
الدكتور أحمد ضياء الدين محافظ المنيا الأسبق يكتب :السودان بين التمرد، والطوفان
تتفاقم فى كل لحظة أحداث الصدام المسلح الذى تشهده السودان الشقيق، والذى تفجرت نيرانه بين قوات الدعم السريع من ناحية، وقوات الجيش السودانى النظامى من ناحية أخرى. وكانت قبل أيام قليلة انتشرت قوات الدعم السريع في العاصمة الخرطوم. وهو التحرك الذي رآه الجيش السوداني عملا عدائيا واستدعاء للسلاح في الخلاف السياسي الذى تعيشه جمهورية السودان. ولقد تضاربت روايات الفرقاء حول من بدأ بإطلاق النار.
ولقد أصدرت قوات الدعم السريع بيانا ذكرت فيه أنها تعرضت لهجوم “كاسح” من طرف الجيش، وجاء فيه أن قوات الدعم السريع قد تفاجأت صباح يوم السبت الموافق 15 أبريل بقوة كبيرة من القوات المسلحة تدخل إلى مقر تواجد القوات في أرض المعسكرات بسوبا بالخرطوم . ثم أعقب ذلك قيام القوات السودانية بعمل حصار عسكرى على القوات المتواجدة هناك، وانهالت عليها بهجوم كاسح بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة. الأمر الذى دفع قوات الدعم السريع إزاء هذا “الاعتداء الغاشم” القيام بإجراء اتصالات مكثفة مع كل من الآلية الرباعية، ومجموعة الوساطة، لتطلع الجميع على ما يحدث من صدام عسكرى بين القوتين.
وقد دعت قوات الدعم السريع، الشعب السوداني والرأي العام الدولي والإقليمي إلى إدانة “هذا المسلك الجبان”، كما دعت الشعب السوداني إلى التماسك في هذه اللحظة التاريخية الحرجة.
ومن جانبها ردت قيادة الجيش السوداني ببيان جاء فيه توضيح لما يلى:
“في مواصلة لمسيرة قوات الدعم السريع في الغدر والخيانة، فقد حاولت مهاجمة قواتنا في المدينة الرياضية ومواقع أخرى”. ويعكس ذلك الصراع العسكرى ما ظهر فى الآونة الأخيرة من خلاف سياسى بين البرهان وحميدتى حول خطة ضمّ قوات الدعم السريع التي يبلغ عددها 100 ألف عنصر، إلى الجيش.
“من سيقود القوة الجديدة بعد ذلك، وسيتقلد منصب القائد العام للجيش خلال فترة الاندماج التي ستمتد عدة سنوات خاصة وأن قوات الدعم السريع ترى أن القائد ينبغي أن يكون الرئيس المدني للدولة وهو ما يرفضه الجيش الذي يريد أن تكون قوة الدعم السريع تابعة له”
ثم انحرفت أحداث الأزمة بعد ذلك إلى محاولة إقحام القوات المصرية فى خضم تلك الأحداث. وجاء ذلك من خلال بث فيديو يصور قيام قوات الدعم السريع باحتجاز عدد من الجنود المصريين لتأجيج الأزمة، وإقحام مصر فى اتونها.
وتوضح مدارسة كافة تلك الأحداث بشكل عميق، وفهم موضوعى، ورأى محايد، وتصور حقيقى، وجود عدة حقائق يمكن إجمال أهمها فيما يلى:
أولا: أن القوات المصرية هى قوات متواجدة في السودان لإجراء تدريبات مع نظرائها في السودان.
ثانيا: تصريح قائد قوات الدعم السريع حميدتي، بأن ما ارتكبه قادته الميدانيين فى ذلك الفيديو، يعد خطأ يتعين إجلاء حقيقته ببيان ما يلى:
• أنه يتم التعامل مع الجنود المصريين كأخوة ونعمل على إخلائهم سريعا.
• أن القوات المصرية الموجودة في مطار مروي بأمان، وغير محتجزة.
• وأننا نأسف للفيديو المتداول لجنود مصريين في مطار مروي.
• وأن ما تضمنه الفيديو المنشور هو كان لصغار عسكريين لا يعرفون المسائل وتأثيرها داخليا وخارجيا، ومن هنا جاءت ملابسات الفيديو المنشور
ثالثا: أن ما يحدث من صدامات بين القوتين كان أمرا طبيعيا، وحدثا متوقعا طالما استمر السماح بأي ميليشيات عسكرية في الدولة، وأن وجود مثل تلك الميليشيات سيؤدي حتما وبلا شك فى مرحلة ما للتصادم العسكري، وقد حدث ذلك من قبل فى كل من العراق، وليبيا، واليوم في السودان.
رابعا: أن مصر عن عقيدة راسخة، ورؤية قاطعة، وتجربة ثابتة، وحقيقة شاهدة، ترى أن السودان ليست بلدا شقيقا، ولا جارا صديقا فحسب، وإنما هو جزء جوهرى، وامتداد طبيعى، ومجال تكاملى، ونطاق أمنى للدولة المصرية. الأمر الذى يفرض عليها الحفاظ على وحدة السودان، ويملى على توجهها صيانة أمن السودان، ويلزم سياستها بوجوب مراعاة مصالح السودان.
خامسا: أنه من الطبيعى- وهو ما لا يغيب إطلاقا عن إدراك كافة آليات الدولة المصرية- وجوب فضح الخطوط الخفية المحركة لأحداث ذلك الصدام، وإقحام عناصر التدريبات المصرية المشتركة، والمتواجدة فى الدولة السودانية فى خضم ذلك الصدام، بزعم اعتبارات عدة تسيء فى النهاية إلى سياسة الدولة المصرية من ناحية، وتظهر قواتها المسلحة وهما، وزيفا، وافتراء، بأنها تتبنى فصيل سودانى لنصرته على الفصيل الآخر، وبشكل يعرض المصالح العليا للشعب السودانى لأضرار جسيمة من ناحية أخرى.
سادسا: أن تلك الأحداث الدائرة فى الدولة السودانية الشقيقة فى تلك الآونة تتجاوز ما يمكن تسميته بانقسام، أو تمرد، أو خلاف، أو تنفيذ مهام، أو التزام بواجبات، وإنما اقل ما يمكن أن يوصف به أنه بداية طريق دمار شامل للدولة السودانية، وطوفان كاسح للمصالح الوطنية، وشروع هادر لتقسيم البنية الوحدوية.
الأمر الذى أصبح يوجب على القوات العسكرية السودانية ضرورة الاضطلاع بمسئولياتها تجاه شعبها، لوئد ذلك الصدام، ونسف عناصر تأجيجه، باعتبار أن استمرار ذلك التأجيج، وتصعيد نيرانه لن يفيد طرفا على حساب الآخر وإنما سيستفيد منه بالقطع عناصر أخرى أجنبية وخارجية تخطط فى النهاية للاستيلاء على مقدسات الشعب السودانى، ونهب مقدرات حياته اليومية، والوصول من خلال ذلك كله لمزيد من تفتيت كيانه، وتجزئة وجوده، وتقسيم وحدته. وذلك استمرارا للنهج الاستعمارى الذى نجح فى تحقيق مآربه فى غالبية أقاليم القارة السمراء.