تقرير يحمّل إسرائيل قتل مدنيين في التصعيد الأخير
خلال 5 أيام من القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في الحرب الأخيرة ضد الجهاد الإسلامي، قتلت إسرائيل 30 فلسطينياً، ثلثهم لم يشاركوا في القتال.
ووفقاً لموقع بتسيلم العبري فقد قتل عشرة فلسطينيين مدنيين لا علاقة لهم بالقتال في الدقيقة الأولى من الحرب، عندما هاجمتْ إسرائيل، بمبادرتها الكاملة، ثلاثة منازل يسكنها ناشطون من الجهاد الإسلاميّ وأفراد عائلاتهم.
حيث قصف منزل طارق عزّ الدين، فقُتِل هو وطفلاه علي وميار، كما قُتل جيرانه الذين كانوا يسكنون في الشقّة التي فوقهم، د. جمال خصوان، وزوجته ميرفت وابنهما يوسف.
وفي قصف منزل خليل البهتيني، قُتِل هو وزوجته ليلى،وابنتهما هاجر، كما قُتِلتْ شقيقتان كانتا تسكنان في الجوار، وهما دانيا عدس، وإيمان 17 عامًا، وفي قصف منزل جهاد غنّام قُتِل هو وزوجته وفاء.
وأوضح الموقع الإسرائيلي أن المراسلون الذين حضروا في التوجيهات السرّيّة التي أجراها ممثّلو الجيش مع وسائل الإعلام بعد الهجوم، بأنّه تم إبلاغهم بأنّ المسؤولين الذين أمروا بالقصف كانوا يعلمون بوجود أشخاص آخرين في البيوت التي تمّ قصفها وبأنّهم افترضوا أنّ ثمّة احتمالًا كبيرًا لأن يُقتل هؤلاء أيضًا.
كما نُشِر أنّه في الجيش الإسرائيليّ قالوا إنّهم كانوا يعلمون بوجود أشخاص غير ضالعين على مقربة من قادة الجهاد الثلاثة، وكذلك باحتمال تعرّضهم للأذى، لكنّ هذه التقديرات أُخِذت بالحسبان في قرار تنفيذ عمليّات القتل الموضعي”.
وأشار الموقع إلى أنه في الماضي، عندما قُتل مدنيّون في عمليّات القصف التي نفّذتها إسرائيل في قطاع غزّة، كان المسؤولون يحاولون الادّعاء بأنّ هذه الإصابة لم تكن متوقّعة، أو أنها نتيجة مؤسفة لخلل ما، وغيرها من الادّعاءات المماثلة.
هذه المرّة نُزعت الأقنعة وحتى هذه الادّعاءات لم يتم طرحها، بدلًا من ذلك حاولتْ إسرائيل الادّعاء بأنّه حتّى في ضوء هذه النتائج المعروفة مسبقًا، فقد كانت العمليّة قانونيّة.
وحول التبرير الإسرائيليّ الأول قال مسؤولون في الجيش أن ما حدث هو مجرد “ضرر عرَضيّ” قانونيّ، وَفقًا للقانون الدوليّ الإنسانيّ لأنّه كان “تناسبيًّا” وأنّ القتلى العشرة، وفقًا لهذا الادّعاء، هم “ضرر عرَضيّ” فحسْب.
هكذا على سبيل المثال، ادّعى المتحدّث باسم الجيش الإسرائيليّ بأنه “نفّذنا هنا عمليّة موضعية للغاية ذات رسالة واضحة للغاية، بمستوى نوعيّ لضرر عرَضيّ محدّد للغاية”.
غير أنّ هذا الرأي لا أساس له إطلاقاً، فوفقًا لمبدأ التناسبيّة، يُعتبَر الهجوم غير قانونيّ إذا كان من المتوقّع أن يتسبّب في “ضرر عرَضيّ” للمدنيّين وممتلكاتهم يكون مفرطًا مقارنة مع الأفضلية العسكريّة “المباشرة والملموسة” المتوقّعة للجانب المهاجم نتيجةً له.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ السؤال بشأن ما إذا كان الإجراء تناسبيًّا لا يُطرَح إلّا في الحالات التي كان فيها الهجوم نفسه قانونيًّا ـ أي كالهجوم الذي يستهدف أهدافًا عسكريّة مشروعة.
فإذا لم يكن الهجوم على هذا النحو، فسيكون غير قانونيّ بغضّ النظر عن مسألة إلحاق الضرر بالمدنيّين وبممتلكاتهم.
كما يُعرَّف “الهدف العسكريّ المشروع” بأنّه الهدف الذي يساهم “مساهمة فعّالة في عمليّة عسكريّة” وبأنّه الهدف الذي من شأن إلحاق الضرر به أن يمنح الطرف المهاجِم “أفضليّة عسكريّة بارزة”.
وبحسب مسؤولين إسرائيليين فإن الهجوم في تلك الليلة استهدف شقق ثلاثة ناشطين من الجهاد الإسلاميّ، وكذلك بيتان إضافيّان للجيران، دُمّرت تدميرًا كاملًا، فهل يمكن اعتبار بيوت الناشطين أهدافًا عسكريّة مشروعة وفقًا للتعريف أعلاه؟
الجواب هو بالنفي طبعًا وإسرائيل لم تحاول ادّعاء ذلك أصلاً، لم يدّعِ أيّ مسؤول رسميّ بأنّه تمّ في تلك الشقق تنفيذ أيّ نشاط قدّم “مساهمة فعّالة في عمليّة عسكريّة” أو أنّ إلحاق الضرر بها سيمنح إسرائيل “أفضليّة عسكريّة بارزة”.
تمّ إلحاق الضرر بالبيوت عرَضيًّا وليس كهدف في حدّ ذاته، بالنظر إلى هذا، فإنّ الهجوم بأكمله غير قانونيّ، حتّى قبل القتل الواسع النطاق الذي تسبّب به.
اما التبرير الإسرائيليّ الثاني: الذنْب أصلًا هو ذنْبُ ناشطي الجهاد الإسلامي الذين يختبئون خلف المدنيّين
هذا التبرير الآخر الذي ذكره المسؤولون الرسميّون هو أنّ ناشطي الجهاد، الذين يختارون الاختباء خلف المدنيّين، هم المسؤولون عن ذلك، فعلى سبيل المثال، قال رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي، إنّه “لو كان بالإمكان تنفيذ اغتيال قادة الجهاد دون إيذاء الأبرياء لكان الجيش الإسرائيليّ قد فعل ذلك، لكن يجب تذكُّر أنّ الإرهاب ينشط من بين السكّان المدنيّين، كجزء من نهج، وبذلك يُعرّض سكّان قطاع غزّة للخطر”.
هذا الادّعاء مستهجَن بالنظر إلى أنّ ناشطي الجهاد كانوا نائمين في بيوتهم مع أفراد عائلاتهم ولم يشاركوا في نشاط عسكريّ “من بين السكّان المدنيّين”، لكن عدا ذلك، فهذا الادّعاء يقود إلى نتائج غير قانونيّة.
وهذا الخلط يقوّض أبسط قواعد القانون الإنسانيّ التي تهدف إلى تقليص الضرر اللاحق بالمدنيّين قدر الإمكان وإبعادهم عن مناطق القتال.
وفقًا لإسرائيل، فإنّ هذا السلوك يمنحها حرّيّة تصرّف غير محدودة، إنّه يحرّرها من واجب الامتثال للقانون ويبرّر الأضرار الجسيمة التي تُلحِقها بالسكّان المدنيّين.
لكنّ هذا التفسير يبرّر مسبقًا أيّ عمل تسعى إسرائيل إلى تنفيذه في القطاع، مهما كانت نتائجه مروّعة، إنّه يحرّر إسرائيل من واجبها في تقليص الضرر اللاحق بالمدنيّين وبممتلكاتهم قدر الإمكان ويفرغ من أيّ مضمون القاعدة التي تنصّ على أنّ حقيقة كون أحد الطرفين قد انتهك الأحكام لا تعفي الطرف الآخر من وجوب تطبيقها.
إسرائيل هي التي اختارت إطلاق الصواريخ التي قتلت ودمّرت، وبالتالي فهي التي تتحمّل المسؤوليّة الكاملة والحصريّة عن إلحاق الضرر بالمدنيّين الفلسطينيّين وبممتلكاتهم، يجب رفض أيّ تفسير آخر يحمّل الفلسطينيّين المسؤوليّة عن هذا التصرّف ونتائجه، جملةً وتفصيلًا.
خلال جولات القتال التي اندلعت في قطاع غزّة في السنوات الأخيرة هاجمتْ إسرائيل مناطق سكنيّة مكتظّة بالسكّان من البرّ والجوّ والبحر، قُتِل آلاف الفلسطينيّين وجُرح آلاف آخرون ودُمّرت عشرات الآلاف من المنازل وبقي مئات الآلاف من الناس بدون سقف يؤويهم.
فَقَدَتْ عائلات كاملة عالمَها كلّه في لحظة واحدة، دون أن يتمكّنوا من حماية أطفالهم وأنفسهم داخل منزلهم.
على الرغم من عدم قانونيّة هذه السياسة، إلّا أنّها تحظى بدعم كامل من جميع المستويات العليا في إسرائيل، المستوى السياسيّ والمستوى القضائيّ والمستوى العسكريّ.