أخبارتقارير و تحقيقات

نهج ترامب في الشرق الأوسط: قرارات جريئة أم خطوات نحو الفوضى؟

 

مع عودته إلى البيت الأبيض، بدأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في إعادة رسم ملامح سياسته تجاه الشرق الأوسط، واضعا نصب عينيه تحقيق صفقات جديدة وإحداث تغييرات جذرية في النهج التقليدي للولايات المتحدة في المنطقة. توجه ترامب القائم على المفاجآت والقرارات غير المتوقعة يعيد رسم المشهد السياسي، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وفقا لتقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست”، يطرح ترامب مقترحات مثيرة للجدل، من بينها نقل الفلسطينيين بشكل دائم من قطاع غزة، ودعم ضم إسرائيل للضفة الغربية المحتلة، ورفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. هذه الطروحات تضع سياسته أمام اختبار صعب، لا سيما مع الجولة الدبلوماسية التي يقودها وزير الخارجية ماركو روبيو لاستكشاف مدى توافق القادة العرب مع رؤية ترامب الجديدة لحل النزاعات في المنطقة.

نهج غير تقليدي وصفقات بلا عاطفة

يرى ديفيد شينكر، المسؤول السابق عن ملف الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية، أن ترامب يتعامل مع قضايا المنطقة بنهج غير عاطفي، مرتكزًا على منطق الصفقات والتفاوض الجريء. وبينما لم تحقق سياساته السابقة سلامًا شاملاً، فإنها أثمرت عن اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

اليوم، يسعى ترامب لاختبار مدى استعداد حلفائه العرب للقبول بمبادراته، خصوصًا مع اقتراب الأول من مارس، الموعد الذي يُنتظر أن تدخل فيه اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة مرحلة جديدة. وتأتي هذه التحركات وسط تصاعد العنف في الضفة الغربية، واستمرار الأزمة في لبنان وسوريا، ما يزيد من تعقيد المشهد الإقليمي.

جدل حول مقترحات غزة

من بين أكثر مقترحات ترامب إثارةً للجدل، طرحه لفكرة إخلاء قطاع غزة من سكانه وتوطينهم في دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو مقترح قوبل برفض عربي قاطع. في المقابل، جاءت مبادرة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني لنقل 2000 طفل فلسطيني مريض من غزة للعلاج بالخارج كتحرك إنساني لاقى إشادة ترامب، الذي وصفه بـ”اللفتة الجميلة”.

لم يكن هذا الطرح الوحيد الذي أثار الجدل في سياسات ترامب بالمنطقة. فقد سبق له أن اتخذ قرارات مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان. كما حملت “صفقة القرن” التي أعلنها عام 2020 اعترافًا بالمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، مقابل مقترح لإنشاء دولة فلسطينية وفق شروط محددة لم تحظَ بقبول الجانب الفلسطيني.

تأثير تحولات البيت الأبيض على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

اختيارات ترامب لفريقه الجديد في البيت الأبيض تعكس ميلا نحو تبني سياسات أكثر تشددا. تتماشى مع مواقف اليمين الإسرائيلي. فقد رشح إليز ستيفانيك لمنصب سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وهي التي أعلنت أن لإسرائيل “حقًا توراتيًا” في الضفة الغربية، إلى جانب مايك هاكابي، المرشح لمنصب السفير الأمريكي لدى إسرائيل، والذي لم يستبعد دعم واشنطن لضم الضفة الغربية.

هذه التحولات تبرز تقارب الحزب الجمهوري مع اليمين الإسرائيلي، في وقت تتزايد فيه الانتقادات داخل الحزب الديمقراطي لسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين. ورغم رفع ترامب العقوبات عن مستوطني الضفة الغربية. فإنه لم يحسم بعد موقفه من تأييد الضم رسميًا.

التأثير الإقليمي للسياسات الأمريكية

إجراءات ترامب الأخيرة أثارت ردود فعل متباينة في المنطقة. فبينما يرى البعض أن تحركاته تعزز موقف إسرائيل، يعتبر آخرون أنها تُصعّب على السعودية المُضي في اتفاق تطبيع مع إسرائيل دون تحقيق تقدم ملموس في الملف الفلسطيني. وبحسب مصادر مطلعة، فإن الرياض أكدت على ضرورة التوصل إلى حل الدولتين كشرط أساسي لأي اتفاق مستقبلي.

في المقابل، يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطا داخلية. إذ إن أي تنازل للفلسطينيين قد يعرض حكومته الائتلافية للانهيار، خاصة في ظل وجود شخصيات يمينية متشددة مثل بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن جفير.

مستقبل غزة في ظل التوترات المستمرة

مع اقتراب الموعد النهائي للمرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، يواجه المفاوضون تحديات معقدة تتعلق بإطلاق سراح المزيد من الرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية، والاتفاق على مستقبل إدارة القطاع. ورغم تزايد الآمال في التوصل إلى تسوية جزئية تشمل زيادة المساعدات الإنسانية مقابل تهدئة الأوضاع، إلا أن احتمالية العودة إلى سيناريو ما قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لا تزال قائمة، ما يعني استمرار التوترات والصراع المفتوح.

يبدو أن سياسة ترامب في الشرق الأوسط ستظل مثيرة للجدل. حيث تجمع بين اتخاذ قرارات جريئة، والتحدي للثوابت التقليدية، في محاولة لإعادة صياغة النفوذ الأمريكي في المنطقة. لكن نجاح استراتيجيته سيظل رهنًا بردود الفعل الإقليمية، ومدى قدرة الحلفاء على التعامل مع الضغوط الأمريكية في ظل مشهد سياسي متغير وتحولات غير محسوبة العواقب.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى