ثقافة و فن

شعراء المغرب العربي وأطلس الأصالة والمعاصرة قراءة تأملية

شعراء المغرب العربي وأطلس الأصالة والمعاصرة

قراءة تأملية

 

كتب / حاتم عبدالهادي السيد :

 

يطالعنا الشاعر المغربي الباسق / حميد شمسدى بقصيدة عصماء من الزمن الجميل، بعنوان : ” معارج الروح ” ، يعيد لنا فيها زمن عمود الشعر الشاهق، حيث خيمة اللغة تتصدر واسط خيمة البهاء الشعرى، وحيث الصور الرقيقة التى تدغدع المشاعر، وتلهب الخيال للمتلقى فينتشى بالشعر عبر عوالم القصيدة، والوصف الجميل الشاهق .

وبعد : هل تصلح قصائد ةعمود الشعر لتشق لنا أفقاً في سرمد الشعرية العربية التى استوى عودها، وتهادت على الجودى، ثم استوت بأرواحنا : عجينة للخلود، وواحة تعبرها الذات إلى عوالم، وفضاءات أكثر إشراقاً .

أتذكر وأنا اقرأ هذه القصيدة العمودية الشامخة بعين دهشة، وبقلب صبور، عنوان كتاب جميل لشاعرنا المبدع الشاهق / محمود حسن عبدالتواب إسمه : ” حطّموا جمود الشعر ” ، وكأنه يستحثنا للخروج من عباءة الشعر الرتيبة ، الجامدة إلى فضاءات المخيال التجديدى، الذى ينمنم المشاعر، ويخش إلى خلجان الروح عبر مرافىء اللغة واشتقاقاتها المتعددة الأثيرة، وجمالياتها الباذخة المائزة كذلك .

كما أستدعى – هنا – مقولة شيخ البلاغيين / عبدالقاهر الجرجانى في تفريقه بين الشعر والنظم، وأحيل نفسى إلى ما قاله وتغياه أبوهلال العسكرى في الصناعتين وحديثه عن الشاعر المطبوع والمصنوع، وهذا ما أحاطنا به علماً وخُبراً البحترى كذلك وغيرهم .

ولكن مع كل هذه المقدمة المتشاكلة، أقول : من حق الشاعر أن يختار القالب الشعرى الذى يدبج عبره قصيدته، ومن حقه أن يتخير الشكل والمضمون الذى يرتأيه ، وتألفه ذائقته، كى لا يكتب تكراراً ممجوجاً ، او مسخاً شعرياً لا يحمده قارءه، ولا يثنى عليه مبغضه كذلك .

وشاعرنا الشاهق هنا قد أجاد إحكام ، وسبك قصيدته التى تعبر عن روح هائمة في الحياة، ومسيرة شعرية ممتدة، ولربما اختار هذا القالب ليدلل إلى جمود روح المحب ويأسه تجاه أنثاه / القصيدة التى يتغياها، وينشد كماليتها، عبر ثوبها العمودى الشاهق الأثير ، يقول :

تُقرأك النائبات مصحفها وجنة الحزن كنت زخرفها

وأدمنتك الشجون قافية فصرت صب الحروف مدنفها

حتى إذا اغرورق الفؤاد دماً لا قطرة في الحشا لتغرفها

وكلما خاطك الهوى وجعاً مضى لعين الخٍياط أتلفها

وكم أتتك الخمور عارية وكم ذبحت الهوى لترشفها

وكلما راودتك عن حلم سارت إليك الرؤى لتقطفها

ثم دعتك المنى إلى نهر للشعر فوق الذرى لتغرفها

عصاك لم تلقف الهوى أبداً حتى أتى سحرة تلقّفها

هذا الهوى توراة محرفة لم تدر من بعد التيه حرفها.

إنه يخفى خلف ظاهر المعنى وجعاً فيزيائياً ، عبر صور باسقة، بسيطة، سهلة، تخش إلى أفئدتنا برفق، وتخفى أوجاع نهر قلبه الدافق بالحب، وأوجاع القصيدة كذلك ، يقول :

نوافذ الروح هدّها أرق لو يعرف الشعر كان أنصفها

بكعبة في الفؤاد قائمة الله بالاحتراق شرّفها

وآية الحب صاغها ملك بنكهة الإشتياق غلّفها

قد قطعت في الجمال ألف يد بليلة كنت أنت يوسفها

فكن على حافة المدى طللا كى تجتبيك الغيوم موقفها.

إنه يرقق المعنى ويبسّطه، ويبسطه لنا عبر بساط الحب ليطير معنا، وبنا إلى فضاءات التذكر، الوجع، الماضى، الغيوم التى تشير إلى نذير مطر قادم، لكنه مطر لا ميتافيزيقى، بل مطر رمزى غامر بالبيان والبديع والمعانى، والصور الدافقة المغبشة فجر أرواحنا الشفيفة ، يقول :

لا عاصم اليوم غير معجزة في التِّبر يوماً غمَّستُ أحرفها

تمضى ونفس ُ القصيد متعبة كأن زحف الطوفان خلفها

كم يظلم الدهر روح قافيتى لو يعرف الشعر كان أنصفها .

إن من يعرف الشعر حق المعرفة لابد أن ينصف الشاعر والقصيدة، وينصف الهدف النبيل وراء مقصدياته، وروحه الباذخة التى تنم عن شاعر وفىًّ لعمود الشعر الشاهق، كما أنه شاعر متسق مع ذاته، يؤطر – عبر أيولوجيا الشعر إطاراً تغيّاه سلفاً ، ولنا أن نغمطه على ذلك، ولا ننتقص من تجديدية تتمرأى لنا عبر مسيرة الشعر الذى يعبر عن روح العصر، وهذه القصيدة شاهقة في العصر الفائت، ولو رجع الشاعر بالخلف لأزمنة متعاقبة ، وعدنا معه فسنرفع له القبعة معجبين بروعة المخيال، وعمق التصاوير، واتساق المعنى بالمبنى، والشكل مع المضمون، ونحن نقول ذلك لنحاول العبور معه إلى الماضى الشعرى، حيث عمود الشعر وخيمته – هناك – ينتظرانه – بشوق، وحرى بنا أن نثمن مقصدياته النبيلة عن الحب والشعر ، ونثمن قصيدته، وخريدته التى وسامها الجميل، ونال عنها جائزة رضى الذات، وإن لم يرض – ربما – الجمهور الأدبى ، وحسبه ذلك، كذلك، فالشاعر يكتب ذاته، لذاته، ولا يضع جمهور الشعر نصب عينيه أثناء كتابة درته الفريدة، قصيدة روحه المشتهاة .

لابد في النهاية أن نحييى الشعر في المغرب العربى، فقد قرأنا لشعراء، وعرفنا شعراء كبار، وحق لنا أن نحييى رهق الشعر، وفرادة الشاعر عبر أطلس الوجود الشعرى الإنسانى الشاهق، والمائز، والجميل أيضاً .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى