الأستاذ الدكتور أيمن وزيري يكتب: قناة سنوسرت الثالث “سيزوستريس”… ما لها وما عليها !
في إطار حرص الدولة المصرية خلال الآونة الأخيرة، ومن منظور إهتمام مؤسسة رئاسة جمهورية مصر العربية بالمشاريع القومية وتعضيد كل ما يتعلق بجوانب الأمن القومي والإقتصاد المصري، ومن باب الدعم الكامل لشواهد ودلالات الحضارة المصرية قديماً ومظاهرها وموروثاتها حديثاً، فكان هناك إهتمام بالقناة المُسماة “قناة سنوسرت، سيزوستريس، قناة السويس”، فما هي مُسماها وكيف تطور دلالياً وما هي أهميتها وما الذي وقع عليها من تعدي واهمال؟.
إنها القناة المُسماة “قناة سنوسرت الثالث”، والمعروفة باسم “قناة سيزوستريس”، والتي هي بمثابة قناة تم حفرها بواسطة المصريين القدماء خلال عهد الملك “سنوسرت الثالث” الذي حكم من حوالي (1878-1839 ق.م) وهو يُعتبر خامس ملوك عصر الأسرة الثانية عشر، كما يُعد واحداً من أهم وأعظم ملوك مصر القديمة بصفةٍ عامةٍ وملوك عصر الدولة الوسطى بصفةٍ خاصةٍ، والذي أطلق عليه الإغريق اسم “سيزوستريس” ومن ثَّم فقد عُرفت القناة باسم قناة سيزوستريس، وتُعتبر تلك القناة بمثابة أول قناة مائية تربط بين البحر الأحمر والبحر المتوسط عبر نهر النيل، ولقد أُعيد حفرها خلال الفتح الإسلامي لمصر وسُميت بــ “خليج أمير المؤمنين”، ووالتي كان يتم من خلالها نقل خراج مصر لمقر الخلافة في الحجاز, كما أُعيد حفرها في خلال فترة حكم “سعيد باشا” والي مصر العثماني الذي حكم ما بين 1854-1863م، وتم صدور قرار إعادة حفرها في 5 يناير من عام 1856م وسُميت بـــ “قناة السويس”.
أولاً: الإسم ودلالته وتطوره عبر العصور:
سُميت القناة بالعديد من الأسماء منذ تاريخ شقها مثل:” قناة سنوسرت، قناة سيزوستريس، خليج أمير المؤمنين، خليج القاهرة، الخليج الحاكمي، الخليج المصري، فُم الخليج، قناة السويس”. وخلال العصر الفاطمي بمصر سُمي الخليج بـــ”خليج القاهرة”، ثم تغير إلى “الخليج الحاكمي” من منظور نسبته إلى الحاكم بأمر الله ، وحينما إزداد عمران القاهرة وارتبط بحاضرة الفسطاط فسُمي بـــ”الخليج المصري” وذلك خلال القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي؛حيث كان”الخليج المصري” المُمتد من النيل جنوب القصر العيني الحالي؛ حيث سُمي ذلك القسم بـــ “فُم الخليج” الذي بمثابة منطقة سكنية حالياً. ولقد تم توجيه مجرى الخليج ليتجه في الإتجاه الشمال الشرقي ومن ثَّم فينحني حتى يصل إلى منطقة ميدان السيدة زينب الآن، ثم يصل إلى منطقة “درب الجماميز” أمام المدرسة الخديوية ليمتد إلى منطقة “باب الخلق”، ثم منطقة “باب الشعرية” ثم منطقة “الحسينية” المجاورة لجامع الظاهر بيبرس، ثم يمتد إلى مناطق “الزاوية الحمراء” و”الأميرية”، كما يمتد مجرى الخليج ليصل بالقرب من مناطق “بلبيس” و”العباسة” و”التل الكبير” و”سرابيوم” حتى يصل ليصب في نطاق “بحيرة التمساح” و”البحيرات المرة” التي كانت مُتصلة بالبحر الأحمر.
ثانياً: ماهية القناة ودلالات تطورها عبر العصور :
خلال عهد الملك “سنوسرت الثالث” حوالي عام1850 ق.م، أمر الملك سنوسرت الثالث بشق أول قناة مائية تربط ما بين البحر الأحمر والبحر المتوسط عن طريق النيل والتي سُميت بقناة سنوسرت، والتي ساهمت في إزدياد النشاط التجاري بين مصر وبلاد بونت وكذلك بين مصر وجزر البحر المتوسط مثل كريت وقبرص. أما خلال عهد الملك سيتى الأول حوالي عام 1310 ق.م من عصر الأسرة التاسعة عشر، ويُعتقد أنه قد أعاد حفرها وتطهيرها. خلال عهد الملك نخاو الثاني حوالي عام 610 ق.م من عصر الأسرة السادسة والعشرين، والذي قد قام باعادة حفر القناة لتصل ما بين النيل والبحر الأحمر. أما خلال عهد الملك “دارا الأول” حوالي عام 510 ق.م وإبان عصر الغزو الفارسي لمصر، فقد بدت أهمية برزخ السويس، كما إتسعت دائرة خطوط الملاحة البحرية بين مصر وبلاد فارس من خلال البحر الأحمـر، ويُعتقد أنه خلال تلك الفترة قد أُعيدت الملاحة في القناة كما رُبط النيل بالبحيرات المرة، فضلاً عن ربط البحيرات المرة بالبحر الأحمر. خلال عهد “الإسكندر الأكبر” حوالي عام 332 ق.م، فقد اُعيد شق القناة وسُميت “قناة الإسكندر الأكبر”، وذلك من أجل سهولة إنتقال السفن الحربية من ميناء الإسكندرية وميناء أبي قير بالبحر المتوسط إلى البحر الأحمر عبر الدلتا والبحيرات المرة. وخلال عهد بطليموس الثانى حوالي عام 285 ق.م، فقد تم إعادة إستكمال شق القناة وصارت تمتد من النيل حتى السويس، ولكن بعد ذلك فقد أُهملت. أما خلال عهد “تراجان” حوالي عام 117 ق.م من فترة الحكم الروماني لمصر، فقد تمت إعادة الملاحة في القناة، كما تم إنشاء فرع للنيل يبدأ من “فم الخليج” بالقاهرة، وينتهي في “العباسة” بمحافظة الشرقية، والذي كا يتصل مع الفرع القديم الذي يربط باللبحيرات المرة، ولقد استمرت القناة في دورها الملاحي المهم لفترة ، ثم أُهملت كما صارت غير صالحة لمرور السفن. خلال عهد “عمرو بن العاص” حوالي عام 640م، وحينما فتح المسلمون مصر في عهد الخليفة “عمر بن الخطاب” على يد الوالي “عمرو بن العاص”، الذي إهتم بتمهيد عمليات الإنتقال إلى شبه الجزيرة العربية، فكان لزاماً أن يتم إعادة شق القناة من الفسطاط إلى القلزم (السويس) حوالي عام 642م، والتي سُميت باسم “قناة أمير المؤمنين”، حتى جاءت فترة حكم الخليفة “أبو جعفر المنصور” حوالي عام 753-754م، وهو الذي أمر بردم القناة وطمرها تماماً من جهة السويس لمنع الإمدادات من مصر إلى أهالي مكة والمدينة الثائرين ضد الحكم العباسي، كما تم إغلاق الطريق البحري إلى الهند وبلدان الشرق حيث صارت الممارسات التجارية تنتقل عبر الصحراء؛ فأُغلقت القناة حتى عام 1820م ، ثم أُعيد حفرها بعد ذلك، ولكن تغير مجراها كما تغير إسمها إلى “قناة السويس”.
ثالثاً: الإهمال الذي إكتنف القناة وأدى لطمس معالمها:
لقد ضربت أيادي الإهمال وأثرت سلبياً على القانة/الخليج وذلك فيما بعد تشغيل الملاحة البحرية في قناة السويس عام 1869م، وحينما تم إنشاء شركة مياه القاهرة خلال عهد الخديوى إسماعيل؛ حيث تم توصيل مياه الشرب إلى أحياء القاهرة، وحينذاك فلم يكن هناك ضرورة لوجود الخليج المصري الذي تم إهماله وطُمست ملامحه كما تحول حاله إلى مكان ترتع فيه المخلفات. ولقد أمر الخديوى عباس حلمي الثاني في هر شفبراير من عام 1897م مرسوماً بردم الخليج تماماً من منظور مراعاة الصحة العامة، ولقد تناوبت وتتالت أعمال الردم والطمس؛ حيث قامت شركة ترام القاهرة باجراء الردم ليحل محل موضع الخليج طريق للنقل والمواصلات بواسطة الترام. ولقد تم ردم “الخليج المصري” فعلياً خلال عام 1898م حيث تم تعديل ملامحه القديمة ومن ثّم فقد تحول إلى شارع عمومي سُمي بــــ “شارع الخليج المصري”، والذي كان يسير في نطاقه خط الترام حوالي عام 1899م لكي يربط بين مناطق”غمرة” و”باب الشعرية” و”السيدة زينب” و”القصر العيني”، وخلال عام 1956م تم تغيير اسم شارع الخليج المصري ليُسمى بـــ “شارع بورسعيد”.
رابعاً: الأهمية التاريخية والحضارية لقناة سنوسرت الثالث/سيزوستريس:
تُعتبر أول قناة مائية مُنشأة في عهد الملك سنوسرت الثالث حوالي عام 1850 ق.م، والتي كانت تُستخدم للملاحة والربط ما بين البحر الأحمر والبحر المتوسط، ساهمت مع إمتدادها المُسمى “قناة كبريت” في إتساع وازدياد النشاط التجاري والحركة الملاحية بين مصر وبلاد بونت، وكذلك بين مصر وجزر البحر المتوسط مثل “كريت” و”قبرص”. تُعد من المشاريع القومية القديمة التي كانت تمتد من الفرع البيلوزي لنهر النيل الذي كان بمثابة أحد فروع القديمة المُندثرة من دلتا النيل والذي يكتنف نطاق “تل بسطة” بمحافظة الشرقية، فضلاً عن أهمية القناة الكامن في مرورها غرباً بوادي الطميلات ومدينة بيتوم في الإسماعيلية، ثم مرورها جنوباً لتصل بالبحيرات المرة ومنها إلى خليج السويس عبر قناة كبريت المائية. ومن أهمية القناة أنها كانت ذات تأثير إيجابي على ميناء دمياط حينما كانت المقر الاداري ومكاتب شركة القناة في دمياط، كما أثرت سلباً بعدما انتقل المقر الاداري ومكاتب الشركة لمصر، وينطبق الحال كذلك على ميناء رشيد، ولقد ساهمت القناة في الرواج والازهار إقتصادياً في مدينة الزقازيق التي كانت بمثابة مكان لتجمع العمالة القائمة بعملية حفر القناة. ومن منظور المقارنة مثلاً بين “قناة السويس-مصر” و”قناة بنما- إحدى دول أمريكا الجنوبية”؛ فتتميز قناة السويس بخلوها من الأهوسة مما يجعل السفن ووسائل النقل البحرية تتمكن من المرور فيها بسهولة من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط وبالعكس في حيز ومستوى ماء متساوي، وذلك بعكس “قناة بنما” التي تحتوي على حوالي (12) هويساً في القناة لتيسير مرور وسائل النقل البحرية والسفن من خلال المستوى الأرضي المرتفع فيما بين المحيط الهادي والمحيط الأطلسي والذي يبلغ إرتفاعه حوالي 26 متراً، وذلك بسبب صلادة الصخور الأرضية وعدم إمكانية إزالتها. ومن منظور آخر، فبعدما تم إفتتاح قناة السويس للملاحة الدولية عام 1869م فقد حدثت هجرات لبعض الكائنات البحرية من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط من خلال القناة؛ حيث لوحظ هجرة ما يزيد عن ثلاثين نوعاً من الكائنات البحرية إلى البحر المتوسط ويطلق على هذه الهجرة، كما حدث العكس أيضاً فلوحظ هجرة بعض أنواع الكائنات البحرية من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر من خلال قناة السويس التي كان لها دوراً مهماً خلال العصور القديمة ودوراً ملموساً خلال العصر الحديث.