بين الردع والتصعيد.. هل يشعل صاروخ “فتاح” شرارة الحرب المفتوحة؟

في تطور نوعي في مسار المواجهة بين إيران وإسرائيل، أعلنت طهران اليوم الأربعاء عن استخدام صاروخها الفرط صوتي المتطور “فتاح-1” في هجوم هو الأحدث ضمن عملية “الوعد الصادق 3″، مؤكدة أن الرد هذه المرة يحمل توقيعًا تكنولوجيًا غير مسبوق. ومع دخول التصعيد بين الخصمين يومه السادس، قال الحرس الثوري الإيراني في بيان بثه التلفزيون الرسمي إن العملية تمثل الموجة الحادية عشرة من الضربات التي تنفذها طهران، مشيرًا إلى أن إيران باتت تمتلك “السيطرة الكاملة” على المجال الجوي للأراضي المحتلة.
في الرسالة السياسية المصاحبة للهجوم، أوضح البيان أن إطلاق صواريخ “فتاح” الأسرع من الصوت لم يكن فقط ردًا عسكريًا، بل خطوة استراتيجية تهدف إلى إرسال إنذار حاسم لتل أبيب وحلفائها في الغرب. وأكد الحرس الثوري أن هذه الصواريخ “وجهت رسالة واضحة عن قدرة إيران إلى حلفاء إسرائيل المحرضين على الحرب”، في إشارة مباشرة للولايات المتحدة وبعض العواصم الأوروبية.
دعمت وكالة تسنيم شبه الرسمية الرواية الرسمية بالقول إن الضربات الأخيرة أظهرت تحكمًا إيرانيًا “مطلقًا” في سماء إسرائيل، معتبرة أن المدنيين في المناطق المستهدفة أصبحوا الآن في مرمى نيران طهران، في ظل فشل منظومات الدفاع الإسرائيلية في التصدي لهجوم من هذا النوع.
لكن ما هو “فتاح-1” الذي تحاول طهران تسويق تفوقه التكنولوجي على أنه نقطة تحول في معادلة الردع؟
بحسب موقع Army‑Technology المتخصص في الشؤون الدفاعية، يُعد صاروخ “فتاح” أول صاروخ باليستي فائق السرعة تُعلن عنه إيران رسميًا. وقد تم تطويره بواسطة القوة الجوية الفضائية التابعة للحرس الثوري، في مسعى لتعزيز القدرات الرادعة للجمهورية الإسلامية وترسيخ نوع جديد من ميزان القوى في المنطقة.
يحمل “فتاح” اسمه من كلمة عربية تعني “المنتصر”، وهو اسم اختاره المرشد الأعلى علي خامنئي ليعكس الطابع الانتصاري الهجومي للسلاح الجديد. تصميمه الشبحي يتيح له المناورة داخل الغلاف الجوي وخارجه، مع قدرة على تفادي منظومات الدفاع الصاروخي المتطورة، بما فيها القبة الحديدية الإسرائيلية.
وقد أعلنت إيران لأول مرة عن تطوير هذا النوع من الصواريخ في نوفمبر 2022، في ذكرى مقتل حسن طهراني مقدم، الأب الروحي لبرنامج الصواريخ الإيراني. وبعد عدة اختبارات، أُطلق “فتاح” رسميًا في يونيو 2023، ليصبح اليوم محورًا رئيسيًا في العقيدة الدفاعية الهجومية لإيران.
يمتاز الصاروخ بسرعات تتجاوز 15 ألف كيلومتر في الساعة (13 إلى 15 ماخ)، ويصل مداه إلى 1400 كيلومتر، مع توقعات بزيادة المدى إلى 2000 كيلومتر مستقبلًا. كما يحتوي على فوهة قابلة للحركة تُمكّن المشغل من توجيهه أثناء التحليق بدقة عالية، مع قدرة على المناورة اليسرى واليمنى، صعودًا وهبوطًا، وحتى تغيير المسار داخل الفضاء.
من الناحية التقنية، يعمل الصاروخ على وقود صلب، ومجهز بمحرك وفوهة من المرحلة الثانية، ودليل توجيه دقيق، ما يمنحه ميزة إضافية في سرعة الاستجابة والتكتيك. كما أن بنيته الانسيابية تتيح له تجاوز أنظمة الرادار والتشويش عليها، بفضل محيط حراري يولده احتكاكه بالغلاف الجوي يمنع أي اتصالات لاسلكية مع أنظمة الرصد الأرضية.
وتقول إيران إنها اليوم ضمن أربع دول فقط تملك القدرة على إنتاج صواريخ فرط صوتية، إلى جانب روسيا والصين وكوريا الشمالية. كما تخطط لتركيب “فتاح” على المدمرات البحرية المتطورة، مثل “دماوند-2″، في خطوة ستنقل تكنولوجيا الصواريخ الإيرانية من البر إلى البحر.
ورغم أن “فتاح” هو الأحدث، إلا أنه لا يأتي في فراغ، بل ضمن منظومة تطوير متواصلة للصواريخ الإيرانية بدأت منذ سنوات، من “فاتح-110″ و”فاتح-313″ قصيرة المدى، مرورًا بـ”ذو الفقار” و”قاسم”، وصولًا إلى صواريخ بعيدة المدى مثل “عماد” و”قدر-110″ و”شهاب-3″.
إيران، التي اعتادت توجيه رسائل نارية عبر مناورات بحرية أو استعراضات عسكرية، انتقلت اليوم إلى مستوى مختلف من التصعيد، يعتمد على لغة التكنولوجيا العالية والدقة القاتلة. أما إسرائيل، التي تراقب الوضع عن كثب، فهي الآن أمام تحدٍ جديد: كيف يمكنها التصدي لسلاح يتفوق على القبة الحديدية ويغير قواعد الاشتباك؟.