الذكرى الـ36 لاستعادة طابا: كيف سجلت مصر انتصارا تاريخيا دون رصاصة؟

كتبت: رانيا سمير
على شاطئ خليج العقبة، تحت شمس سيناء الساطعة، تروي صخور طابا حكاية صمود وإصرار أمة لا تفرط في شبر من أرضها. في مثل هذا اليوم، قبل ستة وثلاثين عاما، رفرف العلم المصري فوق طابا، معلنا انتصار الإرادة المصرية في واحدة من أشرس المعارك الدبلوماسية والقانونية التي شهدها العصر الحديث.
رغم أن مساحة طابا لا تتجاوز كيلومترا مربعا واحدا، إلا أنها فرضت نفسها على صفحات التاريخ بعد أن خاضت مصر معركة قانونية استمرت سنوات لاستعادتها من الاحتلال الإسرائيلي. وصفها المؤرخ الراحل يونان لبيب رزق بأنها “معركة العصر”، حيث سجلت نموذجا فريدا في استرداد الحقوق عبر المحافل الدولية.
معركة القانون والوثائق
بدأ النزاع على طابا منذ مطلع القرن العشرين، عندما احتلتها الدولة العثمانية في 1906، متجاهلة فرماني 1841 و1892 اللذين حددا تبعية المنطقة لمصر. تدخلت بريطانيا حينها، وأجبرت العثمانيين على التراجع، وتم وضع العلامة الحدودية 91 التي أصبحت فيما بعد محور الصراع المصري الإسرائيلي.
بعد حرب أكتوبر 1973 واتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979، كان من المفترض أن تنسحب إسرائيل من كامل أراضي سيناء، ولكنها تلاعبت ببعض العلامات الحدودية، ورفضت الخروج من طابا، مدعية أن موقعها الجغرافي الاستراتيجي يجعلها جزءًا من إسرائيل.
لم يكن أمام مصر سوى اللجوء إلى التحكيم الدولي، وهو خيار لم يسبق أن استخدم في نزاع حدودي بين إسرائيل ودولة عربية. شكلت مصر لجنة قومية تضم 25 خبيرًا من القانونيين والجغرافيين والدبلوماسيين والعسكريين، قادوا معركة الوثائق بحرفية عالية، مستندين إلى خرائط تاريخية ووثائق من أرشيفات مصرية وبريطانية وتركية وحتى إسرائيلية.
النصر القانوني
في 29 سبتمبر 1988، جاء حكم هيئة التحكيم الدولية لصالح مصر، مؤكدًا أن طابا جزء لا يتجزأ من أراضيها. حاولت إسرائيل المراوغة وتأخير التنفيذ، ولكن عبر اتفاق روما التنفيذي في نوفمبر 1988، تم تحديد موعد الانسحاب الإسرائيلي النهائي، وفي 19 مارس 1989، تم رفع العلم المصري على أرض طابا، لتعود رسميًا إلى السيادة المصرية.
أهمية طابا الاستراتيجية
لا تكمن أهمية طابا في مساحتها الصغيرة فحسب، بل في موقعها الذي يشرف على رأس خليج العقبة، ويمنحها ميزة استراتيجية هامة. كانت إسرائيل ترى فيها بوابة لتوسيع ميناء إيلات، ونقطة مراقبة على حركة الملاحة في البحر الأحمر. لكن مصر، بإصرارها التاريخي، استطاعت أن تستعيد هذا الموقع، مؤمنة بأن الحق لا يسقط بالتقادم.
اليوم، تحتفل مصر بذكرى استرداد طابا كتأكيد على أن السيادة الوطنية لا تخضع للمساومة، وأن التمسك بالحقوق، مهما طال الزمن، يظل السبيل الوحيد لتحقيق النصر. فطابا لم تكن مجرد قطعة أرض، بل درسًا في أن الإرادة الوطنية قادرة على صنع المستحيل، وأن مصر لا تترك حقها أبدًا.