المزيد

أ.د./ أيمن وزيري يكتب .. في اليوم العالمي للمتاحف نتساءل هل تبدو طبيعة العلاقة بين المتحف والزائر تبادل نفع، أم تأثير وتأثر؟

أ.د./ أيمن وزيري

أستاذ ورئيس قسم الآثار المصرية –كلية الآثار-جامعة الفيوم

رئيس إتحاد الأثريين المصريين ومُمثل مؤسسيه إقلمياً ودولياً

يكتب

في اليوم العالمي للمتاحف نتساءل هل تبدو طبيعة العلاقة بين المتحف والزائر تبادل نفع، أم تأثير وتأثر؟

 

 

     في ضوء الإحتفال باليوم العالمي للمتاحف، وهو اليوم والحدث العالمي المعروف بـــ International Museum Day (IMD)، بحيث يُقام الإحتفال بهذ اليوم في اليوم الثامن عشر من شهر مايو سنوياً، جدير بالذكر أن الإحتفال بأول يوم للمتحف الدولي كان في عام 1977م وذلك بتنسيق من ICOM، ولقد تم الإعتراف باليوم العالمي للمتاحف بعد اعتماد قرار المجلس الدولي للمتاحف لإقامة فعاليات حدث سنوي يهدف لزيادة توحيد الجهود والتطلعات الإبداعية المعنية بالمتاحف بقصد لفت نظر وانتباه الجمهور العالمي إلى نشاطات وحيثيات المتاحف.

منذ ذلك التاريخ وخلال كل عام يتم دعوة المتاحف دوليًا للمشاركة في اليوم العالمي للمتاحف بقصد تعزيز دور المتاحف في مختلف أرجاء العالم، بحيث يحدث ذلك من خلال الأحداث والنشاطات المتعلقة بالموضوع السنوي.

في ضوء تنسيقات المجلس الدولي للمتاحف (ICOM) فيتم تسليط الضوء على فعاليات محددة تتغير سنوياً لإحداث إمكانية مناقشة موضوعًا أو قضية ذات صلة تواجه المتاحف على المستوى الدولي، وفي ضوء ذلك فتحدد لجنة استشارية من مجلس المتاحف العالمي موضوعاً خاصاً بهذه المناسبة، وبحسب مجلس المتاحف فإن الغاية المرادة تحقيقها من هذه المناسبة هي ما تتجلى في إتاحة الفرصة للمختصين والمُتخصصين بالمتاحف من التواصل مع المعنيين بالمتاحف وتنبههم للتحديات التي تواجه المتاحف الي صارت -حسب تعريف المجلس للمتاحف- مؤسسات تعمل جاهدة في خدمة المجتمع وكذا في تطوره.

يدعم اليوم العالمي للمتاحف الفرصة لمُتخصصي المتاحف للقاء الجمهور وتنبيههم إلى التحديات التي تواجه المتاحف، وذلك بقصد زيادة الوعي العام بالدور المهم الذي تلعبه المتاحف في تنمية المجتمع، كما إن ذلك يعمل على تشجيع الحوار بين المتخصصين في مجال المتاحف.

ويُمكن لنا أن نلقي الضوء ونتساءل عن قضية مهمة تتعلق بالمتاحف، والتي تتجلى في هل تبدو طبيعة العلاقة بين المتحف والزائر تبادل نفع، أم تأثير وتأثر؟

إن الإجابة على حيثيات تلك القضية وذلك الاستفسار يتضح من خلال ما يلي:

  لقد كانت كثير من المتاحف خلال القرن التاسع عشر تعتبر كالمعابد، إذ كان نادراً ما يؤمها الجمهور، وفى الحقيقة أنه لم يكن يُصرح بدخولها إلا بمواعيد خاصة، أما اليوم فمن المتفق عليه بصفةٍ عامةأن مهام المتحف هى عرض المجموعات للجمهور.

وما زالت هناك أنواع معينة من المتاحف، مثل تلك المتصلة بمجالات الطب، والتي يقتصر الدخول إليها على فريق معين، تعتبر استثناءات للقاعدة العامة.

ويلاحظ أن الأغلبية العظمى من المتاحف مفتوحة لعامة الشعب، ولو أن نجاحها في جذب الزائرين يختلف بدرجات متفاوتة، ويتوقف على عدد من العوامل، منها طبيعة المجموعات، والأوقات التى يفتح فيها المتحف، والبرامج التى تُهيأ للزائرين.

يُلاحظ إلى حد ما أن أصل المتاحف ما زال يؤثر على مدى العلاقة بين المتحف والجمهور الزائر، ولقد بدأت المتاحف كمجموعات جمعها الخبراء أو الدارسون، وكانت تُعرض للأصدقاء أو للجمعيات. وأولئك الذين تحملوا مشقة زيارة المتحف كانوا غالباً غير مقدرين لطبيعة وقيمة المجموعات.

يترسخ اليوم بلا شك اعتقاد خفى بين بعض العاملين فى المتاحف بأن الزائرين – مهما كانت خلفياتهم – ينبغى أن يكون لهم نفس الميول التى يتسم بها الأمين، وإذا اتضح أن بعض الزائرين لم يعجبوا بالمعروضات، فإنه من المعتاد لوم الزائر لنقصٍ فى الذوق أو التعليم، منكرين بذلك مسئولية نجاح أو فشل برامج المتحف نحو الجمهور.

منذ عام 1870م، فقد ذكر متحف “المتروبوليتان” للفنون فى نيويورك فى لائحته أنه تم إنشاؤه بغرض تأسيس وتدعيم متحف ومكتبة للفنون فى المدينة، وتشجيع وتطوير دراسة الفنون الجميلة، وتطبيق الفنون فى الصناعة، والحياة العملية، وكذلك تقديم المعلومات العامة عن موضوعات متعددة، وفى النهاية تقديم التعليم الشعبي، وكل ذلك يجعله يصنف كمؤسسة تعليمية وثقافية.

يتجلى من أوائل الدراسات لذلك الغرض تلك الدراسة التى طرحها “ج.ت. فتشنر” فى ألمانيا، بحيث استعمل طريقة الاستبيانات للحكم على تأثر الزائرين بأعمال الفن. ولقد قامت كثير من المتاحف حينذاك بمشاريع مشابهة، كما بُذلت فيها محاولات حثيثة لمعرفة رد الفعل عند الزائرين بشأن المعرض أو المعروضات. وعلى كل حال، فإن الدراسات العلمية الجادة -التى تستعمل وسائل طورها علماء النفس وعلماء الاجتماع لتقييم ردود الفعل عند عددٍ كبير من الزائرين – كانت نادرة.

في عام 1924م، وخلال اجتماع سنوى للجمعية الأمريكية للمتاحف، فقد قام “كلارك ويسلر” بتحدى الاعتقاد بأن معارض المتاحف التى أُعدت للمستوى المتوسط من الزائرين كانت مُرضية، وأن المعلومات الدقيقة كانت تنقصها. كما أن الأمناء لم يكن عندهم المؤهلات الكافية للقيام بالدراسات العلمية للزائرين، ولقد قررت الجمعية بأن تقوم بسلسلة من الدراسات، وأشركت فى ذلك المشروع أحد علماء النفس، وهو “إدوارد. س. روبنسون”. وبعد الأبحاث المبدئية اقترح “روبنسون” برنامجاً من دراسات تقوم على الملاحظة على الأسس القائمة فى علم النفس، والتى كانت تطبق فى معاهد عديدة تعاونية فى “شيكاغو”، و”بافلو”، و”نيويورك”، و”فيلادليفيا”.

قامت دراسات أخرى مشابهة فى متحف أو متحفين آخرين فى مدن أخرى، وكان الملاحظون مزودين بساعات حفظ الزمن، ويتخذون مواقعهم فى مختلف القاعات، ويبدو أنهم بذلك قد حصلوا على سجلٍ دقيق عن مقدار الوقت الذى سيمضيه الزائر فى قاعة بعينها أمام شئ، أو سلسلة من الأشياء، وعن الطريق الذى سلكوه فى الزيارة، ولقد تم تحليل البيانات لتحديد إمكانية تمييز بعض المعروضات، أو تغيير المعارض، ومدى تأثير هذه التعديلات على انطباع الزائرين.

لقد أُجريت دراسة مركزة فى متحف الفنون فى “بنسلفانيا”، قام بها “ميلتون” (أحد أتباع “روبنسون”)، اتضح فيها خطأ عدد من الافتراضات الأولية التى يتبعها الأمناء.

يبدو جلياً فيضوء ما سبق أن كثيراً من المتاحف كانت ترتب معارضها على أساس أن الزائرين سيقومون بالسير فى اتجاه عقارب الساعة (أى من اليسار إلى اليمين)، وكان يعتقد أن الزائرين سيرون فى طريقهم كتيبات تقرأ أثناء السير.

ولكن أسفرت ملاحظة عدة آلاف من الزائرين عن أن 82 % من الزائرين اتجهوا إلى اليمين وليس إلى اليسار، وأن الأشياء الموضوعة إلى يسار المدخل حظيت بانتباه أقل من تلك التى كانت إلى اليمين مباشرةً. وقد وجد أيضاً أن معظم القطع المعروضة حظيت برؤية عارضة فقط، وأن قليلاً من الزائرين استاءوا من قراءة البطاقات المطولة.

هناك عامل آخر أُثير أثناء المرور، وهو مواقع الخروج؛ فإذا كان مثلاً أحد المخارج واقعاً على الجدار الأيمن، فإن معظم الزائرين (أكثر من 60%) يخرجون دون استكمال الدورة فى القاعة، مكتفين بإلقاء نظرة عابرة على بقية المعروضات قبل الخروج.

لوحظ وجود نتائج مشابهة بعض الشئ  فى تحليل سلوك الزائرين لمتاحف العلوم الطبيعية (متحف “بيهودى” بجامعة “بيل”) على أساس التطور التتابعى لأماكن المعروضات، وكان من المفترض أن يدخل الزائرون القاعة مباشرة أمام المدخل الذى يظهر تطور اللافقاريات.

وبعد عمل الدورة بشكل حرف (U) معكوسة، يفترض أن الزائرين سيتجهون إلى اليسار إلى قاعة تعرض تتابع تطور الفقريات البدائية، وأن الزائرين بعد ذلك سيتجهون فى نهاية القاعة إلى قاعة الثدييات، وأخيراُ إلى قاعة الرتبة الأولى من الحيوانات، وتنتهي الزيارة عند المدخل الرئيسى. ولكن بدلاً من ذلك، اتجه الزائر العادى إلى يمينه عند المدخل الرئيسى، ورأى المعرض فى التتابع العكسى.

لقد حدثت هذه النماذج فى الولايات المتحدة الأمريكية، بحيث يسير مرور الزائرين على الجهة اليمنى، ومن المحتمل أن نماذج تختلف عن ذلك قد توجد فى ثقافات أخرى بعينها بعض الشئ، ولقد أمدتنا هذه الدراسات الخاصة بسلوك الزائرين بتفاصيل هامة لإعداد المعارض. كما أن تخطيط وإعداد المعروضات قد تعدل بمعرفة متاحف كثيرة، واحتلت عادات الزائرين الآن اعتباراً هاماً فى وضع القطع المختارة، ولقد أظهرت الدراسات أن الوقت الذى يمضيه الزائر أمام قطعة معينة قد أصبح قصيراً، وهو فى المتوسط لا يزيد عن دقيقة أو دقيقتين، والبطاقات المطولة لا تُقرأ عادةً، ويستثنى من هذه القاعدة المعارض التى تخطط للطلبة.

يميل كثير من المتاحف – غالباً- لاستعمال تعليقات بدلاً من البطاقات، وتحت العناوين ربما توضع تفسيرات طويلة، يقوم بعض الزائرين الذين أُثيرت رغبتهم فى المعرفة بالتدقيق فى قراءتها، ولقد ثبت نجاح إمداد الزائر بمادة مطبوعة يمكنه أن يأخذها معه، ويقرأها بتمهل بعد ذلك.

أبدى المؤتمر العام لليونسكو فى دورته التاسعة بنيودلهى سنة 1956م رغبةً مفادها أنه يجب توجيه الانتباه إلى الطرق والوسائل التى تمكن المتاحف من جذب عدد أكبر من الجمهور، وخاصةً العمال، وأشار إلى أنه حتى فى تلك البلدان العامرة بالكثير من المتاحف، وحيث يكون الدخول إليها مجاناً غالباً، تُقدر نسبة الزيارة فيها بمعدل شخص واحد إلى مائتى شخص ممن يدفعون الأجور لدخول السينما.

لقد استفادت كثير من المتاحف من الدروس التى تعلمتها من الدراسات الخاصة بسلوك الزائرين. وتم القيام بمحاولات عديدة لتحسين المعارض، وجعلها أكثر سهولة فى الفهم، وفي بعض البلاد أُلغى رسم دخول كثيرٍ من المتاحف، أو على الأقل تم تخفيضه بدرجة كبيرة، كما أن بعضها يحدد أياماً معينة يكون دخول الجمهور فيها مجاناً، وكانت الزيارات مع الإرشاد، وتخصيص غرف عرض للشباب، وعمل برامج خاصة لزيارات المدارس- كلها وسائل لاتساع العمل التعليمى للمتاحف، ولقد نتج عن ذلك زيادة ثابتة فى أعداد الزائرين للمتاحف فى شتى أنحاء العالم.

مما لاشك فيه أن الوسيلة المؤثرة جداً للحث على تكرار الزيارات، هى ازدياد إقامة المعارض المؤقتة. وهناك دراسة مفيدة عن استعمال الإعلام فى جذب الزائرين، قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية.

فى يناير من عام 1953م، تعاونت الجمعية اليابانية (فى الولايات المتحدة) مع حكومة اليابان لتمويل معرض للفن اليابانى، وقد شمل ذلك معروضات أُعيرت من بعض المتاحف الرئيسية فى اليابان، كما أُخذت من بعض المجموعات الخاصة التى لم تعرض سابقاً للجمهور، وقد استمر المعرض لمدة حوالى شهر فى كل من واشنطن، ونيويورك، وسياتل، وشيكاغو، وبوسطن. كما أُجريت دراسة تحليلية اجتماعية عن الزائرين فى المدن الثلاث الأخيرة.

في ضوء ذلك فقد أُعدت بطاقة تسجيل لكل زائر راشد (18 سنة فأكثر) للمعرض فى المدن الثلاث خلال فترة محددة من الوقت، مع تسجيل الاسم، والعنوان، والسن، والنوع والوظيفة، وقد اختيرت عينة تغطى وقت إقامة المعرض، وتظهر حجم الزائرين فى ساعات فتح المعرض للجمهور، ثم تم عمل مقابلة للعينة المختارة فى المنزل.

قامت حملة إعلامية كبيرة للإعلان عن المعرض فى “سياتل”، بحيث اعتبرت حدثاً اجتماعياً وثقافياً مهماً، وقد استمر ذكر المعرض فى مقالات بالصحف، وفى برامج الراديو، كما أُقيمت لوحات إعلامية معلقة للإعلان عن المعرض، فضلاً عن خطاب من مدير متحف الفن، نُسخت منه نسخ عديدة، كانت تقدم لأطفال المدارس لإعطائها لآبائهم.

ساهمت جمعية الآباء والمدرسين فى الإعلان عن المعرض. وزيادةً على ذلك أُقيمت باستمرار حفلات استقبال لنفس الغرض، وقد كتبت عنها المقالات فى الأعمدة الاجتماعية بالصحف، وكان من نتيجة ذلك أن زار المعرض 23 ألف شخص من مجموع العدد، وهو خمسون ألفاً، وكان من بين عدد الزائرين 2500 مسجلين، و290 تم عمل مقابلة معهم.

لقد كانت الحملة الإعلامية للمعرض فى “شيكاغو” أقل من ذلك، ولو أنه اعتبر ظاهرة فنية كبيرة، حيث حظى بقدر كبير من العناية فى الصحف والراديو.

لكن الحملة لم تمتد للمدارس، ولم تتخذ شكل الإلزام بالزيارة، مما امتازت به مجهودات مدينة “سياتل”. ومن بين مليون شخص -وهم عدد سكان مدينة شيكاغو- نجد نسبة صغيرة مقدارها 60 ألفاً فقط قد زاروا المعرض، ومن بينهم 2500 مسجلين، و280 أجريت معهم مقابلة.

اختلف الحال كثيراً فى مدينة “بوسطنعنها فى المدينتين المذكورتين، بحيث اقتصرت مجهودات الإعلام  فقط على الافتتاح، واعتبر المعرض كأنه معرض متنقل عادى.

ومن بين عدد السكان وقدرهم مليون وستمائة ألف، نجد فقط 20000 زاروا المعرض، من بينهم 1600 مسجلين، و217 ممن أُجريت معهم مقابلة. ويعود هذا الفرق جزئياً إلى أن واحدة من أفضل مجموعات الفن اليابانى فى الغرب، موجودة فى متحف الفنون الجميلة فى “بوسطن”.

يُمكن القول أن نجاح حملة الإعلام فى “سياتل” كان يرجع إلى حقيقة أن جزءاً كبيراً من السكان الذين زاروا المعرض كان من بينهم كثيرون لم يعتادوا زيارة المتحف، وفى شيكاغو، وبوسطن 64% من الزائرين الذين أُجريت معهم مقابلة ذهبوا إلى متاحف الفن أربع مرات، أو أكثر خلال السنة الماضية.

بينما فى مدينة “سياتل” كان هناك 34% فقط، وزيادةً على ذلك، فإن 45% من الزائرين فى “شيكاغو”، و43% من الزائرين فى “بوسطن” زاروا المعرض؛ لأن لديهم  سابقة ميل للفن اليابانى، بينما الذين ذكروا ذلك بمدينة “سياتل” 12% فقط.

يُمكن قياس نجاح حملة الإعلام فى “سياتل” بالمقارنة بشيكاغو وبوسطن أيضاً وفقاً للاختلاف فى الخلفية التعليمية للزائرين، إذا ما قورنوا بكل السكان الراشدين.

تجدر الإشارة أنه من الواضح فى المدن الثلاث أن زائرى المعرض لم يكونوا يمثلون عدد السكان. وعلى كل حال فإن الزائرين فى “سياتل” كانوا أكثر اختلافاً فى الجنسية، وكانوا أكثر قرباً من تكوين السكان بصفةٍ عامة عنه فى “شيكاغو” أو “بوسطن”.

ويتضح نسبياً أن الزائرين بمدينة “سياتل” لم يحبوا المعرض كثيراً مثل زائرى “شيكاغو” و”بوسطن”، وكثيرون لم يكونوا يميلون للفن، ويسعون إلى معرفة التقاليد والخلفيات للفن اليابانى.

وقد أشار “بيجمان” إلى أنه في المدن الثلاث، كان الذين أبدوا عدم رضاهم شاملاً، وبعض الذين اشتكوا من أن معرفتهم بالفن اليابانى سواء قلت أم كثرتيتم تزويدهم بنشرات توضيحية كافية فى المعرض.

ومن الواضح أنه من الخطر الكبير أن يذهب الإنسان ليرى معرضاً نتيجة مجهودات إعلامية، ثم يترك الزائر المعرض ولم تتحقق رغبته. ومن ناحية أخرى، فإن 34% فقط من الزائرين فى مدينة “سياتل” قد زاروا متاحف الفن أكثر من أربع مرات فى السنة السابقة، و39% ذكروا أنهم أحبوه كثيراً، و39% آخرين ذكروا “أنهم أحبوه”.

وقد أوحى ذلك إلى بعض علماء المتاحف الأمريكيين، أن مثل هذه الحملات كانت لها ما يبررها، وأن كثيراً من الـ 39% الذين “أحبوه” ربما يتمتعون أكثر بمعرض ثانٍ بما اكتسبوا من معارف سابقة.

وقد يتم تحليل للزائرين فى المتحف القومى للأنثروبولوجى بمدينة “مكسيكو” حديثاً، وأمكن تقسيم الزائرين إلى فريقين كبيرين، مكسيكيين وأجانب، (ومن الأخيرين 80% جاءوا من الولايات المتحدة الأمريكية، و14% من كوبا، والباقين من بلاد أخرى بأمريكا اللاتينية).

وبالنسبة لكثيرين من الأجانب، كانت زيارة تلك الفترة التى يعرضها المعرض الأولى لهم، وربما كان القليل منهم قد زاروا المتحف أكثر من زيارة واحدة. وكثير من الزائرين المكسيكيين كانوا مكررين للزيارة نظراً لأنهم يعيشون فى المناطق المجاورة، و40% منهم ذكروا أنهم زاروا المتحف لأول مرة.

واختلفت كذلك رغبات الفريقين من الزائرين، فالأجانب يميلون لتركيز زياراتهم على معروضات معروفة جيداً، مثل (حجر التقويم من حضارة “الأزيتيك”، الذى لم يحظ بإعلام ودعاية كبيرة فى النشرات للزائرين، والذى تُباع منه نسخ للتذكار فى مدينة “مكسيكو” تشير إلى الأصل). بينما يمضى الزائرون المكسيكيون جزءًا كبيراً من وقتهم فى زيارة مواد لعصور ما قبل التاريخ.

وعلى كل حالٍ، فإن النتيجة التى تستحق الذكر من هذه الإحصاءات هى أن كلا الفريقين كانا متشابهين من ناحية أن نسبة كبيرة من الزائرين من كلا الفريقين كانت تحظى بخلفية فنية، وتبعاً لذلك كانت أفضل تعليماً عن مستوى الفرد العادى فى المكسيك، أو بلدهم الأصلى.

ومن المفيد أن نقارن النتائج الخاصة بإحصاء للزائرين، تولاه متحف “جينيت” فى “لاهاى” فى قسم الفن الحديث من المتحف. وانحصر هذا الإحصاء فى الزائرين الذين أتوا إلى المتحف أيام السبت، حيث الدخول مجاناً.

وكان من المنتظر أن الدخول المجانى يجذب كثيراً من الأفراد الذين لم يعتادوا زيارة المتحف، وخاصة أبناء الطبقات العاملة. ولكن اتضح أن النسبة الكبرى قد جاءت من بين الطبقات المستنيرة من المناطق المجاورة. وكثير منهم كانوا من الذين كرروا الزيارة، وجذبتهم بصفةٍ خاصةالمعارض المؤقتة، وأمضوا وقتاً قليلاً فى زيارة المعروضات الدائمة.

ويلاحظ أن المعارض الأكثر شعبية هى التى كانت تعرض أوائل الفنانين المحدثين، مثل مصورى الفترة 1850- 1900م، بينما لم تكن التصاوير المعاصرة مقبولة بقدرٍ كاف، وعلى الأخص الفن غير المحدد  لموضوع.

وكان يظن أن الزائرين يهتمون بالتفسيرات الكافية عن أهداف الفنانين. وكانت تتاح لهم جولات مع المرشدين (70% من الزائرين)، ولكنها فيما يبدو كانت غير مُرضية، وبقى الزائرون يجولون حول أعمال الفنانين المعاصرين.

ويلاحظ أنه بالإضافة إلى الجولات الإرشادية، كان يجدر إنشاء غرفة للتوجيه، يُعرَّف فيها بتحليلٍ لأعمال الفنانين، مصحوباً بتسجيل تفسيرى مسموع للزائرين قبل دخول المعرض.

وتوصية أخرى مفادها أن يقوم العمل بالتعاون مع فرق صغيرة، متجانسة من مختلف الطبقات الاجتماعية، وبذلك تُُخلق أجواء ثقافية على مستوى رفيع، والذين ينشرون بدورهم تأثيرهم لجذب الزائرين من مختلف الأوساط والخلفيات.    

وقد أظهر الإحصاء الذى تم في متحف “جينيت” أن عدم تحصيل رسوم الدخول أيام السبت جذب كثيراً من الزائرين أكثر ممن كانوا فى بقية أيام الأسبوع. وكان السبب الرئيسى فى الأعداد الكبيرة التى سجلت على ما يبدوجاذبية المعارض المؤقتة الجديدة. وقد اسُتنتج من ذلك أن عدم تحصيل رسوم الدخول كان فى حد ذاته غير كاف لجذب مجموعة من الزائرين الأكثر تنوعاً.

وقد قدمت متاحف كثيرة تسهيلات خاصة، كان الغرض منها هو أن يشعر الزوار بالترحيب. ومع ذلك قام المجلس الدولى للمتاحف (أيكوم)، بإحصاء لليونسكو أظهر فيه أن المتاحف لا تزال مهمَلة، وأن عدد الزائرين أقل بكثير مما يجب أن يكون عليه.

وعلى كل حالٍ، فإنه من المشجع أن نذكر من التقرير أن المتاحف تحاول
بوسائل مختلفة أن تسهل دخول الجمهور إليها. وإحدى هذه الوسائل هى تقديم تسهيلات، مثل المطاعم، والأغذية المحببة، ومقاعد مريحة، وهى من الوجهة العملية البحتة التى تساهم كثيراً فى خلق جوٍ مريح.

ومن المتاحف التي اختارتها “الأيكوم” (باستثناء المتاحف الأمريكية)، تسع وسبعون متحفاً جاهدت فى إنشاء مطعم، أو بار على الأقل، أو مقهى، أو مقاعد مريحة مع مجلات، أو كتيبات للقراءة والإرشاد عن مقتنيات المتحف.

أما البلاد التي قدمت الكثير في هذا الصدد، فهي على سبيل المثال لا الحصر: النرويج (10 من بين 15)، والمملكة المتحدة (6 من بين 15)، والسويد (4 من بين 6)، والدانمارك (4 من بين 5)، والنمسا، ومصر، وفرنسا، وألمانيا (بافاريا)، وإيطاليا، والاتحاد السوفيتى.

وييسر الزيارات كثيراً استمرار فتح المتاحف أثناء ساعات الغذاء، وبعد ساعات العمل، وخلال الأمسيات، مرة أو مرتين فى الأسبوع. ويستتبع هذه القرارات بالطبع استئجار عدد أكبر من العاملين، كما أنه عند الفتح فى الأمسيات يجب تقديم تسهيلات مناسبة لذلك من أجل جذب أكبر عدد من الجمهور.

كما يبدو أن أكثر وسائل جذب الزائرين فاعلية هو تطوير الخدمات التعليمية. وقد أنشأت المتاحف فى كثير من البلاد صلات وثيقة بالمدارس؛ حيث يتم إعداد زيارات يقوم بها غالباً رجال المتاحف الذين يتلقون محاضرات توجيه قبل زيارة الفصول.

وعلى كل حالٍ، فإن نتيجة الاستبيان الذى أعده “الأيكوم يدل على أنه ليست هناك علاقات مبنية بين العمل المنظم وبين المتاحف، فيما عدا بين متاحف الأرياف النمساوية، وتلك التى فى روسيا. والأجوبة التى وردت تدل على أن المتاحف مستعدة بشكلٍ عام للقيام بذلك العمل.

مما سبق يُمكن إستخلاص بعض النتائج والإحصاءات التي تتجلي فيما يلي:

  • يزداد إقبال الجمهور العادى على المتاحف باستمرار، وفى معظم البلاد تعتمد المتاحف الآن على ما يقدمه الجمهور من مبالغ لتدعيمها، وهى حقيقة واضحة فى معظم متاحف الولايات المتحدة أيضاً، ومعنى ذلك أن المتاحف أصبحت مضطرة لإرضاء حاجات عامة، إذ أنهم قد اضطروا فى السنوات الأخيرة إلى البحث عما يرضى القطاع الأكبر من الجمهور الذى لم يكن معتاداً على زيارة المتحف.
  • لقد تغيرت معارض المتاحف، ولم تعد هناك قاعات تُملأ بالمعروضات التى تحتاج لمعلومات سابقة من جانب الزائر، وأصبح الاتجاه يميل إلى التقليل من عدد القطع المعروضة، وعرضها بشكل يعطى الزائر العادى فكرة عامة عن الموضوع فى فترة زمنية قصيرة ومحددة، وغالباً ما يتم ذلك بطريقة المحاولة والخطأ، ولكن في السنوات الأخيرة جُمعت مراجع علمية كثيرة على التوالي كمرشد لتخطيط المعارض، لتفي بحاجات واهتمامات الزائرين، وتدلهم على فهم واضح، وطريق سديد.
  • لقد أُجريت دراسات لملاحظة سلوك الزائرين، وتحليل خلفيتهم الاجتماعية والاقتصادية، وردة فعل المعارض عليهم، وأشارت هذه الدراسات إلى العديد من مواطن الضعف، وأثارت تطوراً إضافياً.
  • لا تعتبر المتاحف معاهد تعليمية بالمعنى الرسمى للكلمة، ولكنها منبع للإثارة الذهنية، والدعوة إلى التقدم. ويمكن للمتاحف أن تكون وسيلة لتوصيل الأفكار الخاصة بالإنجازات الثقافية للشعوب الأخرى، وللعلم الحديث، وللتقاليد الخاصة بكل شعب. ولكن هذا لا يعنى فى محاولة السعى الحثيث وراء تقديم آراء جديدة، أو توسيع الأفق الذهنى للشعوب، أن نفقد الرؤية للأغراض التقليدية المتوارثة.
  • إجمالاً فإن التحرك نحو وظيفة أكبر للمتاحف أفادتها كثيراً؛ حيث انتشلتها من حالة الركود والانعزال الذهنى. ومع ذلك فمن المستحسن هنا أن نذكر من تقرير المجلس الدولى للمتاحف، والذي يتضح مفاده فيما يلي: “يجب أن ننصح المتاحف التى تحاول الاندماج فى الحياة التجارية أو الصناعية فى المدينة أو الأقاليم بالحذر؛ إذ أن المتحف يجب ألا يدفع مثل تلك الأنشطة كثيراً، لدرجة أن يفقد الرؤية لدوره الأساسى، وهو نشاطه العلمى، ووظيفته كمكان لحفظ الأشياء، وهذه هى أغراضه الأساسية”.
  • من الواضح أن المتحف يستطيع أن يقوم بطرح رسالته الاجتماعية إذا كان فيه عدد كاف من العاملين، ويستطيع أن يعهد بذلك العمل إلى موظفين مختصين فى هذه المسائل، وعلى أفضل مستوى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى