العتبة بين الماضي والحاضر: تطوير حضري يعكس تاريخ القاهرة العريق

تعد منطقة العتبة في القاهرة واحدة من أبرز المناطق التاريخية التي تجمع بين عبق الماضي وحيوية الحاضر. تعد العتبة قلب الحياة التجارية والحضارية في العاصمة المصرية، حيث تتميز بأزقتها العتيقة التي تحتفظ بالعديد من المعالم الأثرية والمباني التاريخية التي تنبض بتاريخ طويل حافل بالأحداث. شهدت العتبة تحولات عمرانية وثقافية على مر العصور، واعتُبرت منذ العهد المملوكي وحتى العصر الحديث نقطة محورية للتجارة والثقافة في القاهرة. في هذا التقرير، نسلط الضوء على ميدان العتبة الخضراء وأسباب تسميته، إضافة إلى استعراض أهم المعالم الأثرية التي تزخر بها المنطقة، وكذلك تفاصيل خطة التطوير الجارية التي تهدف إلى الحفاظ على التراث المعماري والارتقاء بمستوى الخدمات في هذه المنطقة الحيوية.
ميدان العتبة الخضراء، الذي يُعتبر القلب النابض للمنطقة، يحمل في طياته تاريخًا طويلًا. يعود تاريخ تسميته إلى العهد العثماني حيث كان يعرف في البداية باسم “العتبة الزرقاء” قبل أن يُطلق عليه اسم “العتبة الخضراء” في عهد الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر. ترجع التسمية إلى حب الخديوي إسماعيل للون الأخضر، حيث كان يعتقد أنه يجلب الحظ الجيد. يعتبر الميدان موقعًا استراتيجيًا حيث يلتقي فيه العديد من الشوارع الرئيسية، وكان نقطة انطلاق أول ترام في مصر، ما يبرز أهمية هذا المكان. وقد شهد ميدان العتبة تطورًا كبيرًا في عهد الخديوي إسماعيل الذي سعى إلى تحديث القاهرة وجعلها تشبه المدن الأوروبية، ما انعكس في تطوير بنية المدينة ومرافقها. لا تزال العتبة الخضراء، حتى اليوم، تحافظ على مكانتها كأحد أبرز المعالم التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة.
رغم التطورات العمرانية التي شهدتها المنطقة على مر العصور، تحتفظ العتبة بعدد من المعالم الأثرية التي تشهد على تاريخ القاهرة العريق. من أبرز هذه المعالم مسجد الأمير أزبك بن ططخ، الذي يعود إلى القرن الخامس عشر الميلادي، وهو أحد أقدم المساجد في المنطقة. يتميز المسجد بتصميم معماري مملوكي فريد وزخارف إسلامية رائعة، ويعد شاهدًا حيًا على العمارة الإسلامية في مصر. كما لا يمكن إغفال أهمية بركة الأزبكية، التي تحولت في عهد الخديوي إسماعيل إلى حدائق الأزبكية الشهيرة، والتي تُعد من أقدم الحدائق العامة في القاهرة.
من بين المعالم البارزة الأخرى في المنطقة، نجد مسرح ودار أوبرا العتبة التي أُنشئت في عهد الخديوي إسماعيل على الطراز الأوروبي، ما جعلها واحدة من أهم المسارح في العالم العربي في ذلك الوقت. كان لمسرح العتبة دور كبير في إثراء الحياة الثقافية والفنية في القاهرة. بالإضافة إلى ذلك، يُعد سوق الموسكي من أقدم الأسواق التجارية في القاهرة، حيث يحتفظ السوق بطابعه التقليدي رغم التطورات الحديثة، ويشتهر بتنوع بضائعه التي تضم المنتجات التقليدية والحرف اليدوية. أما سرايا العتبة فقد كانت مقرًا لحكام مصر في فترات مختلفة، وشهدت العديد من الأحداث التاريخية الهامة.
تُعد منطقة العتبة، بما تحتويه من معالم تاريخية، أكثر من مجرد وجهة سياحية؛ إنها تجربة ثقافية وتاريخية غنية، حيث يتناغم الماضي مع الحاضر في مشهد حي يعكس تطور القاهرة عبر العصور. وفي خطوة جديدة تهدف إلى تعزيز مكانة المنطقة، تقوم محافظة القاهرة حاليا بأعمال تطوير واسعة في منطقة العتبة ضمن مشروع ضخم لتحسين المرافق العامة وتنظيم حركة الباعة الجائلين.
تطوير منطقة العتبة
يأتي المخطط الجديد لتطوير منطقة العتبة ليشمل رفع كفاءة المنطقة بالكامل، مع تحسين أوضاع الباعة الجائلين وتنظيم أماكن عرض بضائعهم. ضمن هذه الخطة، تم إخلاء شوارع الجوهري والعسيلي ويوسف نجيب، حيث سيتم نقل الباعة إلى جراج العتبة بشكل مؤقت، ومن ثم سيتم إنشاء 473 طاولة منظمة لعرض المنتجات بدلًا من الفروشات العشوائية. تهدف هذه الخطوة إلى تحسين الشكل العام للمنطقة والحفاظ على طابعها المعماري المميز. كما تتضمن أعمال التطوير رفع كفاءة البنية التحتية، بما في ذلك المياه والصرف الصحي، بالإضافة إلى تطبيق معايير الأمان والحماية المدنية.
وتتعاون في تنفيذ هذه الأعمال وزارة التنمية المحلية، ومحافظة القاهرة، وجهاز تعمير القاهرة الكبرى، وبرنامج الهابيتات، لضمان بيئة منظمة وآمنة تلبي احتياجات الجميع. تشمل أعمال التطوير أيضًا تركيب منظومة حديثة للحماية المدنية والإطفاء، مع تسهيل حركة المواطنين وتنظيم الطرق بما يعزز أمن وسلامة جميع المتواجدين في المنطقة من المواطنين والباعة وأصحاب المحلات التجارية.
تعد هذه الأعمال خطوة مهمة نحو جعل العتبة منطقة أكثر تطورًا وتنظيمًا، مع الحفاظ في الوقت ذاته على تاريخها العريق والمعالم الأثرية التي تحتفظ بها، مما يعزز من مكانتها كإحدى أبرز الوجهات السياحية والثقافية في القاهرة.