن بها ارتكابهم لمثل تلك الجرائم، مشيرًا إلى أنه مع غياب الوعي وانتشار الممنوعات وتدني مستوى الثقافة لدى الأسرة أدي ذلك إلى زيادة العنف ضد الأبناء.
وأضاف حماد، أن انتشار العديد من الجرائم التي لم تكن موجودة في المجتمع المصري في السابق تأتي بسبب تدهور الإعلام وسوء أسلوب الحوار في المسلسلات، قائلًا إن انتشار العنف لم يكن لدوافع نفسية قدر ما هو ناتج عن انعدام وجود الثقافة بين أفراده، مطالبة بعقوبة الإعدام لمن يقتل أبناءه، وإعادة تدوير القيم والأخلاق بالمجتمع، وعمل دورات تدريبية لتعريف الأمهات كيفية التعامل مع أبنائها في كل مراحل أعمارهم، حيث تم إهمال تربية الأم، والأم أهملت تربية الأولاد، وأًصبح همها الوحيد هو الخروج للعمل والإنجاب بكثرة لكي يتمسك بها زوجها.
واختتم تصريحاته قائلًا، إن الأمومة تولد داخل الأنثي بالفطرة، ولكن عاطفة الأمومة تأثرت بعوامل حولها أدت إلى تدهورها ومن هذة العوامل انتشار الفضائيات والسوشيال ميديا، كما أن مقولة الأم مدرسة أصبحت غير صحيحة، لأن المدرسة أغلقت، فالأمومة كانت سكينة وأمان.
“عقوبة مضاعفة “
ومن جانبه أكد فؤاد عبد النبي الخبير الدستوري ، إن ارتكاب أي جريمة في حق الطفل من جانب الولدين سواء الأم أو الأب أو المدرسين أو المسؤول عنهم تُوقع عقوبة متضاعفة على الجاني كي لا تتكرر في المجتمع، فهي قضية تهدد الأمن الاجتماعي والنفسي داخل الأجيال القادمة، لافتًا إلى أن هناك عقوبة في قانون الطفل تسمى “عقوبة الترك”، إذا ترك الطفل في مكان غير مؤهل وتعرض للخطر فتكون العقوبة حوالى عامين في قانون العقوبات، وإذا تعرض للخطر وأثر على حياته، بجرح يعاقب 3 سنوات، وإذا كانت عاهة مستديمة تصل إلى 7 سنوات، أما إذا فقد الطفل حياته يعاقب بالإعدام.
وتابع “الخبير الدستوري” إذا تعرض الطفل لتأثير في نشأته وأخلاقه وسلوكياته بفعل من الأم والأب تكون عقوبتهم 6 أشهر، أما في حالة ترك الطفل بلا مأوي لابد على النيابة استدعائهم للتعهد بعدم حدوث ذلك الأمر مرة أخرى، وإذا تم تكرار الأمر مرة أخرى، يتم أخذ الأطفال منهم ويصحب الأطفال لأسرة أخرى من الأقارب أو الجيران، وفي حالة عدم وجود أسرة يتم توجيهم لدار رعاية تهتم بهم .
“مواد تفصيلية”
وقال النائبة هبة هجرس عضو لجنة التضامن الإجتماعي بمجلس النواب نحن في انتظار لتعديل قانون العقوبات وخاصة حول الانتهاكات التي تدور حول الطفل ، فيجب إجراء مواد تفصيلية بالقانون حول التعدي على الطفل سواء الضرب أو الزواج المبكر أو الإغتصاب أو التحرش أو القتل سواء العمد أو الغير مقصود، ويكون تحت إطار مادة التعدي بالضرب.
وأكدت هجرس، لابد من وضع عقوبة رادعة ترد على كل من تعدى على طفل للقضاء على ظاهرة العنف ضد الأطفال المنتشرة حاليا حيث وصل بنا الحال إلى قتل الأم أبنائها، مشيرة إلى المجلس القومي للطفولة يجب تفعيل دوره فهو الحامي الوحيد والسند الأساسي بعد الأسرة للطفل.
وأشارت عضو لجنة التضامن إلى الأفلام والإعلانات الدائمm التي تحث أن العنف والبلطجة هي القدوة ،والتي نشرتها بعض الأفلام مؤكدة أن ابلأزهر الشريف والكنائس يجب تزرع القيم والأخلاق من خلال خطب يوم الجمعة وأيضا التجمعات داخل الكنائس.
“سيطرة الأنا العليا”
قال الدكتور عاصم حجازي أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة بين الحين والآخر تطالعنا الصحف والمواقع الإخبارية بأخبار عن قتل أب لأطفاله، أو قتل أم لأطفالها، وهو ما يتسبب للكثيرين بصدمة حيث إن مثل هذه الجرائم غريبة إلى حد ما عن مجتمعاتنا، وصدورها من الأم يكون أشد وقعا وأقوى تأثيرا، وهو ما يتسبب في شيوع حالة من الذعر والقلق بين أفراد المجتمع لأن الأم هي عنوان الرحمة والشفقة والعطف وغير متصور منها على الإطلاق القيام بقتل طفلها، فكيف إذا تقتل جميع أطفالها ويستغرق قتل الواحد منهم قرابة العشر دقائق، ومع ذلك تقتلهم واحدا بعد الأخر حتى تنتهي من قتلهم جميعا ثم تنام لتستيقظ في الصباح ليتم اكتشاف هذه الجريمة البشعة بكل المقاييس، لا شك أن بشاعة هذه الجريمة قد تحول دون إتمامك عزيزي القارئ لقراءة تفاصيل القصة، ولهذا سوف نركز على التفسير النفسي لمثل هذه الجريمة.
وأكد حجازي، عادة تحدث مثل هذه الجرائم نتيجة لوقوع الفرد تحت ضغوط نفسية شديدة جدا تشبه تلك التي تقود الفرد إلى الانتحار، مع وجود فارق بسيط هو أن المنتحر يرى أنه هو سبب المشكلة، وأنها سوف تنتهي بانتهاء حياته، أو أنه ليس سببا في وجود المشكلة ولكنه سوف يتخلص من المعاناة أو تأنيب الضمير بمجرد أن تنتهي حياته، كما أنه يشعر بأنه يمثل عبئا على المحيطين به، والأمر يختلف حينما يقدم أحد الوالدين على قتل أبنائه، حيث يكون ذلك غالبا بسبب المشكلات الأسرية فالأب أو الأم هنا لديه الرغبة في الحياة ( ربما لوجود علاقة سرية مع شريك آخر ينتظر الخلاص من هذه العلاقة القائمة للارتباط به) ولذلك فإنه تحت تأثير الخلافات الأسرية الكبيرة بالإضافة إلى تأثير التطلعات المستقبلية للارتباط بآخر يعاني من ضغوط نفسية كبيرة ومشكلات كبيرة إلا أنه لا يرى أنه أحد أسباب هذه المشكلة بل يرى أن هذه المشكلة وهذه المعاناة السبب فيها هو وجود الأبناء، وأنه بمجرد التخلص منهم سوف تنتهي هذه المشكلات و يحاول إقناع نفسه بأنه بذلك سوف يحميهم من التشرد والعذاب الذي ربما يتعرضون له في حال تم الإبقاء على حياتهم, وهؤلاء غالبا يكونون ممن يعانون من سيطرة “الأنا العليا” حيث تتركز اهتماماتهم حول أنفسهم و لا يعرفون معنى التضحية، وهذا بلا شك نتيجة نمط التربية الخاطئ الذي يمارسه بعض الأباء مع أبنائهم من تكريس للأنانية وحب الذات ، والتدليل الزائد, وعدم تدريب أبنائهم على سلوك الإيثار، وعدم تدريبهم على مواجهة مشكلاتهم بعقلانية وموضوعية .
بالإضافة إلى سيطرة ” الأنا العليا” فهؤلاء أيضا من المرجح أنهم من ذوي مركز التحكم الخارجي، ويعني ذلك أنهم لا يحملون أنفسهم أية مسؤولية عن الأحداث التي يواجهونها أو المشكلات التي تقابلهم في حياتهم , فهم دائما يرون أن مصدر هذه المشكلات خارجي , ولذلك فإنهم يوجهون أنظارهم دائما بعيدا عن ذواتهم ويبحثون في البيئة المحيطة بهم عن أي شخص يحملونه مسؤولية هذه المشكلات , وفي هذه الحالة يحملون مسؤولية هذه المشكلات الأسرية للأبناء فلولا وجودهم لكان الانفصال سهلا وسارت الأمور على ما يرام.
وأوضح أستاذ علم النفس،أن الخلافات الأسرية تأتي على رأس الأسباب التي تؤدي إلى حدوث مثل هذه الجرائم البشعة، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالتنشئة الاجتماعية، وأسباب ثقافية تتعلق بنظرة المجتمع إلى الانفصال والتعقيدات التي تفرضها الأسر على مثل هذه الأمور بدون سعي حقيقي لحل المشكلات، فهم يريدون دائما إغلاق الجرح دون تنظيفه، وهو ما يتسبب في زيادة الضغوط النفسية إلى أبعد الحدود، كما يأتي بعد ذلك تأثير البيئة المحيطة وجماعات الأصدقاء التي تحاول الإبقاء على علاقة الصداقة بالمجاملات الكاذبة، وعدم تقديم النصيحة الصحيحة خوفا من حدوث توتر في العلاقات، وأخيرا تأتي الضغوط المادية، حيث يعتبر العجز عن توفير نفقات الأطفال الضرورية لدى البعض مبررا لقتلهم.
وأكد “حجازي” أن العلاج يكون بتكثيف الدورات التثقيفية والتدريبية المقدمة للشباب المقبلين على الزواج وتوعيتهم بأهم مصادر المشكلات وكيفية مواجهتها ، وهنا ينبغي الإشارة والإشادة بالمبادرة الرئاسية التي دعا إليها فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي , وأطلقتها وزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع كبريات الجامعات الحكومية وعلى رأسها جامعة القاهرة ، والتي تسمى بمشروع ” مودة” لتأهيل المقبلين على الزواج، حيث تقدم للطلاب في الفرقة الرابعة دورة تدريبية تشمل بعض المعلومات الدينية والنفسية والاجتماعية والصحية التي تساعدهم على تكوين أسرة قادرة على تجاوز المشكلات والمساهمة في بناء وتطوير المجتمع.
كما أنه من المهم تدريب الشباب على كفاءة المواجهة ، وهو مصطلح نفسي يشير إلى قدرة الأفراد على مواجهة مشكلاتهم بصلابة ومرونة ومثابرة وثقة بالنفس ومهارة , وذلك لأن الأفراد الذين يرتكبون مثل هذه الجرائم يفتقدون بالتأكيد لمثل هذه المهارات.