حاتم عبدالهادي السيد يكتب :العلاقة بين التكنولوجيا وأدب الأطفال فى مصر

حاتم عبدالهادي السيد يكتب :العلاقة بين التكنولوجيا وأدب الأطفال فى مصر
لقد أصبحت العلاقة الوثيقة – الآنية – بين التكنولوجيا وأدب الأطفال علاقة متداخلة، ولقد أثرت هذه التكنولوجيا والميديا الجديدة في تفتح قريحة الأطفال وفى تعدد وتشعب مجالات هذا الفن الراق وتحديثاته، حيث ظهرت القصة الإلكترونية؛ والكتابة الرقمية والقصص الإليكترونية مثل قصة “القرد والغيلم” : (قصة إلكترونية جديدة للأطفال)، وقصة الطاووس المغرور؛ وغير ذلك .
كتب الأوائل من أمثال : محمد عثمان جلال، وأحمد شوقي، ومحمد الهراوي، وكامل كيلاني، ومحمد سعيد العريان،ومحمد أحمد برانق وغيرهم بحس داخلي وقناعة أكيدة مؤكدين إلى ضرورة وجود هذا اللون من ألوان الأدب الموجَّه لأطفالنا، فأبدعوا في هذا المجال الرائد؛ وتوالت ابداعات الكتاب المعاصرين؛ ومنهم : نجيب الكيلاني؛ يعقوب الشاروني؛ أحمد نجيب؛ عبده الزراع؛ أحمد فضل شبلول؛ أحمد زرزور؛أحمد سليمان ؛ جار النبي الحلو؛ أحمد سويلم؛ حمدي سليمان ؛وغيرهم كثيرون جدًا.إلى جانب كتاب أدب الأطفال من الشباب – وهم كثيرون كذلك .
قراءة فى ديوان: الديناصور والهدايا الحجرية
حظى أدب الأطفال فى مصر باهتمام الأدباء والكتاب والرواد ، وتطور الأمر لنجد مجلات متخصصة كمجلة قطر الندى، ميكى،سمير،وغيرها، كما تم انشاء السلاسل المتخصصة التى تصدر المجموعات القصصية، وكان لدار المعارف،هيئة قصور الثقافة،الهيئة العامة للكتاب، دار الهلال ،وغيرها؛ الدور الأكبر فى التوجه نحو الطفل المصرى والعربى لترقيق ثقافته،وتوجيه سلوكياته،واكسابه مهارات تعليمية، وسلوكية،الى جانب تعريفه بالقيم الاجتماعية والسياسية للمجتمع المصرى، وذلك من خلال كتابات مبسطة تمثلت فى الحكايات والقصص والأشعار والروايات .
وبين أيدينا احدى هذه الكتب التى تتوسل الشعر كغائية أولى،والشعر القصصى تحديداً ، لمخاطبة الطفل المصرى المعاصر فى القرن الواحد والعشرين ، وكان التوجه للناشئة من سن سن 10-16 سنة .
وفى هذا الديوان البديع : ( الديناصور والهدايا الحجرية ) لمؤلفه الشاعر / حمدى سليمان يعيد لنا الكاتب المثيولوجيا ، فتنذكر حكايات كليلة ودمنة ، ، ولكن بصورة عصرية ، فالهدايا تكلست وأصبحت حجرية كسمة العصر ، وليست كهدايا ” بابانويل ” ، التى يوزعها ليلة عيد رأس السنة كل عام .
انه الديناصور ، الوحش المثيولوجى الخرافى الهائل الذى يجذب الأطفال بحكاياته ومغامراته ، فيصبح صديقاً للأطفال ، لا يخافونه ، ولا يخيفهم فى أحلامهم الليلية ، وهدايا الديناصور لابد أن تكون حجرية ، أى قوية تدلل الى قوة الديناصور الهائلة فى مقاومة جيش ، أو جبل ، وهو يطلق ألسنة اللهب من فممه اللاهب الاشتعال .
انه الخيال الشاعرى الممزوج بسعة أفق لدى الكاتب ، بداية ، فى اختيار العنوان المثير، المشوق لدى الناشئة من أطفال مصر والعالم .
والمؤلف هنا ، يسرد لنا التاريخ ، يرقّى ثقافة الأطفال، عبر لغة جديدة ، شائقة ، وشيقة ، مثيرة للتساؤلات ، ولاهثة لمتابعة الحكى الشعرى ، يقول:
بثيابِهم البيضاءَ
يتجمَّعُ أطفالُ البحريةِ على جبلِ الدستِ
يخرجُ عليهم الديناصورُ حاملاً الهدايا الحجريةِ
هى بضعةُ ملايينِ من السنينِ..
تفصلُنا عن هذا الاحتفالِ التاريخي.
هكذا قالتْ الجدةُ…
ولا غرو أن يعيد لنا من جديد صورة الجدة / الراوية المثيولوجية – عبر التاريخ – يستعيد حكاياتها التى لم تعد موجودة الآن ، بفعل الميديا والثقافة الاستهلاكية الحداثية ، – ونحن لا نهاجمها أيضاً ، لكننا نقول أنها أحد أسباب غياب الحنان الأسرى ، الحكى ، النوم فى حضن الأم والجدة ، والأب ، بل فى الحجرة الخالية للطفل ، والتى ابتنيت من حجارة ، فلا نستغرب الديناصور وهو يوزع هدايا من حجارة أيضاً !! .
انها عودة الى التراث ، الى الحكى ، الى التخييل لدى الأطفال بعد أن طغت الحياة على الآباء والأجداد فلم يعودوا لسالف عهدهم ، يقدموا الحكمة للأطفال فى ثنايا السرد ، وكأنهم فى فصل تربوى تعليمى ، غير مباشر ، عبر التوجيه التربوى للمثل العليا والقيم التى تنمى الروح والوجدان ، تقول الجدة :
تذكروا دائمًا يا أبناءَ الصحراءِ..
أنَّ القلبَ الباردَ هو قلبٌ ميتٌ.
قالتها الجدةُ..
ثم أحكمت قبضتَها على الحكاياتِ الدافئةِ..
ودفعتْ بها إلى قلوبِنا.
لقد رأيناها تستنطق الأطفال ، تذكرهم بالحياة ، فالقلب البارد قلب ميت ، والقلب الدافىء هو الذى تنبض فيه الحياة ، والحنان ، والخير الواسع الممتد .
ولقد قدم لنا د./ حمدى سليمان القصة الشعرية ، مع المثل ، مع الحديث الشريف : ” أكرموا عمتكم النخلة ” فى قالب شعرى قشيب ، مبسط ، – عبر قصيدة النثر – ليعيد رتق جراح التراث ، وليعيد للذائقة المصرية والعربية الحواديت والقصص والحكايات القديمة ، وليؤكد على الحكى الشعرى الذى يستخدم الايقاع الموسيقى الواهن الرقيق ،الشفاف ، الذى يخش للقلب من أقرب طريق ، يقول عن النخلة والصحراء :
التمرةُ التى سقطتْ على رأْسِى
وأنا عائدٌ من المدرسةِ
لم تكنْ تعرفُ أننى جائعٌ
وضعتُها فى فَمِى
وتذكرتُ كلامَ أبى:
النخلاتُ أمهاتٌ لنَا
تحمينَا من حرارةِ الشمسِ
وتُطعمُنَا من ثمارهِا
هى سيدةُ الصحراءِ
وعروسُ الواحةِ…
اننا نستشعر معه شموخ النخيل ، والذى شبه النخلة هنا بسيدة الصحراء ، وعروس الواحة التى تلبس الأبيض وتطير بالغناء مع الرياح الصحراء الحالمة الجميلة .
ويقينى أن الديوان يصلح للترجمة ، فقد كتب بلغة باذخة ، رقيقة ، مدروسة ، وموجهة لعقلية الطفل ، لتهذيب السلوك ، واعطائهم المعلومة ، وتعريفهم بأن هناك فرق بين الريف والصحراء ، وبفوائد النخلة والتمر للانسان ، وبسلوكيات الفرد ليتعلم الشموخ والصبر والحكمة والشموخ الشاهق ، وكأنه يذكرنا بقول الشاعر :
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً يرمى بحجر فيسقط أجمل الثمر .
وعبر قصائده البديعة : أركض حتى أطير ، العنزات الصغيرات ، جئت مسرعاً ، ثورة البحر ، الغناء الحر ، الديناصور والهدايا الحجرية ، نلمح لغة دافقة ، صافية كنهر النيل ، ومتدفقة كنهرى دجلة والفرات ، ورائقة كجدول ينساب بعطر الكلمات ، وسموق المعنى وجزالته ، وجودة ورشاقة بناء معمارية الشعرية لديه ، فكأننا أمام ساحر يغزل لنا من صوف اللغة أغنيات البحر ، وقوة الديناصور ، وحلم الأطفال ، وجلال النخلة عبر الصحراء ، وجمال أشجار الريف ، والواحات ، وكانه فى تقارنية يعيد لنا رسم صورة الهايكو الشعرى للأطفال ، باجترار الطبيعة ، هايكو عربى جميل يعيد تشكيل الجمال فى الكون والعالم والحياة .
انه يسبح فى ريعان الطبيعة ، يركض مع الشمس ومن خلفه الأطفال ، وفى الليل مع القمر ، وفى المساء ينطلق بالغناء مع الشجر الوارف والأزهار البديعة ، وهذا الجو الخيالى التخييلى هو ما يحتاجه الطفل فى هذه المرحلة العمرية ، مرحلة النمو والتنشئة الاجتماعية والنفسية ليقبل على مرحلة الشباب ولديه زخم لغوى ، وخيال نثمنه له ، بما يشى بخلق جو فطرى ، وبيئة طبيعية أكثر اشراقاً ، لتزويد الطفل بالزاد المعرفى والعلمى والجمالى ، وسعة الأفق ، والتى تنبىء بخلق طفل مبدع ، يعود بالنفع على ذاته وأسرته ومجتمعه، والعالم الذى حوله .
انه ينطلق اذن من الهايكو العربى ، من الواحة ، من الصحراء ، من الريف والخضرة والوجه الحسن ، عبر المثيولوجيا ، وعبر الخيال الذى يحتوى الأفق حيث التنين وحكايات العنزات ، والغولة ، والجن والعفاريت والأشباح ، العالم الآخر المتخيل الذى يوازى عالم الواقع الضيق ومشاكله الممتدة ، يقول :
نُسمِّيها كما نُسمِّى العنزاتِ الصغيراتِ
نحكى لها عن آكلةِ النارِ
والغولةُ الشقراءُ
عن الملائكةِ الجميلةِ ذاتِ الأجنحةِ البيضاءِ
تلك التى ترفرفُ كالفراشاتِ
فوقَ البئرِ
عن أضرحةٍ تتنفسُ وحيدةً على أطرافِ الواحةِ
قالوا: إنها تباركُ الزوارَ
وتحمينا من الغزاةِ والأشرارِ!
معذرةً نجماتِى الصغيراتِ ..
أنا لا أعرفُ الفرقَ بين الغزاةِ والأشرارِ
فقط عندما يحلُّ الظلامُ ندخلُ فى حضنِ الجداتِ
تلك التى تأتى بالحكاياتِ من خلفِ الجبالِ البعيدةِ .
انه عالم النجمات ، الغيمات التى تمطر حكايا ، البحر ، القرصان الذى يعيش مع أهوال البحر والعواصف ، عالم السحر الذى يصنع الخيال لدى الأطفال ، ويخاطب وجداناتهم ، دون أن يخيفهم ، ينمى فيهم روح المغامرة والشجاعة ، ويكسبهم خبرات وثقافة ومعرفة ممتدة ، تخاطب المبدع فى عقله الصغير ليخرج مواجده ورسواته وحكاياته الخاصة ، وابداعاته بعد ذلك ، عالم يشكّل الذائقة فى صورة تعليمية ، تربوية ، ابداعية ، غير مباشرة ، ومباشرة أيضاً .
انه عالم الأطفال ، عالم الابداع والخيال ، عبر الطبيعة ، فى الأرض ، فى الجو ، فى البحر والسماء ، عالم الفراشات والأشجار والأزهار عالم الطفولة البريئة التى يجب أن نحوطها طيلة الوقت بالعناية ، فهم التربة الصالحة التى تحتاج الى الماء العذب الرقراق لنجنى منها ثمار .
ان الأطفال هم مستقبل الأوطان ، والتعليم فى الصغر – كما قالوا كالنقش على الحجر، فدعونا مع د./ حمدى سليمان ننشر الابداع الرصين ، وأرجو من القائمين على أمر التعليم فى مصر أن يضمنوا المناهج الموجهة للأطفال والناشئة مثل هذه الابداعات التى تستهدف عقلية الطفل ، وتنهض بذاته وسلوكياته ، وتكسبه المعرفة ، وتنشئه على الخلق القويم ، والقيم المصرية والعربية والاسلامية والتى هى امتداد لديننا الاسلامى الحنيف .
ان الديوان الذى بين أيدينا يحمل قيماً ابداعية وتنموية وسلوكية ونفسية ، كما يحمل لغة تدخل الى عقل وروح الطفل جسدها الكاتب بحصافة وبراعة شديدين ، ونحن نثمن له ما قدم وندعو الى ترجمة هذه المجموعة الشعرية الصغيرة لانها تحوى قيماً انسانية عالية ، وتخاطب الطفل فى كل مكان فى العالم ، وليس على المستوى المصرى والعربى فحسبسيظل الابداع الموجه للطفل قليلاً لصعوبة الكتابة من جهة ، ولندرة الأعمال الجيدة والتى تحتاج الى كاتب موسوعى أراها تحققت هنا عبر لغة عربية فصيحة ، سلسة ، وشامخة ، وجميلة أيضاً .