تعرف على.. شاعر الكوخ محمود حسن إسماعيل
تعرف على.. شاعر الكوخ محمود حسن إسماعيل
حاتم عبدالهادي السيد
يُعد الشاعر محمود حسن اسماعيل أحد أهم شعراء مصر والعرب الذين أثروا مسيرة الشعر العربي المعاصر، والشعر الحر” لتفعيلة “، والعمودي كذلك، كما كان احد رواد جماعة أبوللو الشعرية، وأحد المجددين، والتنويريين الكبار الذين أسهموا في رفد مسيرة الإبداع الشعري بكثير من العطاءات الشعرية والنثرية. كما كتب الأغاني التي قام بتلحينها كبار الملحنين، وشدت بكلماته الساحرة أم كلثوم ، عبدالوهاب، ، فيروز، عبدالحليم حافظ،، شادية، نجاح سلام، وكثير من المطربين الكبار في الوطن العربي .
شاعر الكوخ والنهر الخالد :
لقب شاعرنا بعدة ألقاب أطلقها عليه كبار النقاد والشعراء كالعقاد، طه حسين، أحمد أمين، صلاح عبدالصبور، أحمد عبدالمعطي حجازي، محمد عفيفي مطر وغيرهم، ومن هذه الألقاب: شاعر النهر الخالد، شاعر الكوخ، ،شاعر الرومانسية الجميل الذي اهتم بالريف المصري، وبالتراب الوطني، وكان النيل هو واهب العطاء الشعري الخالد، لشعره الجميل .
ولد شاعر الكوخ / محمود حسن اسماعيل بقرية النخيلة بمحافظة أسيوط ،في 2 يوليو عام 1910، في مصر، والتحق بكلية دار العلوم، ونبغ في الشعر نبوغًا مبكرًا، وقد أصدر ديوانه الأول، وهو طالب سنة 1935 بعنوان “أغاني الكوخ”، والذي تأثر فيه بكل صور الطبيعة الجميلة، وبكل أحزان الفلاحين البسطاء فخرج شعره صادقًا، ووصلت كلماته الغنائية إلي ملايين العرب. ولقد تربع شاعر الكوخ عرش الشعر المصري والعربي في النصف الأول من الخمسينيات- كما يقول الشاعر/ فاروق شوشة – وكان من تلاميذه ومريديه الشاعر: صلاح عبدالصبور، محمد عفيفي مطر، أحمد عبدالمعطي حجازي، وغيرهم .
دوره في اثراء الحركة الغنائية العربية المصرية :
تعددت مساهمات شاعر الكوخ الغنائية والتي أدت إلي رفع شأن القصيدة الغنائية، ولقد واكبت هذه القصائد الأحداث الوطنية الكبرى في الوطن العربي، التي شكلت وجدان الأمة ،ومن أشهر هذه القصائد الغنائية : قصيدة الصباح الجديد، غناء أم كلثوم، وألحان رياض السنباطي ،ومطلعها :
رأيت خطاها على الشاطئين صباحاً ينور في المشرقين
ولقد غنتها أم كلثوم في يناير عام 1956 بمناسبة إعلان الدستور الجديد.
ومن قصائده الشهيرة “دعاء الشرق”، ألحان وغناء محمد عبد الوهاب، ومطلعها :
يا سماء الشرق طوفي بالضياء وانشري شمسك في كل سماء
وهذه القصيدة من نوادر القصائد والأغاني التي تخاطب الشعب العربي وتدعو إلى وحدته، وقد نال الموسيقار عبد الوهاب عن هذه القصيدة ( الأسطوانة البلاتينية )
زمن قصائده الشهيرة : قصيدة مصر نادتنا ، ألحان وغناء الموسيقار محمد عبد الوهاب ،ومطلعها :
مصر نادتنا فلبينـــــــا نداهــــــا ومشيناها صفوفاً في هواها
فإذا بـاغِ على الأرض دعاهـا ترقص الأرواح والدنيا فداها
ومن أشهر قصائده قصيدة النهر الخالد ، من ألحان وغناء الموسيقار محمد عبد الوهاب، ومطلعها :
مسافــر زاده الخيـــــال والسحر والعطر والظلال
ظمأن والكأس في يديه والحب والفـــن والجمـــال
ومن قصائده التي لاقت ترحيبًا عربيًا كبيرًا ،قصيدة “بغداد يا قلعة الأسود”، من غناء كوكب الشرق أم كلثوم وألحان رياض السنباطي ومطلعها :
يا جبهة الشمس للوجود سمعت في فجرك الوليد
توهج النار في القيــود وبيرق النصر من جديد
يعود في ساحة الرشيد بغداد يا قلعة الأسود
ومن قصائده التي غنتها نجاح سلام أثناء العدوان الثلاثي على بورسعيد عام ،1956 قصيدة يد الله ، يقول فيها :
أنا النيل مقبرة للغزاة أنا الشعب ناري تبيد الطغاة
ومن قصائده التي غنتها الفنانة ” شادية ” في أعقاب رحيل الزعيم جمال عبد الناصر عام 1970قصيدة أغلى شعاع ، أو النور الخالد ومطلعها :
فوق صدر الضحا مال أغلى شعاع
واهبـــــــــا عمـــره لليـــــــالي الشـراع
وهناك قصائد كثيرة غناها كبار المطربين المصريين والعرب أيضًا .
ولقد أصدر شاعرنا العديد من الدواوين منها : ديوان أغاني الكوخ 1935، هكذا أغني 1937 ،الملك 1946 ، أين المفر 1947 ،نار وأصفاد 1959 ، قاب قوسين 1964 ، لا بد 1966 ، التائهون 1967، صلاة ورفض 1970 ، هدير البرزخ 1972، صوت من الله 1980 ،نهر الحقيقة 1972، موسيقا من السر 1978، رياح المغيب، نشرته دار سعاد الصباح لأول مرة عام 1993بالكويت .
من الريف إلي القاهرة :
يقول محمود حسن اسماعيل عن حياته : عشت في قريتنا السنوات الأولى، ولم أكن في معظم الوقت مع أهلي في الكوخ بل كنت أعيش في الغيط على مشارف نهر النيل جنوب (أبو تيج) أشارك في العمل، أعزق الأرض، وأبذر الحب، أتابع البذرة منذ غرستها حتى الحصاد وتعلمت في الخُص ودرست فيه وتقدمت إلى امتحان شهادة البكالوريا من الخارج، وحصلت عليها ثم رحلت إلى القاهرة لأدخل دار العلوم، كنت أقرأ في الخُص الصحف وخاصة (البلاغ الأسبوعي) وكانت هذه الصحف تأتي إلى الباشا صاحب الضيعة المجاورة لحقلنا.
أحد رواد جماعة أبوللو الشعرية :
وكان من أساتذته – كما يقول الشاعر عباس خضر – الدكتور مهدى علام، الذي تحمس لشعره ، فعندما صدر ديوانه ” أغاني الكوخ ” أقام د. علام حلقة دراسية سمّاها «حفل تكريم»، وتحدث في هذا الحفل، مهدى علام، ثم زكى مبارك، وحافظ محمود، ومحمود البشبيشي، وسيد قطب، ومحمد برهام، ومحمود رمزي، ولقد دوى اسم محمود حسن اسماعيل بعد ذلك، وانضم إلى جماعة “أبوللو الشعرية” التي أسسها الشاعر الرائد أحمد زكي أبو شادي. ولقد ناطح شاعرنا العقاد شخصيًا.
الملك فاروق وعبدالناصر :
وفي عهد الملك فاروق أسندت إلي شاعرنا رئاسة لجنة اختيار الأغنيات في الإذاعة ، وعندما قام عبد الناصر ومعه القائد السوفييتي الشهير خروتشوف بحضور حفل تحويل مجرى النيل أثناء بناء السد العالي، كان محمود حسن إسماعيل هو شاعر الحفل التاريخي الكبير .
مناصب تقلدها :
لقد عمل شاعر الكوخ محررًا ومساعدًا للدكتور طه حسين بالمجمع اللغوي المصري، ومستشارًا ثقافيًا بالإذاعة المصرية، كما تقلد منصب مدير عام البرامج الثقافية والدينية، ورئيس لجنة النصوص بالإذاعة المصرية. كما انشأ محطة القرآن الكريم، وجمع تسجيلات الشيخ محمد رفعت وحفظها. ثم سافر إلي الكويت ليعمل مستشارًا بلجنة المناهج بوزارة التربية بالكويت.
ولقد حاز شاعرنا وسام الجمهورية من الطبقة الثانية عام 1963. ثم جائزة الدولة التشجيعية عن ديوان قاب قوسين1965م . وتوفي سنة 1977 في الكويت، وعاد جثمانه ليدفن في مصر.
إنها رحلة عطاء مع الشعر والغناء، كما كانت اسهامات شاعر الكوخ احدى محطات التنوير الثقافي، وكان من أنشط أعضاء جماعة أبوللو التي أسهمت في النهوض بالشعر العربي المعاصر ..
حاتم عبدالهادي السيد