تاريخ الأدب العربي الأفريقي الكانمي وازدهار الأدب الإفريقي المعاصر
تاريخ الأدب العربي الأفريقي الكانمي وازدهار الأدب الإفريقي المعاصر
كتب :حاتم عبدالهادي السيد
الواقع أنه ليس لدى كثير من المثقَّفين بالثقافة العربيِّة في أيامنا هذه إلمامٌ كافٍ بالأدب العربي الأفريقي، ولعلَّ أحسنَ انطباعٍ لدى القليلين منهم ممَّن أَلَمَّ بشيءٍ من ذلك بحُكم تخصُّصه العلميِّ، لا يعدو أن يكون انطباعاً سطحيّاً عن روعة ما تركه بعضُ المشاهير مِن العلماء الأفارقة من إنتاجٍ علميٍّ، وتُعد آثارُ شعراء «نيجر» أمثال الشيخ إبراهيم الكانمي والشيخ ابن فودي رحمهم الله، من هذا القليل الذي يستطيع أيُّ دارسٍ مُتخصِّصٍ في تاريخ إفريقيا الإسلامي أن يُؤَكِّدَ معرفتَه ببعضه، واطِّلاعَه عليه، فلقد أُتيحَ لنيجرِ ولنيجيريا وغيرهما من الظروف التاريخيّة ما جعل علماءَها على صِلَةٍ مستمِرَّةٍ بعُلَماء العرب، خصوصاً في الشمال الأفريقي، كما ساعدَتْ الظروفُ نفسُها على طباعةِ كثيرٍ من المؤلَّفات القَيِّمة التي خَلَّفها هؤلاء العلماء.
ويحفِلُ الغربُ الأفريقي بالعديد من المؤَلَّفات القيِّمة، منها الآثارٌ العلميَّة التي ما زالت مغمورةً لا تقِلُّ روعةً عمَّا تركه علماء نيجر ونيجيريا وأُدباؤُهما، بل يُمكِن القولُ بأنَّ من بين تلك الآثار العلميّة والأدبيَّة ما يختلِف عن الروائع التي خلَّفها علماء نيجر ونيجيريا وأدباؤهما من حيث الكمِّ والنوعِ، نقول ذلك، ونحن نُدرِكُ أنَّ لكلِّ منطقة إفريقيَّة خصائصَها الجغرافيَّةَ والتاريخيّة والثقافيَّة التي تَجعلُ الاختلافَ بينها وبين غيرها من مناطق القارَّة واقِعاً لا يمكن إنكارُه.
والمتتبع لخريطة الشعر الأفريقي يجد نوعاً من التفاوت بين اتجاهاته ومساراته، ويجد في هذه الاتجاهات والمسارات أجواءً شعريةً مختلفةً، وصوراً تعبيريةً متباينةً، ومن المفيدِ أن تتضافر الجهودُ المخلصةُ في مجال جمع التراث العربي الأفريقي من مصادره المختلفة، ويتوسّعَ مجالُها لتتناول مناطقَ إفريقيّة أخرى
.
ونقدِّم نموذجاً واحداً من أعلام الأدب الأفريقي بلغ من الشهرة في المصادر العربية حدّاً بعيداً، وحدث له من القبول لدى نقَّاد العربية ما لم يتهيَّأْ لأديب أو عالِمٍ إفريقي، وهو (إبراهيم الكانمي) الذي (قدم على المغرب قبل الستمائة) على حدِّ تعبير ابن الآبار[1]، وحصل على تقدير كبار نقَّاد العربية، أمثالِ (ياقوت الحموي) الذي وصفه بأنّه: «مشهودٌ له بالإجادة»، ووصف (ابن حمُّويه) شعرَه بقوله: «إن الكانمي يُعرب عن شعرٍ فصيحٍ، ولفظٍ صحيحٍ، ووزنٍ مستقيمٍ، ومعنى قويم»، وقال عنه (الصفدي) إنَّه كان «جيِّدَ النظم»[2]، ومن جيد شعره قوله يمدح أبا إسحاق إبراهيم بن يعقوب:
ما بَعْدَ بابِ أبي إسـحـاقَ منزلةٌ يسـمو إليها فتًى مثلي ولا شرَفُ
أَبَعْدَ ما بَرَكَتْ عِيسـي بسـاحته وصـرتُ مِنْ بَحْرِه اللُّجِيّ أغترِفُ
هَمُّوا بِصَرْفِي وقَدْ أَصْبَحْتُ مَعْرِفَةً فكيف ذلك واسـمي ليس ينصرفُ
وواضحٌ من هذه الأبيات أن الشاعر مُتمَكِّنٌ، ويمتِلك من أدوات صناعة الشعر ما يمتلِكه أمثالُ المتنبّي وابن الروميّ والبحتريّ وغيرهم، ومع ذلك؛ فإنّ ما تركه هو وغيره من شعراء إفريقيا السوداء من روائع الشعر وعيونه؛ لم يحْظَ بشرفِ الانضمام إلى التراث الشعري الضخم الذي يحفلُ به تاريخُ الأدب العربي، ولم يجد له مكاناً بين عيون الشعر العربي الذي يُدَرَّسُ في المدارس والجامعات، بل إن مؤرِّخي الأدب العربي لا يُدْرجونه في الأعمال الأدبية الرائعة التي يحفل بها التراث العربي الإسلامي، ولقد أدَّى ذلك كلُّه إلى وجود فجوة في تاريخ الأدب العربيِّ، أفقدت هذا الأدبَ تكامُلَه وتنوّعَه وثراءَه، بل أدَّت إلى طمس بعض معالمه العالمية.