رئيس البرلمان المصري يشيد بأغنية صباح في الستينات .. التفاصيل

شهدت المنطقة العربية والعالم حدثاً سياسياً وتاريخياً كبيراً ألا وهو اعلان الوحدة بين مصر وسوريا ، وإعلان الجمهورية العربية المتحدة في ٢٢ شباط-فبراير ١٩٥٨، وعمت الاحتفالات والافراح ارجاء القطرين ابتهاجاً بهذا الحدث التاريخي.
وكالعادة، كان أهل الفن في مصر من مطربات ومطربين وشعراء وملحنين في الطليعة لإحياء هذه المناسبة الوطنية والقومية الهامة، كما في كل المناسبات الوطنية، وخاصة بعد قيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢.
وكالعادة أيضاً، تحوّلت أستوديوهات الإذاعة المصرية الى خلية نحل، وفي خلال ساعات قليلة قبيل إعلان الوحدة والجمهورية المتحدة، كانت عشرات الأغاني والأناشيد قد أعدّت وسُجِّلَت للمناسبة ، واستطاعت الاذاعة في ساعات قليلة ان تحشد مجموعة كبيرة من الفنانين من مطرببن وملحنين وشعراء، وفي خلال أيام معدودة سجّلت الإذاعة اكثر من ٢٠ اغنية ونشيداً تتغنّى بهذا الحدث التاريخي. وفي منتصف فبراير ١٩٥٨، كانت عشرات الاغاني والأناشيد الأخرى لا تزال طور الإعداد. وبسرعة خارقة تحوّلت الأحاسيس الوطنية والقومية الى أشعار وأغانٍ وموسيقى ترددها الملايين. وكانت هذه الأغاني والأناشيد تعد وتكتب وتلحّن وتتم بروفاتها وتسجّل في خلال ساعتين لا بل اقل من ذلك احياناً.
ومن بين الفنانين الذين واكبوا هذا الحدث ، الموسيقار محمد عبد الوهاب، والموسيقار فريد الأطرش وصباح وعبد الحليم حافظ ومحمد قنديل و فايزة احمد وفايدة كامل، ونجاة الصغيرة وآخرين.
???? م الموسكي لسوق الحميدية
بالعودة الى اغاني الوحدة التي أُنجِزَت عام ١٩٥٨ بمناسبة اعلان الوحدة، وفي الاعوام الثلاثة التي دامت فيها وحدة القطرين المصري والسوري، اي حتى ٢٨ سبتمبر ١٩٦١، نجد أن أشهر أغاني الوحدة واكثرها خلوداً، تبقى أغنية ” م الموسكي لسوق الحميدية”، التي تغنّت بها الفنانة الكبيرة صباح ورددها معها الملايين في كافة الاقطار العربية وليس في مصر وسوريا فحسب.
ولولادة اغنية م الموسكي لسوق الحميدية قصة . فقد كتب كلماتها الشاعر مرسي جميل عزيز، بطلب من الإذاعة، التي سارعت بتكليف الشعراء والملحنين بإعداد الأغاني والأناشيد وحدّدت لكل شاعر وملحن اسم المطربة والمطرب التي سغتني او يغنّي هذا النشيد.
فكُلِّفَ الشاعر مرسي جميل عزيز بكتابة أغنية تنشدها الشحرورة صباح على ان يتم اختيار ملحنها بعد انجاز كتابتها .. وكانت الأغنية الخالدة “م الموسكي لسوق الحميدية”.
وما ان انتهى عزيز من كتابة هذه الاغنية ” ، اتصّل المخرج الاذاعي فؤاد الشافعي من اذاعة صوت العرب بالفنانة صباح ولم يجدها وقيل له انها في زيارة للموسيقار فريد الاطرش الذي كان يرقد في فراش المرض آنذاك .
فقام الشافعي بالإتصال بها في منزل الموسيقار فريد الأطرش وعرض عليها الاغنية التي كتبها مرسي جميل عزيز “م الموسكي لسوق الحميدية”، وسألها ان كانت توافق على ان تغنيها ؟
فقالت له صباح انها لا توافق فقط بل وتحب جداً ان تغنيها .. وطلبت على الفور من الموسيقار فريد الاطرش ان يلحن لها كلام الاغنية ، فشرع فوراً في تلحينها وهو في سريره وكانت اول مرة يلحن فيها منذ اكثر من عام بسبب مرضه.
انتهى فريد الاطرش من تلحينها في حوالي ساعة من الزمن وسجّلتها صباح في اليوم التالي اي مساء الاثنين ٣ فبراير ١٩٥٨، وبدأت اذاعتها على الفور ، وحققت نجاحا كبيرا على المستوى الفني والجماهيري ، وذكرت مجلة الكواكب في عددها الصادر في ١١ فبراير ١٩٥٨، ان اغنية صباح الجديدة “م الموسكي لسوق الحميدية”، هي اغنية الوحدة بلا منازع، فلقد بلغ من تجاوب الجمهور معها انها تذاع ست مرات في اليوم الواحد !
مجلة الجيل ذكرت في عددها الصادر في ١٧ فبراير ١٩٥٨، ان الموسيقار محمد عبد الوهاب اعجب جداً بالاغنية ، واتصل بالموسيقار فريد الاطرش وهنأه قائلاً: انت اول ما تشطح تنطح؟! اللحن رائع يا فريد..
ويبدو ان اعجاب محمد عبد الوهاب بالاغنية لم يقتصر على الاعجاب والمباركة فقط ، فقد ذكرت مجلة التحرير الصادرة في ١٨ فبراير ١٩٥٨، ان الموسيقار محمد عبد الوهاب وضع مقطوعة موسيقية جديدة استوحاها من سوق الحميدية وهو اشبه بخان الخليلي عندنا.
ويبدو ايضا ان نجاح هذه الاغنية لم يفتح فقط شهية الموسيقار محمد عبد الوهاب فقط ، فقد ذكرت مجلة الكواكب بتاريخ ٢٥ فبراير ١٩٥٨، ان المطرب كارم محمود سيغني اغنية جديدة للوحدة اسمها ” من الاسكندرية للاذقية”، وهي قريبة الشبه بأغنية صباح “م الموسكي لسوق الحميدية..
???? غنّت صباح هذه الاغنية لأول مرة في حفل عام، في حفلات اعلان الوحدة التي احيتها اضواء المدينة في سوريا في فبراير ١٩٥٨، حيث احيت فرقة اضواء المدينة ثلاثة ليالي احتفالاً بهذه المناسبة ، حفلين في سينما دمشق في دمشق بتاريخ ٢٠ و ٢٤ شباط-فبراير
وحفل ثالث في حلب بدار سينما سوريا في ٢٢ شباط-فبراير ١٩٥٨.
ثم غنتها في معظم حفلاتها التالية ، بينها حفل نادي الضباط في ١٧ ابريل ١٩٥٨ بمناسبة عيد الجلاء السوري ، وبحضور الرئيس جمال عبد الناصر.
وحفل ذكرى تأسيس اذاعة صوت العرب الخامس في دار سينما قصر النيل بتاريخ ٤ يوليو ١٩٥٨.
وحفلات أضواء المدينة الثلاث بمعرض دمشق الدولي أيام ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ سبتمبر ١٩٥٨ وحفلات اخرى وكرّت السبحة.
???? اغنية م الموسكي لسوق الحميدية اغنية خالدة والاكثر شهرة وخلوداً من بين كل اغاني الوحدة التي يكاد لا يتذكرها احد ، بينما اغنية م الموسكي لسوق الحميدية ، فلا زالت على كل شفة ولسان ، و كل مقالة تتحدث عن الوحدة العربية تبدأ بذكر اغنية م الموسكي ، وفي ٢٢ فبراير الماضي ٢٠٢٣ احتفلت قناة البلد المصرية بذكرى الوحدة واذاعت هذه الاغنية الخالدة .،
مجلة صوت الأمة ذكرت في احد مقالاتها في فبرابر ٢٠١٦، عن ذكرى الوحدة ، ان الافراح عمّت مصر وسوريا بشكل مذهل ، وخلال زيارة الرئيس جمال عبد الناصر لدمشق قام السوريون برفع سيارته من على الارض ، وراحوا ينشدون مع الجماهير المحتشدة في الطرفات اغنية الفنانة صباح ” من الموسكي لسوق الحميدية .. انا عارفة السكة لوحديا ” التي اصبحت اشهر اغاني الوحدة واكثرها خلوداً، والكلام دائماً لصوت الأمة.
???? اما المفاجأة الكبرى التي جعلتني اتناول هذه الاغنية اليوم ، فهو خطاب رئيس مجلس الشعب المصري الدكتور حنفي الجبالي، الذي القاه في مجلس الشعب السوري في فبراير الماضي ٢٠٢٣، والذي رافق قافلة المساعدات المصرية للشعب السوري بمصاحبة وفد برلماني مصري كبير بعد الزلزال الاخير الذي ضرب سوريا، وافتتح د.الجبالي خطابه قائلاً:
“انا لن اقول كلام سياسي ولا دبلوماسي ، سأخرج عن الدبلوماسية اليوم ، واقول اني انا وجاي سألت الاخ السوّاق : فين سوق الحميدية ؟!
▪️ قال لي بعد حوالي ٣٠٠ متر من هنا .. بتسأل ليه ؟
▪️وتابع الجبالي : عارفين سألته ليه ؟!
قلتله في عندنا الاغنية المصرية الي بتغنيها الفنانة كبيرة صباح م الموسكي لسوق الحميدية ، دي بتحكي عن الرباط التاريخي الوثيق بين مصر وسوريا في فلكلور جميل بسيط جداً. واحنا هنا جايين نعيد هذا الرابط التاريخي بين الشعبين السوري والمصري.
صحيفة الدستور المصرية التي تناولت في فبراير الماضي زيارة الوفد البرلماني المصري الى سوريا كتبت :
” الزيارات المتبادلة بين البلدبن تستحضر من بعيد صدى صوت الرائعة صباح الشحرورة وهي تغني للبلدين الشقيقين أغنيتها الشهيرة ” من الموسكي لسوق الحميدية، أنا عارفة السكة لوحديا كلها أفراح و ليـالي ملاح وحبايب مصر يا سورية”.. كلمات كتبها مرسي جميل عزيز ولحنها الموسيقار فريد الأطرش وغنتها الشحرورة عقب إعلان الوحدة بين مصر وسورية عام ١٩٥٨.. ومازالت هذه الأغنية معبرة بقوة عن العلاقات التاريخية العميقة بين البلدين الكبيرين وبين الشعبين الشقيقين.
صحيفة اليوم السابع كتبت ايضا في فبراير الماضي عن زيارة الوفد المصري الى سوريا وقالت :
“ان التقدير والاشادة بالمواقف العروبية المصرية من الشعب السوري يعيد إلى الذكرة الشعبية فى البلدين الشقيقين أيام وليالي وسنوات الوحدة السورية المصرية وتستعيد الذاكرة أصداء صوت الشحرورة صباح وهي تشدو “من الموسكي لسوق الحميدية أنا عارفج السكة لوحديا، بأمان وسلام وبشوق وغرام ح نغنـى نشيد الحرية، والكلمات للشاعر الجميل مرسى جميل عزيز والالحان للموسيقار فريد الأطرش.
وهما أيضا من سطرا للشحرورة أغنية ثانية لعيد الوحدة :” حموي يا مشمش بلدي يا مشمش، عيد وحدتنا ملا سكتنا، وفرش بيتنا زهر المشمش، شرفت يا عيد وآنست يا عيد يا فرح يا جديد على حب جديد”..
موقع ميدل ايست نيوز علّق على خطاب رئيس البرلمان المصري وكتب: “استشهد دكتور الجبالي بعنوان أغنية مصرية للنجمة اللبنانية الراحلة صباح، وتلحين الموسيقار السوري-المصري الراحل فريد الأطرش. كان “زمن الوحدة” وكانت كلمات الأغنية تشير إلى أن صباح اللبنانية “تعرف طريقها” بين القاهرة (سوق الموسكي) ودمشق (سوق الحميدية). وها هي كلمات مرسي جميل عزيز جميل وصوت الشحرورة صباح يلقيان صداهما في آذان البرلمانيين العرب لأول مرة منذ عام ١٩٥٨، عندما غنتها صباح في حفلات الوحدة في دمشق.
اتحدث عن حفلات دمشق في وقت لاحق حتى لا اطيل عليكم اكثر اليوم .
مرفق، صور من الحفل الاول لاضواء المدينة في دمشق ٢٠ فبراير ١٩٥٨، وبعض المقالات والقصاصات التي تتعلق باغنية “م الموسكي لسوق الحميدية “..
توثيق وتأريخ وارشيف كارول الخوري