المزيدثقافة و فن

القاص حسنى فاروق يكتب : خاص 

القاص حسنى فاروق يكتب : خاص

أن تحمل دمك بين كفيك ، وتعدو فى الدروب كحمى ، وأن تجعل النملة تقف على قدم واحدة ، على إصبع واحد ، وأن تعبر تعاريج جسمك ، وأن تروغ منك تحت جلدك كسني عمرك ، وأن تبول على قفاك ، وأن تنحنى فوق أنفك لعاصفة من التصفيق ، يجعلك الفذ فى تاريخ العائلة ، فلتة زمانك ، شوكة فى ظهر أولاد ال …..!، ولأنك لست من هواة جامعى القنابل ، ولست ممن يصفقون بأقدامهم عندما يقفزون فى الهواء كالبراغيث ، فلا تتظاهر بالشجاعة أمام حمارتك الممصوصة ، فبرفسة من قدمها تفقد كل أسنانك !.

قبل أن تروغ منك طراوة عظامك المبللة بعرق الأيام المهدر ، كنت تعبر الشارع المحفوف بالمخاطر والأهوال دون حذر ، وكنت تعلق ثيابك الرثة فى أحد الأوتاد المدقوقة فى الحائط ، حتى إذا أتى عليه السوس ، ومع أول هبة ريح من منخار حمارتك تتهاوى فى أوحال الأرض المملوءة بالخوازيق ، وينفجر بطنك من الضحك ، وربما من البكاء ، وربما لم يخطر ببالك أنك كنت تمرق فى عرض الطريق عاريا .

فى المساء ، وعندما تتظاهر بأنك تسترجع دروسك ويغلبك النعاس ، تدفن رأسك بين دفتى كتابك ، وإذ يأتيك صوت أبيك الشيخ : أحمد .. أحمد ، أنت نمت يا نن عين أمك ، ترد فى عجلة : لا .. لا ، ورحمة سيدى أنا يقظ ، أفكر، وحينما توقن تماما أن صوت أبيك لن يدك مسامعك البتة ، تستلقى فاردا جسدك ـ المسلْوع ـ ، لم تأبه قط ، هل وجهك صوب سقف الحجرة ، أم صوب الأرض ، وهل ركبتاك فى صدرك ، وهل ، ولماذا ؟!.

لحظات قلائل ، عندما يغمرك ماء البحر حتى أذنيك ، ويداك فوق قفاك ، تتلمس تعاريج جسمك تلك الفتاة البضة . ليتك ترفس بقدميك عندما يحدوك إحساس غريب وهى تتأبط جسدك مبديا فى براعة عجزك المزمن ولاءاتك اللامحدودة ، ناهيك عن علامات الاستفهام التى تذيل بها عباراتك الجوفاء : أنا فين ، وإيه اللى جابنى هنا ، غباوتى ، ولا عماية قلب اللى ………؟!.

وقبل أن ـ تفرفط ـ كعتيق الديكة حين يشم رائحة الفراخ الشابة ، محاولا بالكاد أن تخلع قدميك من الطين ، كنت تود ولأول مرة أن يأتيك صوت أبيك الشيخ كالمطرقة يدك دواخلك ، وأن تحمل بين كفيك دمك ، وألا تصفق بقدميك حين تقفز فى الهواء كالبراغيث ، وألا تتظاهر بالشجاعة أمام حمارتك الممصوصة ، فتنال من قدمها رفسة تفقد فيها كل أسنانك ، وألا ، ……… وألا .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى