“المخطوف” قصة قصيرة تتألق بالملتقى الإفرو آسيوي
“المخطوف” قصة قصيرة تتألق بالملتقى الإفرو آسيوي
أقيمت المسابقة الأدبية الكبرى للقصة القصيرة بتنظيم الملتقى الإفرو آسيوي للإبداع، تحت رعاية المهندس أيمن حافظ عفرة، الرئيس الفخري للملتقى. حملت المسابقة اسم الكاتب المصري الكبير محمد جبريل.
وفي هذا السياق ننشر هذه القصص بدون ترتيب للفائزين.
(3)
قصة قصيرة
المخطوف للكاتب طارق سعد
فزّ مفزوعا، ليفاجأ بأسلحة نارية موجهة نحو رأسه وساقيه، ولفرط الرعب، لم يستطع أن يصرخ، كأن صوته تلاشي أو انحبس. فشل في قراءة الوجوه المختبئة خلف الأقنعة المخيفة، فقط استطاع أن يتبين ضخامة الأجساد والتكوينات العضلية المتينة، على ضوء خافت، وقبل أن يفكر في القيام من سريره، أطلق عليه أحدهم رذاذا، فوجد نفسه مقيدا، معصوب العينين، داخل صندوق مبطن بقطيفة سوداء.
أفاق، على رائحة منعشة، وأصابع غليظة تضرب خدّيه بخفّة، ليجد نفسه محاطا بالمسلحين ذوي الأقنعة، داخل غرفة كصندوق من الفولاذ الأسود. دفعه أحدهم نحو من يبدو أنه كبيرهم، وهو مازال، يلملم نفسه ويجاهد محاولا الفهم.
ابتسامة لزجة من كبير المسلحين، لم تخفف من بشاعة القناع الملتصق بوجهه، قال بلطف مصطنع:
– لا تؤاخذنا يا “نجم”.. رجالنا غلاظ قليلا، بحكم طبيعتهم، والمهام الخطيرة التي يقومون بها.
“عمليتنا” معك بسيطة جدا، لكن الاحتياط واجب، خاصة وأن جسدك رياضي وقوي..
خبّط على عضلات “النجم” المذهول وهو يكمل:
– نحن الذين سمحنا لك بتكوين تلك “العضلات الفنية” الضخمة، ولو شئنا لجعلناها هزيلة..
لا تندهش، خيوط اللعبة كلها في أيدينا، نحن كيان قوي جدا، أقوى مما تتصور، كأخطبوط عملاق، يمكنه القبض على سفينة ضخمة بذراع واحدة، بل يمكنه منع جريان الماء، اذا أراد. نحن المسيطرون..
أكمل وهو ينفث دخان سيجاره ويدور حول النجم:
– لا ندع شيئا يفلت، المحبس في أيدينا، والمفتاح، ولا مجال لأي تسرّب أو تسريب، الا برغبتنا، ووفق حساباتنا، وهوانا.
نحن نعرف الجميع، نتابع، ونفرز جيدا، ونلتقط من نراه صالحا لتنفيذ أهدافنا، نساند وندعم ونبرز من لديه استعداد للعمل لصالحنا، ومن يحقق أهدافنا دون قصد منه، ونضع الخطط للايقاع بمن نريده وندرك أنه يرفضنا، وفي النهاية ندفعه ليلعب لصالحنا وبشروطنا..
ابتسم وهو يقول:
– نشتري ونقايض ونساوم ونضغط ونفاوض.. بالمال والشهرة، والنجومية والسلطة، والنساء، وبالمنح والمنع، وبالتهديد والخطف.. والقتل، اذا لزم الأمر.
طرقع بأصبعيه، فظهرت أمامهم شاشة عرض، تتابعت عليها المعلومات عن “النجم” منذ ميلاده، وحتى لحظة وقوفه أمام كبير المسلحين.
فوجيء النجم بالكثير مما كان يظنّها أسرارا دفينة، وبذهول يتعاظم، عاود مجاهدة نفسه محاولا الفهم، وهو يتساءل، في سرّه، عن هؤلاء الغرباء المرعبين، وأفزعه ما تصّور..
لكزه أحد الرجال بسلاحه، فانتبه من شروده، ووجد كبير المسلحين يبتسم وهو يرميه بنظرات لزجة خبيثة، كأنه يؤكد أنه يعلم ما في رأسه، ثم طرقع باصبعيه، فتقدمّ ثلاثة رجال، يحمل كل منهم عشرة ملفات بين يديه، وضعوها متجاورة في ثلاثة صفوف، على طاولة بمنتصف الحجرة، وتراجعوا.
أشار كبير المسلحين الى صفوف الملفات، تباعا، وهو يكلم النجم:
– هذه أعمالك الجديدة التي سوف تقدمها في الموسم المقبل، وهذه خطط ظهورك، وتحركاتك، ومظهرك.. كل شيء.
مدّ النجم يدا مرتشعة، وتناول بعض الملفات، قلّب الأوراق وتوقّف ليقرأ بعض ما فيها دون صوت.. ثم عاد الى الورقة الأولى لبعض الملفات، وحملق فيها بدهشة وهو يغمغم:
– ما هذا؟ ومن هؤلاء؟
– هؤلاء من أتباعنا.. أخرجناهم من “المخزن” وكلفناهم بالتفكير والكتابة.
قالها كبير المسلحين بنفاذ صبر.
تلعثم النجم، محاولا تلطيف الاعتراض:
– لكن..
طفح الغضب على وجه كبير المسلحين وهو يقول:
– يبدو أنك تريد أن تعلّمنا شغلنا؟ لكننا نعرف شغلنا جيدا. حتى اذا أردنا أن يكون “زفت”.. لديك مانع؟ معترض؟
شعر النجم بانسداد حلقه، فاكتفى بالتلعثم.
تصنّع كبير المسلحين اللطف، تناول بعض الملفات وقال:
– لقد تعبنا كثيرا لانجاز هذه الأعمال. لا يمكننا ترك أي عمل لنجم محبوب مثلك دون أن نصنعه على أعيننا، لأننا لا نظمئن الى محتواه الا اذا كان نتاج أتباعنا، حتى وان بدا سخيفا تافها مستفزا صادما، من وجهة نظر البعض.
ونحن، رغم كل ذلك، نوقن تماما بأنه سيعجب الكثير من الناس.. الناس في كرب، وفي أشد الاحتياج الى أي شيء يضحكهم، ويلهيهم، وينسيهم ما يعانون، ويريدون أيضا ما يستفزهم ليطلقوا أشد انفعالات الكره والحقد والغل والنميمة والشماتة والانتقام.
لن يغضب أو يستنكر الا المثاليين السذّج وأهل الحكمة وخبراء النقد والتحليل، وهؤلاء قليلون جدا، ونعرف كيف نواجههم، لدينا جيوش ممن يعظّمون من نأمرهم بمدحهم، وينهشون من نأمرهم بالهجوم عليهم.
نحن لا نلعب، كل شيء لدينا بقدر دقيق.
بتردد، تناول النجم ملفا، وقال:
– هذا وحده يتكلف عشرات الملايين..
قاطعة بكبرياء ونظرات مرعبة:
– عشرات الملايين أو مئات الملايين، أو حتى مليارات الدولارات.. هل تدفعها من جيبك؟
هذه أموالنا نحن. كل ما حولك ملكنا.. وأنت.
– أ.. أ.. أنا!
– أنت تحصل على نصيب الأسد، لأنك نجم، ولديك شعبية كبيرة..
الملايين مقابل بعض النكات والحركات المضحكة، أو السخيفة حتى. ألا ترى أنها صفقة مربحة جدا بالنسبة لك؟
كثيرون جدا جاءوا مهرولين يقبّلون الأيدي والأعتاب، دون دعوة، لنرضى عنهم، وندخلهم تحت عباءتنا.. وقليلون جدا جئنا بهم – مثلك- رغم أنفهم.
متلعثما، سأله النجم:
– تسمح لي بمكالمة هاتفية؟
بحركة من يده، أجاب كبير المسلحين بنعم.
جاء الصوت على الطرف الآخر من الهاتف:
– لا يمكنك الرفض يا نجم، انتهز الفرصة، وافق وضع توقيعك على العقد.
بدا أن أن النجم يستسلم، فاتسعت ابتسامة كبير المسلحين وهو يطرقع بأصابعه، وفوجيء النجم بقلم في يده، وورقا أمامه، واصبعا يشير الى حيث يجب أن يوقّع، بينما كبير المسلحين يطلق ضحكة انتصار مجلجلة، بترتها أصوات غاضبة صاخبة، تقترب من بعيد.