عصر النهضة والنقد الأدبي

عصر النهضة والنقد الأدبي
كتب : حاتم عبدالهادي السيد
ظهر العقل النقدى ليحتل مكان الصدارة بعد الثورة الفرنسية، وانتقال الفكر من عصر النهضة الى عصور التنوير، كما ظهر – فيما أحسب- الفكر النقدى الحديث مع ظهور حركات التمرد والثورات على الظلم والإستعباد،ومحاولة خلع الثوب القديم واستبداله بثوب معاصر أكثر مضامينية، وعلى الرغم من كون هذا العقل النقدى قد نشأ في أحضان الفلسفة،إلا أن الناقد الحصيف خلع عن منهجياته الثوب الفلسفى؛ليعبر الى الجمالى واللامتيافيزيقى،متجاوزاً-عبر الإزاحة-الوقوف عند النظرية،الى تأويل المنتوج الناتج عن النظرية،ومضيفاً أبعاداً نفسية، وجمالية لتثوير الواقعى الى الكونى، ومستعيناً بعلمية الفنون،وأدبيات التراث، فظهرت تشابكات وتعالقات رسخت حداثة بلاغية وابداعية جديدة، لكن محايثات التنظير والتقعيد غدت أكثر تعقيداً، وكان للمنطق الإستدلالى والقياسى،والعلوم الرياضية والفيزيائية الفضل في تقدم العقل النقد الإبداعى، والذى ارتبط بتقدم تكنولوجى يتوسل ” الخيال العلمى” ، والأحلام”، والأساطير كوسيلة قابلة للتطبيق، أو بمعنى آخر : اخضاع الأسطورى والمتخيل الى الواقع المعملى،والتطبيقى،ولقد نجح النقد العلمى في مكتشفاته،واستتبع هذا النجاح ثورة فكرية ومجتمعية تأثر بها الأدب ليلاحق التطورات الحداثية،وغدا النظر الى القديم بمثابة رد المخترع الى الخلف،أو بمعنى رد القطار الذى نركبه الى الفرس أو الدابة،وهذا لعمرى ليس من مستلزمات التطور الإنسانى الطبيعى ،الذى ينزع الى الأفضل والأحسن،والى مماهاة الجميل،ولو بفرضية محاكاة اليقين،والنزوع الى البرهان والخالق،حسب النظرة العربية، أو الى الإله الكونى؛بحسب العقلية الجديدة .
لقد حظى القرن التاسع عشر بالإعتراف بمصطلح ” النقد ” ليعبر العالم من البلاغة الى عصر العقل،ومن الخيالى والأسطورى:(الغولة،رءؤس الشياطين)الى العلمى والتطبيقى،فظهر النقد كرد فعل طبيعى للنهضة التى تستلزمها تساوقية على شاكلتها، ولقد تنبه العرب لذلك، وكان السبق للمصريين والشوام في ابراز علم النقد الأدبى كأحد العلوم الحداثية – آنذاك – ولقد تم استعمال مصطلح النقد كما يضيف أ/ محمد كامل الخطيب – مع بروز المفاهيم العقلية النقدية الحديثة في الثقافة العالمية،ودخولها السلسلة الثقافية العربية التي تجدد نفسها منذ القرن التاسع عشر ولذلك لم يكن مصادفة أن أول من خصص باباً للنقد في الصحافة الأدبية العربية الحديثة كان مجلة «المقتطف “1876م» ذات الاتجاه التجديدي والعلمي المعروف،إذ أنها ومنذ سنواتها الأولى تقريباً خصصت في صفحاتها باباً للنقد بعنوان:« باب الانتقاد والتقريظ» ثم تبعتها مجلة « الهلال »1892م في ذلك؛ فخصصت باباً تحت العنوان نفسه تقريباً، وفي هذه الأبواب بدأت المجلتان مناقشة ما يرد من كتب ، مناقشة تبتعد شيئاً فشيئاً عن النقد البلاغي العربي التقليدي،والذي استمر بالتركيز على نقد الشعر تحديداً، قبل ظهور الأجناس الأدبية الأخرى ، مثل الرواية والمسرح والقصة والقصيدة الحديثة، وهي أجناس وأشكال نعتقد أن النقد البلاغي العربي قاصر عن استيعابها، وإن كان يحاول ذلك اليوم، تحت الاسم الجديد للبلاغة العربية، ألا وهو «النقد الحديث»؛ أو « البنيوي »،أو « الشكلاني »،أو نقد « ما بعد الحداثة » الى آخر هذه التسميات التي تحجب؛ أكثر مما تعلن (4).
فالعقلية الجديدة – كما يقول – هى التي لا تخضع للمقدسات والمسبقات والموروثات هي ما يمكن أن نسميه « العقلية النقدية»ولقد ظهرت مع بداية النهضة الاوروبية الحديثة، بل كانت من بعض مظاهر هذه النهضة وأبعادها، وحققت انتصارها في فلسفة التنوير الفرنسية،وفي الفلسفة النقدية الألمانية،وفي الفلسفة التجريبية الانكليزية، وقد بدأت هذه العقلية ، وهذه الروح في التسرب الى الثقافة العربية منذ أواسط القرن التاسع عشر، وبالطبع كانت البلاغة العربية من جملة الفنون الأدبية العربية التي وصل اليها هذا التغيير، ووصلت اليها هذه الروح ، وإن تأخر ذلك الى أوائل القرن العشرين، وأضيف : ويعزى ذلك الى ظهور المذهب النقدية الحديثة من جهة، وتبلور الأدب العربى بعد عصر التنوير في طرح خصوصية، وهوية مغايرة، وظهور تيارات الإحياء، والطليعيين وظهور الشعر الحر، وقصيدة النثر كذلك