من لاهاي إلى بيروت: هل يحدث نواف سلام فرقا في المشهد السياسي؟

كتبت: رانيا سمير
يحمل نواف سلام، رئيس الحكومة اللبنانية المكلف، تاريخا حافلا يجمع بين السياسة والقانون والدبلوماسية، ما يجعله شخصية استثنائية خارج إطار النخبة التقليدية التي حكمت لبنان لعقود. بعد انتخابه العام الماضي رئيسا لمحكمة العدل الدولية، يعاد تسليط الضوء على مسيرته مع تكليفه برئاسة الحكومة اللبنانية. في خطوة تعكس تغييرات جذرية في المشهد السياسي اللبناني. فمن هو نواف سلام، وما هي دلالات هذه المرحلة الجديدة التي يخوضها؟
مسيرة حافلة بين القانون والدبلوماسية
نواف سلام، البالغ من العمر 71 عاما، هو ابن بيروت وأحد رموز العائلات السياسية العريقة فيها. حصل على إجازة في الحقوق من الجامعة اللبنانية وتابع دراساته العليا في باريس والولايات المتحدة. حيث حاز على شهادتي دكتوراه في العلوم السياسية والتاريخ. أمضى سنوات في التدريس بالجامعة الأمريكية في بيروت وجامعات دولية أخرى مثل السوربون، وألّف العديد من الدراسات في القانون الدولي والدستوري والشؤون الدولية.
على الصعيد الدبلوماسي، مثل لبنان في الأمم المتحدة بين 2007 و2017، وكان جزءا من بعثات ميدانية لمجلس الأمن في مناطق نزاع كالسودان وأفغانستان وأوغندا. انتخب في عام 2018 عضوا في محكمة العدل الدولية. ليترأسها لاحقا في 2024. حيث أصدر تحت قيادته قرارا وصفته فلسطين بـ”التاريخي” لإدانته الاحتلال الإسرائيلي.
خطوة نحو التغيير في لبنان
قرار رئيس الجمهورية جوزيف عون بتكليف نواف سلام برئاسة الحكومة في 13 يناير 2025 يعكس رغبة في تجاوز حالة الجمود السياسي. فقد حصل سلام على تأييد 85 نائبا من أصل 128 في البرلمان. مع امتناع كتل حزب الله وحركة أمل عن التصويت. هذا الدعم البرلماني يعكس توافقا بين قوى سياسية مختلفة على خلفية دور سلام الإصلاحي وقدرته على الابتعاد عن الحسابات الطائفية التي قيدت النظام اللبناني لعقود.
يرى مؤيدو سلام أنه يمثل فرصة لطي صفحة النفوذ الواسع لحزب الله في السياسة اللبنانية. خصوصا بعد خسارته الكثير من قوته العسكرية والسياسية إثر مواجهة طويلة مع إسرائيل استنزفته داخليا وخارجيا. وتعهد الرئيس عون في خطاب القسم ببدء مرحلة جديدة تضع الدولة اللبنانية وحدها في موقع المسؤولية عن السلاح وتحكم تحت مظلة القضاء والقانون.
تحديات المرحلة القادمة
تواجه حكومة سلام تحديات هائلة، من معالجة الفساد إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة وتحقيق إصلاحات اقتصادية طال انتظارها. ومع ذلك. يرى مراقبون أن مسيرته الأكاديمية والدولية تجعله مؤهلا لهذه المهمة. فهو يحظى باحترام واسع لالتزامه بقضايا العدالة وحقوق الإنسان. ولقدرته على اتخاذ مواقف مستقلة عن الانقسامات الحزبية.
بحسب الأستاذ الجامعي علي مراد.”توحد القوى السياسية خلف سلام يعكس التحولات التي يشهدها لبنان. ويجعله رمزا لمرحلة جديدة تقوم على الشفافية والمساءلة.”
أمل جديد وسط أزمات عميقة
وسط أزمات لبنان الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. يبدو تكليف نواف سلام برئاسة الحكومة بمثابة بارقة أمل للبنانيين الذين خرجوا منذ 2019 في تظاهرات تطالب بالتغيير. ومع أنه لم يتمكن سابقا من تولي هذا المنصب بسبب غياب الدعم السياسي. فإن المرحلة الحالية تضعه في موقع يسمح له بتقديم رؤية إصلاحية تعكس تطلعات الشعب.
في ظل إرث عائلي سياسي يمتد لعقود. وشخصية إصلاحية تحظى بتقدير دولي. يبقى السؤال: هل سينجح نواف سلام في إحداث التغيير المنشود، أم ستبقى التحديات أكبر من أن تُحل في ولاية حكومية واحدة؟.