مقالات

خدر ..قصة قصيرة بقلم / حسنى فاروق ..

خدر ..قصة قصيرة بقلم / حسنى فاروق ..

الوجوه شخبطات فى براويز التاريخ .فوق الأرض ضربت بيدك حتى أصابها الخدر ، وتلاشى فحيح الأفاعى الرابضة فوق الأعناق فجأة . لكنك أنت هو أنت ، نفس الرجل الذى بات الليلة متكئا على الأرض بلسانه ، تفرد تلك الصحيفة المطواة تحت إبطك منذ صبيحة اليوم دون أن تقع عيناك على شئ يلفت انتباهك . لحظات انسلخت من جلدك المضطرم كثعبان محترف ، وخرجت أنفاسك باردة .

تقف أمام المرآة صامتا كحزمة قش ، تزيح بأطراف أصابعك المرتعشة بعض خصلات الشعر المسدلة فوق عينيك ، ترى ذلك النهر العجوز ـ نهرك ـ يرتمى بين كفى المرأة ـ تلك التى تنام فى حجرك مذ ولدت ، تمر تلك الصورة أمامك كلسعة كهرباء دون أن تبدى أى تعليق ، وفى بطن كفيك المملوءتين بالماء تغمس وجهك وتجففه كما يفعل نجوم السينما ، تضرب رأسك مرارا فى عرض الحائط كى تفر صورة المرأة التى تأتيك بين الفينة والفينة . لكنك تفشل . ورغم ذلك تحاول للمرة الألف .

دائما المرأة وراءك ، تحت جلبابك ، تحت سروالك ، تحت جلدك ، يفترسك الخدر حينما تتحسس بيدها موضع إثارتك ، ويربكك أنها تعرف من أين تؤكل الكتف وغير الكتف ، تدفن رأسك فى شعث الفراش ، والمرأة فوقك ، تدعكك ، تلوذ بالفاتحة ، وتتظاهر بالنوم ، والمرأة فوقك .

لأنه مكتوب أن تشقى بها ، وأن تعشش فى خرابات تكوينك ، كان لابد ـ وأمرك لله ـ أن ترتحل فوق نوق الصبر إلى براح أتت عليه الريح ، إلا من زعقة غراب عتيق ، أو عوءة ذئب أجرب . لكنها كانت كعمل ردئ أجحفت بك ، واقتفت أثرك ، وأحاطت بك خبرا . يا دين النبى !.

وأنت هو أنت .. فى الخامسة من العمر كنت تتسلق ظهر أبيك ، تتشبث برقبته ، فجأة و فى زحمة الرصاص داخل رأسه ، كنت ترى فى عينيه وصايا جدك ، ـ ولأنك وحيد أبيك ـ كنت تجرجر نفسك ، ـ تعافر ـ ، تاتا خطى العتبة ، تدقق النظر إلى وجهه . لم تنزوى ملامحه رغم جسارة الموت ، وإحكام قبضته .

فى الثمانين من العمر ، كن تسمع طقطقة عظام اللحن المخنوق تتسلل خلسة من بين شقوق الجدران الطينية ، ترنو إلى لمة الطير وهى تتدافع نحوك ، تنقر وجهك بلطف ، وتهمس فى أذنيك ، وتتراقص فى حجرك المملوء بفتافيت الخبز ، وحين تخرج من البحر وترفرف بأجنحتها ، تنثر عليك حبات الماء ، فيبتل جسدك وعظامك ، ثم ترحل فى كل اتجاه .

تجفف وجهك بذيل جلبابك ، ثم تدفن نفسك فى فوضى الفراش ، يبتلعك الخدر وتنام .

تمت

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى