حسام مجدي
استيقظ الشعب المصري صباح الأحد الماضي على خبر وفاة واحدا من أهم وأصدق المحاورين في الوطن العربي وأكثرهم لباقة وثقافة واجتهادا ألا وهو المتميز وائل الابراشي، ، بعد أن كتب كورونا السطر الأخير في رحلته الدنيوية حيث قضى “الأستاذ” مايزيد عن 380 يومًا بين غرفة العناية المركزة وغرفة العزل، ولم يهنئ بالخروج معافيًا إلى منزله بعد إصابته بالفيروس اللعين في 24 ديسمبر من العام 2020 الذي أثر على رئتيه وأصابهما بالتهابات حادة حتى لفظ أنفاسه الأخيرة وسط دهشة وصدمة محبيه في كل ربوع الوطن العربي.
بدأ الابراشي رحلته من مسقط رأسه في مدينة شيربين بالدقهلية لأسرة ريفية متوسطة الحال وكان الأصغر بين أشقائه، لأب يعمل بتجارة الحلويات يدعى الحاج حسن محمود الذي توفى سريعا قبل أن يكمل الإبراشي عامه العاشر، ولديه من الأشقاء ثلاثة توفاهم الله جميعا قبل وفاة الإبراشي في أعمار متوسطة مما جعل الابراشي دائما يكرر عبارة ” احنا في العيلة بنموت صغيرين” أولهم أحمد الذى توفى وكان يعمل مدرس ولديه مكتبة، وإيمان التى توفيت شابة صغيرة في حادث، ومحمد الذي توفي منذ عامين.
وائل كان شديد التعلق بوالدته الحاجة قدرية عبدالمطلب المصري والتي يشبهها كثيرا في الملامح،ورغم عشقه واهتمامه بكرة القدم التي كان مميزا فيها في مركز “رأس الحربة” إلا أن ذلك لم يمنعه من الدراسة فكان طالبا متفوقا يتمتع بذكاءا غير عاديا وحصل على مجموع مرتفع جدا في الثانوية العامة لكنه فضل الالتحاق بكلية التجارة بجامعة المنصورة، ثم استجاب لدعوات ” النداهة” وانتقل الى القاهرة حيث عمل بمكتب محاسبة فور تخرجه لكي يؤمن لنفسه تكاليف الإنفاق بالعاصمة.
بدأ بعد ذلك مشواره الصحفي الذي وصفه بالصعب وقال :” لم يكن طريقا مفروشا بالورود كما يظن البعض “، بعد أن قضى عامين يبحث عن وظيفة تناسبه بعد تخرجه من كلية التجارة عام 1985 طرق فيهما كل الأبواب في طريق لم يكن أبدا سهلا خاصة وأنه لم يكن لديه أية معارف بقاهرة المعز.
التقطته روز اليوسف لتكون نقطة انطلاقته الصحفية حيث عمل الابراشي فيها متدربا في البداية ثم محررا ثم كاتبا صحفيا متميزا له العديد من التحقيقات المهمة داخل المجلة، ومن روزاليوسف إلى رئاسة تحرير جريدة صوت الأمة التي كانت أشهر الجرائد المعارضة في ذلك الوقت قبل أن يستقيل منها في أواخر عام 2010
ومن الصحافة الي الصحافة التليفزيونية حيث نقل تجربته في الصحافة بنجاح كبير إلى التلفزيون، وأصبح النجم الذي ينتظره الجمهور، وقدم الابراشي عدد من البرامج التليفزيونية بدأها ببرنامج الحقيقة الذي قدمه على فضائية دريم ثم المحطة الأكبر والأشهر والأطول في حياته الذي قدم فيها برنامج العاشرة مساء خلفا للاعلامية منى الشاذلي، ثم برنامج ” كل يوم” على فضائية أون الذي لم يستمر به أكثر من عام ومنه إلى محطته الأخيرة من خلال برنامج التاسعة على الفضائية المصرية الأولى.
كان الابراشي نموذجا للاعلام الحر المحايد والوطني قبل كل شيئ، وشكلت عباراته قاعدة فكرية لكثير من الصحفيين بل والجمهور العادي، كانت أشهر عباراته :” نحن لانستطيع أن نقف في المنطقة الرمادية .. فأنت اما مع الوطن أو ضد الوطن”، ووصف الإخوان بخفافيش الظلام الذين حاولوا خطف هوية مصر الحضارية قبل أن يتدخل الرئيس السيسي لانقاذنا، كان يختلف باحترام وتحضر ولم يكن يهاجم من يبدأ بالهجوم عليه ويكتفي بالرد الشهير:” ماذا تقدم أنت” كرد أخلاقي وحضاري على من يهاجمونه.
شكل الابراشي مدرسة إعلامية خاصة به واعتبره أساتذة الإعلام ظاهرة إعلامية لن تتكرر فهو يبحث بكل الطرق عن الحقيقة ويقدم كافة المعلومات، ويحرص على عرض الرأي والرأي الآخر، وقدم عشرات الحلقات التي استفاد منها المسئول والمشاهد معا.
تزوج في سن الأربعين وله ابنة واحدة فقط في الصف الأول الثانوي، وهى الطفلة جيلان التي لم تكمل عامها الخامس عشر بعد.
له محبة شديدة في قلوب الجميع كونه أحد من اهتموا بالحالات الإنسانية في برنامجه العاشرة مساء وياك الضوء على احتياجاتهم وساعد في حلها، ويعتبر ومنزل أسرته في ميدان المحطة بشربين واحدا من الأماكن التي لا تخلو أبدا من الزوار، لشدة مراعاته للفقراء والمساكين والمحتاجين، واهتمامه بأحوال أهل بلدته.
أصيب فى أواخر عام 2020 بفيروس كورونا بعد إجرائه تحليل “pcr” حيث تبين ظهور النتيجة إيجابية، وذلك بعد احتفالية فنية قضاها في مدينة سنبل، اضطر خلالها إلى خلع الكمامة أكثر من مرة للتصوير.
وعلق الإبراشى، على إصابته بفيروس كورونا قائلا: “الحمد لله إن شاء الله محنة وهتعدى.. وهى نفس أعراض الأنفلونزا أخدتها على أنها كورونا.. ولازم نتعامل على أنها كورونا.. والتفكير السريع أفضل فى التشخيص.. وهتعامل مع البروتوكول وهشوف العلاج وهننتصر عليه”.
وأكد “طبيعة شغلنا بنقابل ناس كتير.. سواء فى المشاكل اليومية والمواطنين.. وبنقابل عدد كبير من الشخصيات ومش عارف جات من فين.. وبعض الضيوف فى الاستديو بيزعلوا لما بعاملهم من بعيد.. وأكيد فى خلل ما أو إهمال”.
دخل “الأستاذ” المستشفى في بداية الموجة الثالثة من فيروس كورونا المستجد في الثامن والعشرين من ديسمبر بعدما قضى في المنزل مدة 15 يوما، في حالة لم تكن جيدة ولا مستقرة لكن مع تغيير العلاج بالمستشفى بدا الوضع مستقرا وتحسنت الأحوال تدريجيا، حتى وصل لمرحلة التعافي من الأعراض التي كان يعاني منها ثم حدثت بعض الارتشاحات؛ بعد أن كان قد بدأ في مرحلة التأهيل الطبيعي والتحرك وممارسة الحياة بشكل طبيعي.
قضى الابراشى مايزيد عن عام كامل في المستشفى وكانت معاناته الأكثر صعوبة هي تليف في الرئة ناتجة عن فيروس كورونا بنسبة وصلت إلى 60%، حيث كان الاعتماد على 40% فقط من الحويصلات الهوائية، فضلا عن أن الحالة النفسية للإعلامي الراحل كانت عائقا أمام تحسن حالته نتيجة الشائعات التي كانت تطلقها جماعة الإخوان حول وفاته.
على الجانب الآخر كان يتابع دعوات محبيه له من خلال السوشيال ميديا أو بعض الزائرين الذي يحرص أن يراهم من شباك غرفته وهم يتمنون عودته ويدعون له بالشفاء العاجل فضلا عن رسائل زملاؤه وأصدقائه على تليفونه المحمول وتواجد أسرته الصغيرة دائما بجواره.
لفظ الإبراشي أنفاسه الأخيرة وسط صدمة وحزن الجميع بعد أن وعد محبيه بالعودة إلا أن القدر لم يمهله ذلك بعد أن أغلقت صفحته الدنيوية بعمر الثامنة والخمسون لتفقد مصر واحدا من أهم الإعلاميين الذين تميزوا بالحياد، والذي استطاع بموهبته وتميزه في المجال الإعلامي، أن يصبح واحدًا من أهم الإعلاميين بمصر والوطن العربي.
نعى الأزهر الإعلامي الراحل في بيان قال فيه:” الابراشي دافع كثيرا عن الأزهر وشيخه خلال الأيام الأخيرة، أكد مرارا أن الأزهر لا يمكن أن يتحمل المشاكل الفردية وهو مؤسسة عالمية”.
وأضاف :”وائل الإبراشي كان علامة مضيئة في سماء الإعلام، وأشهد أنه كان يقدر ضيوفه، ويتعامل بحسن أدب، ويعطي كل ذي قدر قدره حتى وإن كان يخالف ضيفه فيما يثار، وينتصر في النهاية لما يراه صوابا”.
وغرّد الإعلامي شريف عامر برسالة مؤثرة عبر حسابه الشخصي على تويتر جاء فيها: “عرفته ضمن كتيبة صحفيين موهوبين من ربع قرن في الغرفة المجاورة لرئيس تحرير روز اليوسف، يتحدث قليلاً، ويعمل كثيرًا، هادئ على السطح، نشط الذهن دائمًا.. “إنت فين يا عم شريف؟” يقابلك مبتسمًا بالجملة دي، و انتم متقابلين من يومين مثلاً.. رحمك ورحمنا الله ..سلامنا لكل الأحباء يا وائل”.
ونشرت الإعلامية لميس الحديد عبر حسابها: يا وائل.. مش كنا مستنيينك ترجع؟ يا وائل مش كنت بتقول بتحاول؟ آه على الوجع يا رفيق الدرب.. ربنا يرحمك”.
ونعى الكاتب الصحفي كرم جبر، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الإعلامي وائل الإبراشي، وكتب: “الراحل كان مثالا للعمل والاجتهاد والإخلاص، ومثالاً للإعلامي المخلص والمحب لوطنه”.
وعبر حسابها الشخصي كتبت الإعلامية هالة سرحان: “خبر مفجع يا لوعة قلبي، خطف الوباء اللعين زهرة شباب الاعلاميين الاستاذ الصحفي وائل الابراشي، رفيق وصديق وزميل رحلة عمر حافلة بالنجاح والكفاح والذكريات الجميلة، الله يرحمه ويسكنه فسيح جناته اللهم اسكنه الفردوس الاعلي من الجنة”.
ونعت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، ببالغ الحزن و الأسي الإعلامي الكبير الأستاذ وائل الابراشي و الذى وافته المنية بعد مسيرة إعلامية حافلة، حيث تتقدم الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية والعاملين فى قنواتها الإعلامية وشركاتها وإصداراتها التابعة، بخالص العزاء لأسرة الراحل، داعية الله أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته جزاء صالح أعماله وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان.
ولم تتوقف رسائل النعي حتى كتابة هذه السطور من كافة الأطياف والجهات أبرزهم من مؤسسات الإعلام وجماعات المثقفين والصحفيين والفنانين وأفراد الشعب المصري.
ولم تكد تنتهي الجنازة الشعبية التي ودعت الإعلامي الراحل لمثواه الأخير بمدافن شيربين بالدقهلية الا وفجرت زوجته مفاجأة من العيار الثقيل بعدما أعلنت عن وجود خطأ طبي تسبب في رحيله مشيرة أنها بصدد رفع دعوى قضائية ضد من تسبب في تدهور حالته كما كان ينوي الإعلامي الراحل وائل الابراشي.