أخبارسياسة

صراع العواصم: جدل سعودي–مصري متصاعد حول قيادة جامعة الدول العربية ومقرها التاريخي

 

وسط مشهد عربي ملتهب بالتحديات السياسية والتحولات الإقليمية، اندلع جدل حاد على منصات التواصل الاجتماعي حول مستقبل قيادة جامعة الدول العربية، في وقت يقترب فيه موعد انتهاء ولاية الأمين العام الحالي أحمد أبو الغيط، المقررة في يوليو المقبل. ومع اقتراب هذا الاستحقاق، أخذت النقاشات منحى متوترًا بين نشطاء سعوديين ومصريين، خاصة بشأن أحقية القاهرة في الاحتفاظ بمقر الجامعة ومنصب الأمين العام منذ تأسيسها عام 1945.

النقاش الذي بدأ كملاحظات افتراضية على “تويتر” و”فيسبوك” تحوّل إلى جدل إقليمي يحمل أبعادًا سياسية وثقافية، بعدما دعت حسابات ومقالات سعودية إلى نقل مقر الجامعة إلى الرياض، معتبرة أن موازين القوى في العالم العربي تغيّرت، وأن احتفاظ مصر بالموقع القيادي للجامعة لم يعد يعكس الواقع الجيوسياسي الجديد. وفي خطوة لافتة، رشّحت هذه الأصوات اسم وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير كخيار مناسب لقيادة المؤسسة العربية، مشيرة إلى خبرته الدبلوماسية ومكانته الدولية.

في المقابل، قابل الشارع المصري هذه المقترحات بحالة من الرفض والتمسك بالتاريخ، مؤكدين أن القاهرة ليست مجرد مقر للجامعة، بل هي قلب العروبة النابض، التي دفعت من أمنها واستقرارها ومواردها ثمنًا لبقاء العمل العربي المشترك قائمًا، حتى في أضعف لحظاته. واعتبر المصريون أن المطالبة بنقل المقر أو ترشيح أمين عام غير مصري محاولة لتقويض الدور التاريخي لمصر في العمل العربي، رغم أنه لا يوجد نص قانوني يلزم بأن يكون المقر في مصر أو أن يكون الأمين العام مصريًا، لكنه عُرف دبلوماسي حافظ على استقرار الجامعة في أحلك الظروف.

تاريخيًا، تأسست جامعة الدول العربية عام 1945 بعد مفاوضات بين الزعيم المصري مصطفى النحاس ورؤساء حكومات عربية، من أبرزها العراق وسوريا والسعودية ولبنان واليمن. ونص برتوكول الإسكندرية الموقع عام 1944 على احترام سيادة الدول وعدم استخدام القوة لحل النزاعات، وهي مبادئ اهتزت لاحقًا بفعل صراعات داخلية وتدخلات خارجية، ومنها اتفاقية السلام المصرية مع إسرائيل التي دفعت بعض الدول لتعليق عضوية مصر مؤقتًا ونقل مقر الجامعة إلى تونس.

ومنذ عودة الجامعة إلى القاهرة عام 1990، تولى المنصب ثمانية أمناء عامين، سبعة منهم مصريون وآخر تونسي هو الشاذلي القليبي خلال فترة التجميد، بينما شهدت الجامعة محطات من التعثر السياسي والانقسام، خاصة إبان غزو العراق للكويت، والربيع العربي، والأزمات في ليبيا وسوريا واليمن. رغم محاولات الإصلاح، بقيت الجامعة رهينة مبدأ الإجماع، ما أعاق قدرتها على اتخاذ قرارات ملزمة أو تنفيذ مبادرات فاعلة.

في السنوات الأخيرة، تبنّت الجامعة مبادرات لتحسين الأداء، مثل القمم الاقتصادية، والتركيز على ملفات الأمن الغذائي والتحول الرقمي والتكامل العربي، لكن التحديات تظل ماثلة، من بينها مدى قدرتها على أن تكون مظلة جامعة فعلًا، لا مجرد واجهة رمزية، خصوصًا مع تصاعد الأصوات التي تطالب بإعادة توزيع أدوار القيادة داخلها.

وفي ظل اشتداد الجدل الشعبي والإعلامي بين القاهرة والرياض، يبقى السؤال مفتوحًا: هل تقف جامعة الدول العربية أمام محطة تحول حقيقية، أم أنها مقبلة على جولة جديدة من الصراع حول الرمزية والشرعية؟ الأكيد أن يوليو المقبل لن يمر بهدوء، وأن مستقبل الجامعة سيكون محكًا لاختبار التوازنات الجديدة في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى