المزيدمقالات

التابو النقدي وشاعرة العراق وفاء عبدالرزاق

حاتم عبدالهادي السيد
ما بين وجع الذات ورجفتها الرهيبة، وبين الحنين للوطن، يطالعنا ديوان حكاية منغولية للكاتبة العراقية / وفاء عبد الرزًاق، فماذا عن تلك الحكاية التى عنونتها بالمنغولية؟
وهل تقصد حكايات المغول القديمة؟ أم أن هناك مغولاً جدد تقصدهم؟
ان العنوان بداية يشى بتاريخ للحزن كم عانت منه الشعوب العربية فهل نجد العنوان يدلل الى تلك الحكايات، أم تراها تقص علينا حكاية استعمار الجديد؟ انها حكاية تتوالد عنها حكايات وهموم وأحزان امرأة تبحث عن هوية ضائعة وسط أمواج ثلجية توشًى جبينها، فتعود الى الذات لتغوص فى كمائنها لتسبر أغوار وطن يخنق الآهة على شفتيها فتصرخ بصمت آسن، وشجن عميق :ا
على وجه الرِّيح خانَني الكلام
يا هذا الذي كُلَّما أعطيتُه ميثاقي
أعطاني الخراب
لم يعُد للعمر مكْرُهُ
كي تضيقَ الأرضُ تحت قدمي
انها قصة امرأة غادرت الدفء الى غابات الثلج والصقيع، استمرأت الجراح لتتحرر من الوهن والأوجاع تقول :ا
.هي أوَّلُ احتراقٍ، وآخرُ الكرْم
لا مياهَ إلاَّ زرقتها
ولبنًا من شجر
هي أخضرُ طارده القيظُ
وأبيضُ صلاَّه المَغيب
لا جدارَ سواها
ولا مطرَ سوى سقفٍ حزينٍ
تهبط ُعليها ليلاً
بقشَّةٍ أتلفَها عصفور
بحريقٍ شبَّ بسرِّيَّةٍ وتآكلَ
ببحرين نجلاوين
ونسيانٍ عميق
انها تبحث عن خارطة تضمد عليها جراحها، وحين تغيب الأوطان ليس من سبيل الا التخيل، ومع هذا نراها تتعلق بأمل لا يجىء تقول :ا
رسمت نهريها ضفيرتان
هما من جبال الحداد الألف
ومن وعاء لا يضيق الا للجرح
يزم شفتيه كقبلة من وجع
تركل جثمان بؤسها وتصرخ
طالبة خارطة
ليس فيها موطن من خشب
انها تبحث عن الأنثى الضائعة عن الطفولة التى ربما ستجدها فى رسالة لابنها (خالد) ذلك الأمل الذى تعول اليه وتهرب منه اليه، تحرق نفسها وتضجر من ذاتها لتبحث عن هوية تقول : ا
الدُّنيا بيديكَ تفاحة
لا وعلى الأرض ملاكان
أشبارهما بوسع الوطن
فاصمتْ
أصم
تقضمْ خطيئةً نالَت منكَ
أخرج إلى الكون
أوسِعْه ضربًا
أي قلبيَ الظَّاهر الباطن
خُذْ ولاّعتي واحرق ما بين فخذَيها
تلك العمياء التي ضجرَتْ من ذاتها
أعطِها اسمَها
اقدحْ شرارتها وتدلَّ بقلادتها
كلُّ الينابيع تكسَّرَت
على حُلمتَيها
م
ت
إنَّه اللهُ تجلَّى في امرأة.
انها اذن تحلم وتتجسد الحلم لتصنع وطناً ولو من خشب أو ورق، تغوص فى ذاتها وتعبث بأعضائها ليس من أجل نزوة عابرة، أو استجابة لجسد عطشان لسقيا بعدت بعيداً جداً، ولكن من أجل رحلة بحث عن الذات بين نهر التايمز وأدجاء لندن،/ تتغرب وفى ذاتها غربة داخلية فتتصارع الغربتان داخل الجسد المقروح فلا تجد سوى جسدها لتشكو اليه.
انها امرأة أقضت الوحدة مضجعها فغدت كعاشقة فى محراب، أو فى حانة، تشرب حميا الردى من كأس السغب المرير، تبحث عن دفء يمنحها حياة لأنثى أقضت مضجعها أحزان متعاقبة، فنراها تبحث فى أجندة العالم عن خلاص ينتزعها من تلك العواصف التى تقصف بها وتريد أن تمحى كينونتها كامرأة تبحث عن الحب والجمال، والعيش بين ثنايا صدر رجل يهدهد جوعها، ويكفكف دموعها ويؤنس الوحشة داخلها، تقول :ا
يا من أطفأَ عيونَ الأبواق
وقرأَ جوهرتي
هاتِ سترتَك الزَّرقاء
إنَّها الرِّيحُ
فزَرِّرْ قلبي كي لا يسمعَ غيرَك
الوثبةُ الكسلانة
ليست ماءً يغسلُ عُريَ الوجه
والثَّوبُ الرَّمليُّ ليس بُشتك
يا…
يا انتظاري كلَّه
يا دقائقَ جائعةً وهمهمةَ التَّداعي
رتِّلْ باسمِكَ
إنَّها القيامةُ الزَّاحفةُ بقوافِلِها
إنَّها أنتَ وأنا في قطوفنا الدَّانية
مُدَّ أصابعَك بما استطعتَ من حضور
إنَّها سيمفونيَّتكَ الأخيرة
فجرِّدْني من ظلٍّ مخادعٍ
أنبِتْني أرضَكَ
بالقدر الذي يكفيكَ مِنِّي
وانتزِعْ كُلَّ مَن لا يَعنيك
كُلَّ مَن خَربشَ على ثوبكَ ولم يرسم هيأتَكَ
كلَّ مَن جمَّل الكلماتِ لِيصِلَك
روحكَ على موجاتٍ خضر
تشُدُّ أراجيحَها لزنابقَ لامسَتكَ
واتَّكأت
تشجِّرُ ما سيُنشدُه الله.
انها تبحث عن لحظة دافئة بين أحضان رجل تشتم فيه نكهة الوطن الذى اغتالها وسرق منها ضفيرة الحلم، تبحث عن وجودها كامرأة بين ركام لذكريات مرت وكانت كالكابوس. إنها حكاية وطن نهشت كرامته، وذبحت براءته فغدا مدنساً بجرح عميق، جرح لم تعرف مداه تلك القابلة التى تلقت ذلك الطفل البرىء، ولو علمت أنه طفل غريب عن ماء الوطن ربما ما استقبلته، انه طفل الخيانة، طفل الجراح طفل يحمل بين طياته وطناً مذبوحاً ، انها حكاية منغولية لامرأة حملت من مغتصب، ولكن ما ذنب الطفولة البريئة انها قصة احتلال غاصب يسلب الارادة وعرق الأجساد، ويستبيح الأجساد البريئة ليمارس فيها رغباته

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى