ثقافة و فن

موريتانيا..بلد المليون شاعر

موريتانيا..بلد المليون شاعر

 

كتب :حاتم عبدالهادي

 

( إن في قلب الموريتاني فراغاً لا يسده إلا الشعر.. سيدي محمد ولد بوبكر، رئيس الوزراء الموريتاني الأسبق) .

يمثل الشعر هوية وطنية بالنسبة للموريتانيين.. فالإنسان الموريتاني الذي وصل البلاد في فترات متفاوتة قادما من المشرق العربي، (بالذات نجد والحجاز، واليمن) ثم من المهجرين من الأندلس والنازحين (الرحل) من المغرب، اتخذ الشعر وسيلة يعصم بها هويته وهو يؤسس حضارته في أبعد الأقاليم العربية غرباً.. هذا الهوس بالشعر إنتاجا واستهلاكاً لم ينج الحركة الشعرية في موريتانيا من صفة الحلقة المفقودة من الأدب العربي.. وجراء عوامل كثيرة، من بينها القطيعة مع التطور الحاصل في المركز، وحتى القطيعة الداخلية، لا تزال صورة الحركة الشعرية في موريتانيا تتسم بالضبابية الشديدة.. في هذا الموضوع نفتح المجال لخمسة من أبرز الشعراء الموريتانيين ليسلط كل منهم الضوء من زاويته الخاصة على الحركة الشعرية في موريتانيا: أبرز تياراتها والأصوات المؤثرة فيها.

 

نبدأ بالشاعر أحمد ولد عبد القادر، رائد الأدب الموريتاني الحديث، والذي يقول بداية أنا دائما أقول إن النقد ليس مهمة الشاعر، فللنقد أصحابه، وأرى أن الحركة الشعرية في موريتانيا هي وليدة المحظرة (وهي المدرسة البدوية التي تخرج منها العلماء والأدباء الشناقطة)، والمنهج الدراسي في المحظرة قائم على قراءة القرآن الكريم إلى جانب دواوين الشعر العربي ما قبل النهضة.

 

وقد بدأت هذه الحركة بالاتصال بحركة الشعر العربي الحديث متأخرة في سنة 1964 بالتحديد.. حيث بدأ التواصل مع الحركة الشعرية في المشرق العربي بدءا بدواوين أحمد شوقي، وجبران خليل جبران، والبياتي، ونازك الملائكة، وبدر شاكر السياب ومحمود درويش.. وخلال الفترة التي تلت ذلك شهدت الحركة الشعرية في موريتانيا قفزة كبيرة نحو الحداثة، ويمكن القول اليوم إن جميع تيارات المدرسة الشعرية في المشرق العربي موجودة في موريتانيا باستثناء قصيدة النثر التي لم تجد صدى لها في موريتانيا رغم أن شعراء هذه القصيدة، وخاصة إبراهيم ولد عبد الله، كتبوها بشكل جميل، إلا أن الساحة لم تتقبلها.

 

وفي الوقت الراهن هناك جيل واسع من الشعراء الشبان المميزين والذين يكتبون بأساليب مختلفة، ويتبعون تيارات شعرية متعددة، إضافة إلى الشعراء الكبار، وهؤلاء الشعراء الشبان في اعتقادي لحقوا بالمنهج الشعري المتعدد الوجوه على مستوى الوطن العربي.

 

وأعتقد أن غياب وسائل النشر، حيث لم تعرف البلاد بعد حركة نشر أدبية، أثر كثيرا في الساحة الشعرية ومنع الاطلاع على الكثير من التجارب الشعرية في هذا البلد، ما حد من التواصل داخليا وخارجيا بالنسبة للحركة الشعرية في موريتانيا.

 

وبالنسبة لجوانب الحداثة في هذه الحركة، ومن دون أن ننسى ما أصبح متاحا أن يتلقف في الساحة الموريتانية من إنتاجات أدبية وافدة من الأقطار الأخرى، فإن عمر كلية الآداب في جامعة نواكشوط لا يتجاوز عشرين سنة، ولهذا بطبيعة الحال دور مهم، لكن مع ذلك فإن الحركة الشعرية في البلاد التحقت بركب المشرق، ومع مرور الوقت، وتوفر وسائل النشر والاتصال، فإنني متفائل بأن في البلد طاقات شعرية لها مستقبل واعد كثيرا.

 

ويعتبر ولد عبدالقادر أن غياب حركة نقدية في البلاد في المراحل الماضية أثر كثيرا في الحركة الشعرية في البلاد، فالنقد متأخر كثيرا عن هذه الحركة لغيابه أصلا، وإن كان بدأ في الآونة الأخيرة بالظهور وبدأ يقترب من مواكبة الحركة الشعرية.

 

ويرى الشاعر ناجي محمد الإمام أن أبرز تيارات الحركة الشعرية في موريتانيا هم المحافظون شعرياً.. وهي مدرسة اتباعية خليلية ولكن منذ الثمانينيات إلى يومك هذا أصبح بالإمكان تحديد ثلاثة تيارات رئيسية: التيار الحداثي الذي أثبت جدارته في المدرسة المحافظة وتميز فيها ولكنه بفعل عامل التطور الذاتي ارتقى إلى مصافي الحداثة بما أسميه الحداثة الأصيلة. يكتب رواده القصيدة الحديثة بمعنى قصيدة التفعيلة ولكنهم أيضا يكتبون القصيدة العمودية الحديثة أي يحافظون على القالب الموروث ويبدعون بحداثة كاملة تكثيفا ورمزا ورؤى. ومن هؤلاء أحمد ولد عبد القادر، ومحمد ولد الطالب، على سبيل المثال لا الحصر.

ثم مدرسة الحداثة الشابة وهم نفر من الشباب يكتبون بشعرية ممتازة حداثيو الشكل والمضمون ولن أسمي أحدا منهم كي لا أؤثر أحداً على الآخر. فهم مدرسة واعدة.

وهناك المدرسة التقليدية وهي مدرسة الجزالة والموقف والموقع والمحافظة على الموروث في أنبل تجلياته. وعلى رأسها يتربع العلامة الرمز شيخي وشيخ اللغة العربية محمد سالم ولد عدود أطال الله بقاءه ومتعنا به.

ولهذه المدرسة ينتمي الشاعر المبدع الباحث الخليل النحوي، والشاعر المناضل محمدن ولد إشدو، وإليها ينتمي الشاعر الوحدوي الكبير كابر هاشم، والشاعر المفلق محمد الحافظ ولد أحمدو، والمرحومان المناضلان الشهيدان فاضل أمين ومحمدي ولد القاضي ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى