خطة مارشال لغزة.. حل حقيقي أم حلم بعيد المنال؟

يواجه قطاع غزة تحديا غير مسبوق في إعادة الإعمار بعد الدمار الهائل الذي لحق به جراء الحرب الأخيرة، حيث تتطلب إعادة البناء جهودا دولية مكثفة تفوق ما تم في الحروب السابقة. تقرير بريطاني حديث كشف أن إعادة إعمار غزة تحتاج إلى خطة بحجم “خطة مارشال” التي ساهمت في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. إلا أن العوائق السياسية والاقتصادية تجعل تحقيق ذلك أمرا بالغ الصعوبة.
في ظل هذا المشهد، تبدو المساعدات الدولية محدودة، لا سيما في ظل توجهات الإدارة الأمريكية. حيث أشارت صحيفة “الجارديان” البريطانية إلى أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب طرح رؤية مثيرة للجدل. تتمثل في “تطهير غزة” وتحويلها إلى وجهة سياحية على الطراز الأمريكي. وهو ما يفاقم الغموض حول مستقبل إعادة الإعمار. التقرير أكد أن خطط ترامب غير واقعية وتعكس تجاهلًا للوضع الإنساني والاحتياجات الحقيقية لسكان القطاع.
إعادة إعمار غزة
تجارب إعادة إعمار غزة السابقة تؤكد أن الجهود المبذولة كانت جزئية ومقيدة بمطالب إسرائيل. التي فرضت رقابة صارمة على دخول مواد البناء خشية استخدامها لأغراض عسكرية من قبل حماس. في أعقاب حرب 2014. تم تطبيق نظام إشرافي تحت إشراف الأمم المتحدة، عرف باسم “آلية إعادة إعمار غزة”. لكن تعقيد الإجراءات وضعف الموارد جعلاه غير فعال. بل أدى إلى ظهور سوق سوداء للمواد الأساسية، مما أضاف مزيدا من التعقيدات إلى الأزمة.
واحدة من أكبر العقبات التي تواجه إعادة الإعمار حاليا هي حجم الدمار غير المسبوق، إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن القطاع يحتوي على نحو 50 مليون طن من الأنقاض. وهو ما يزيد بـ 17 مرة عن حجم الحطام الناتج عن جميع النزاعات السابقة في غزة منذ عام 2008. إذا جمعت هذه الأنقاض في مكان واحد. فستغطي مساحة تقدر بخمسة كيلومترات مربعة. وتُقدر تكلفة إزالة هذا الدمار بحوالي 909 ملايين دولار. مع احتمال أن تستغرق العملية نحو 20 عاما. ما لم يتم دعمها بتمويل دولي ضخم وآليات تنفيذ فعالة.
وتتجاوز أزمة إعادة الإعمار مجرد إزالة الأنقاض أو بناء المساكن، إذ يعاني قطاع المياه والصرف الصحي من انهيار شبه كامل، حيث دُمّرت نحو 70% من مرافق المياه في شمال غزة. وتجاوز الضرر في مدينة غزة وحدها 90%. بما في ذلك محطات تحلية المياه. وفي ظل اعتماد السكان على المضخات الكهربائية لتوزيع المياه، فإن استمرار أزمة الكهرباء يجعل الوضع أكثر تعقيدًا.
قطاع الزراعة لم يكن بمنأى عن الدمار. حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة تعرضت لأضرار جسيمة، فيما فقدت نحو 95% من الماشية. إلى جانب نصف عدد الأغنام. وهو ما يهدد الأمن الغذائي في القطاع. في السابق. لجأت الأمم المتحدة إلى حلول إبداعية مثل توفير مساكن متنقلة للاجئين في الأردن أثناء الحرب الأهلية السورية. وربما يكون هذا الحل أحد الخيارات المتاحة لسكان غزة الذين فقدوا منازلهم، لكن الأمر مرهون بالدعم الدولي.
وبينما تستمر الأزمة الإنسانية، يبقى السؤال مطروحا: من سيتولى إعادة إعمار غزة؟ في حين أن خطة مارشال الأصلية ساهمت في إعادة بناء ألمانيا وأوروبا بفضل دعم أمريكي واسع. فإن الموقف الأمريكي الحالي لا يبدي أي استعداد لتقديم مساعدة مماثلة. على العكس. قامت إدارة ترامب بتصفية “وكالة التنمية الأمريكية”. ما يشير إلى غياب الرغبة في تحمل أي مسؤولية تجاه إعادة الإعمار.
الواقع أن إعادة بناء غزة ليست مجرد عملية هندسية. بل قضية سياسية بامتياز. إذ تحتاج إلى توافق دولي وشراكة حقيقية بين مختلف الأطراف. بعيدا عن الحسابات السياسية التي عرقلت عمليات إعادة الإعمار السابقة. وبينما يواجه الفلسطينيون مهمة شاقة، فإن غياب خطة شاملة واستمرار العوائق المفروضة سيجعل عملية الإعمار أطول وأكثر تكلفة، وربما مستحيلة في ظل الظروف الحالية.