أخبار

صندوق النقد الدولي يُطلق تحذيرات: الاقتصاد العالمي يواجه تباطؤا واسعا وتحديات هيكلية متزايدة

 

في تقرير يعكس مدى القلق الذي ينتاب المؤسسات الاقتصادية الدولية بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي، أصدر صندوق النقد الدولي تحذيرات قوية، أمس الثلاثاء، محذرًا من موجة تباطؤ اقتصادي مرتقبة، مدفوعة بتصاعد التوترات التجارية العالمية واستمرار الغموض السياسي في عدد من الاقتصادات الكبرى. هذه التطورات دفعت الصندوق إلى خفض توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات المقبلة، في إشارة واضحة إلى أن مرحلة “ما بعد الجائحة” لا تزال محفوفة بالتحديات.

وبحسب البيانات المحدثة، خفّض الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي من 3.3% في عام 2024 إلى 2.8% في عام 2025، على أن يشهد تعافيًا طفيفًا يصل إلى 3% بحلول عام 2026، وهو ما يُعد بعيدًا عن مستويات النمو التاريخية. هذا التراجع لا يشمل الاقتصاد العالمي ككل فحسب، بل يطال أيضًا اقتصادات كبرى مثل الولايات المتحدة، التي خُفضت توقعات نموها لعام 2025 بنسبة 0.9 نقطة مئوية لتبلغ 1.8%، والصين التي تقلصت توقعات نموها بنسبة 0.6 نقطة إلى 4%. كما تأثرت منطقة اليورو أيضًا، حيث تراجع نموها المتوقع إلى 0.8% فقط.

الأمر لا يتوقف عند النمو فحسب، بل يشمل أيضًا التجارة العالمية التي تعاني من تباطؤ واضح. فقد خفّض الصندوق توقعاته لنمو التجارة الدولية إلى 1.7% في عام 2025، و2% في عام 2026، أي أقل بـ0.5 و0.3 نقطة مئوية على التوالي عن توقعات يناير 2025. ويعكس هذا التراجع الواسع تداعيات الإجراءات الحمائية الجديدة، والآثار غير المباشرة الناتجة عن الروابط التجارية المتشابكة بين الدول، إلى جانب حالة عدم اليقين المتزايدة وتراجع ثقة المستثمرين.

ويؤكد التقرير أن تباطؤ النمو لم يعد احتمالًا نظريًا بل واقعًا فعليًا بدأ يظهر في البيانات الاقتصادية للدول الكبرى والنامية على حد سواء، حيث تشير المؤشرات الحديثة إلى تراجع كبير في النشاط الاقتصادي، ما تسبب في ضغوط واضحة على صناديق الاستثمار والأسواق المالية. كما حذر الصندوق من أن الاقتصاد العالمي يسير نحو مرحلة نمو متوسط تبلغ 3.2% خلال السنوات الخمس القادمة، وهي نسبة أدنى بكثير من متوسط النمو الذي بلغ 3.7% خلال الفترة من 2000 إلى 2019.

الجانب الأخطر في هذا التباطؤ يتمثل في تصاعد الضغوط التضخمية الناجمة عن السياسات التجارية الجديدة. فقد أدت التعريفات المتبادلة بين الولايات المتحدة وعدد من شركائها إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وهو ما يهدد برفع معدلات التضخم إلى مستويات قد تتجاوز المستويات المستهدفة من قبل البنوك المركزية. هذه التطورات تضيف مزيدًا من التعقيد إلى معادلة السياسات النقدية، التي باتت أكثر حساسية لأي تحرك مفاجئ في الأسواق.

في ضوء هذه التحديات، دعا صندوق النقد الدولي إلى استجابة سياسية عاجلة، تبدأ من تنفيذ إصلاحات هيكلية جادة، مرورًا بإعادة هيكلة الإنفاق العام، وتعزيز القاعدة الضريبية للدول النامية بما يتيح لها مواجهة التزاماتها التنموية وتوفير فرص العمل. كما شدد على أن التعاون الدولي هو السبيل الوحيد لتفادي تفاقم الأزمات، خاصة في ظل تزايد الميل نحو السياسات الاقتصادية الانعزالية.

واختتم الصندوق تقريره بالتأكيد على أن الفهم المجتمعي العميق لأهمية الإصلاحات الاقتصادية، والشفافية في تنفيذها، يمثلان حجر الزاوية في إنجاح التحول الهيكلي الذي بات ضرورة لا مفر منها، لا خيارًا يمكن تأجيله. في ظل هذه الصورة القاتمة، يبدو أن العالم مقبل على فترة من التقلبات الاقتصادية التي تتطلب قرارات شجاعة وتنسيقًا عالميًا غير مسبوق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى