مقالات

حاتم عبدالهادي السيد عضو اتحاد الكتاب  يكتب  :سيناء مسرح العمليات وانتصار الإرادة المصرية

 

حاتم عبدالهادي السيد عضو اتحاد الكتاب  يكتب  :سيناء مسرح العمليات وانتصار الإرادة المصرية

 

لقد عاشت سيناء ويلات حرب 1956م، وشهدت معارك الشرف للدفاع عن أرض مصر، كما شهدت معارك قواتنا المسلحة الباسلة فى رفح والعريش والحسنة والكنتلة ومتلا وسدر الحيطان وأبى عجيلة وبئر العبد ورمانة وبالوظة وغيرها فى كل ربوع سيناء الشاسعة، ولقد شارك أبناء سيناء فى كل هذه المعارك وقدموا الشهداء وبذلوا المال والدماء لانتصار الإرادة الوطنية، كما قاموا بتأمين طرق القوات وإرشاد رجال القوات المسلحة للمسالك والدروب الوعرة فى وسط جبال سيناء وسهولها ووهادها كما قاموا بتقديم الماء والطعام والمؤن لجنودنا البواسل، وقدم بدو سيناء جمالهم وإبلهم ودوابهم ليركبها الجنود، وحين جاء قرار الرئيس جمال عبد الناصر للقوات المسلحة بالانسحاب من سيناء وكان بالطبع قرارًا حكيمًا قام أهالى سيناء من البدو والحضر بخلع ملابسهم واستبدلوا بها ملابس الجنود الذين واصلوا عملية الانسحاب المنظم والسريع، ولم يكتف أبناء سيناء بذلك بل قاموا بإخفاء الأسلحة الثقيلة التى خلفها جنودنا فى المخابئ والكهوف وفى منازلهم خشية أن يستعملها الصهانية ضد الجنود المنسحبين كما قاموا بإتلاف الدبابات المصرية التى تركها الجنود المصريون نتيجة للانسحاب حتى لا يتم استعمالها ضد الفدائيين والجنود، كما قاموا بتسليح أنفسهم على قدر الاستطاعة لمهاجمة قوات العدو الصهيونى وعرقلة تقدم زحفهم نحو القناة ريثما تتم عملية الانسحاب، كما قاموا بالاشتباك مع قوات العدو الزاحفة فى رفح والعريش وفى وسط سيناء وفى كل المناطق على ساحل البحر المتوسط حتى مدينة القنطرة شرق وقدم كثير من مواطنى سيناء بدوا وحضرا بطولات فردية وجماعية ضد القوات الإسرائيلية الزاحفة، ولو أن القيادة المصرية قد دربتهم وسلحتهم على استعمال السلاح لقاوموا المحتل حتى آخر قطرة فى دمائهم، إذ النصر للوطن والعروبة والإسلام، ولقد علمت القيادة المصرية بهذه البطولات وأشادت بالدور الوطنى العظيم لأبناء سيناء فى مقاومة الاحتلال وفى مساعدة قواتنا المسلحة.

هذا ولقد بدأت المعارك فى سيناء فى منطقة (أم قطيف) ولقد كبد رجال القوات المسلحة المصرية اللواء السابع الإسرائيلى خسائر فادحة، كما أظهر رجال القوات المسلحة بطولاتهم فى القضاء على كتيبة المظلات التى كان يقودها العقيد (شارون) – آنذاك- فى ممر متلا، وقد تصدت لها القوات المتمركزة فى موقع سدر وخسر الصهاينة 41 قتيلا و 68 جريحًا، ولم ينقذهم سوى غارات الطيران الفرنسى على الكتيبة المصرية.

هذا ولقد كان قرار عبد الناصر حكيمًا فى مسألة انسحاب القوات من سيناء وذلك حتى لا تنحصر القوات المصرية بين القوات الإسرائيلية الزاحفة من غزة إلى سيناء، وبين القوات الإنجليزية والفرنسية على طول قناة السويس، وبذلك أفشل عبد الناصر مخطط العدوان فى عزل القوات المصرية عن طريق أى إنزال بريطانى فرنسى فى بورسعيد أو الإسماعيلية أو السويس، ولقد خرجت القوات المسلحة المصرية على أثر صدور القرار بالانسحاب وعادت إلى مواقعها على طول جبهة القناة عدا (ثمانية كتائب) ظلت تقاتل وتؤمن عملية الانسحاب بعرقلة الجيش الصهيونى إلى أطول مدة زمنية وكانت هذه الكتائب: اثنتان فى منطقة أبى عجيلة، واثنتان فى رفح، واثنتان فى العريش، وكتيبة فى ممر متلا، وكتيبة فى شرم الشيخ، ولقد ظلت هذه الكتائب تقاتل بقوة، ولقد جاء قرار عبد الناصر بصد الهجوم الإسرائيلى فى وسط سيناء فى منطقة (بير روض سالم) بمثابة المفاجأة المذهلة للصهاينة، وتحركت الفرقة الرابعة المدرعة للتصدى للزحف الإسرائيلى يعضدها سلاح الطيران وقد تجلت القدرات العسكرية للطيارين المصريين وقاموا بإيقاع خسائر جسيمة باللواء المدرع الإسرائيلى رقم (202) ، كما قامت معركة حامية الوطيس فى منطقة سدر الحيطان وفى ممر متلا، وأوقعت القوات المسلحة خسائر جسيمة بقوات المظلات الإسرائيلية.

وقد اعترف (موشى ديان) فى مذكراته- بعد ذلك- بهذه الخسائر.

كما كانت الكتائب المصرية فى أبى عجيلة ورفح والعريش تدير معارك رائعة، واستطاع موقع أبى عجيلة وحده أن يوقف تقدم القوات الإسرائيلية بقيادة اللواء السابع المدرع الإسرائيلى كما قام بتكبيده خسائر فادحة، واضطر (ديان) إلى أن يذهب بنفسه إلى مقر قيادة اللواء المدرع السابع، ثم قام بعزل قائده وعين قائدًا جديدًا ليتعجل قيامه بمهمته فى اقتحام أبى عجيلة، وتوالى تقدم المدرعات المصرية إلى سيناء، إلا أن الطيران البريطانى قام بضرب المطارات حول القاهرة، وفى هذه الأثناء أصدر عبد الناصر قراره بسحب القوات فورًا من سيناء إلى منطقة غرب القناة، هذا ولقد كانت الخطة تقتضى بقاء الكتائب الأخرى لمدة 48 ساعة لتأمين الانسحاب الفورى، وبعد سحب القوات تم تعطيل الملاحة فى القناة والاستعداد لحرب ممتدة ضد الاحتلال إذا اقتضت الضرورة ذلك، وبناء على ما حدث. قام جمال عبد الناصر بتغيير مقر إقامته من القاهرة إلى منطقة فى وسط الدلتا قرب طنطا بعد أن عبأ المصريين للاستعداد لحرب شعبية إذا توقفت الحرب النظامية.

هذا ولقد نجحت الكتائب الثمانية فى عرقلة تقدم القوات الإسرائيلية، كما نجحت فى عملية الانسحاب التكتيكى بعد قتال بطولى، ولم تستطع القوات الإسرائيلية أن تتقدم على محاور سيناء الأربعة إلا بعد أن توقف مقاومة هذه الكتائب، وكان من غير الممكن أن تنسحب القوات بطريقة منظمة، فصدرت الأوامر إلى كل فرد بأن ينسحب على مسئوليته بأقل خسائر ممكنة، وهكذا نجح الجميع فى الانسحاب الفردى، عدا كتيبة أبى عجيلة والتى كان يقودها البكباشى (سعد الدين متولى) والذى ظل يحارب بشراسة حتى تم انسحاب جميع قوات القوة إلى منطقة القناة.

لقد سجل شعبنا المصرى فى سيناء أروع صور البطولة والمقاومة والفداء، وكان للشيخ (عيد أبو جرير)- أحد مشايخ سيناء ومؤسس الطريقة الصوفية الجريرية- الدور البطولى الرائع فى هذه الحرب، كما كان لبدو سيناء الدور البطولى الرائع فى إرشاد قواتنا المسلحة للمسالك الممهدة عبر جبال وصحارى سيناء، ولقد أوقع الجنود وبدو سيناء الرعب فى قلوب المستعمرين الصهاينة وأذاقوهم كل ألوان الويل وغدت المقاومة: نبراسا يضىء للأجيال مسيرة مستقبلهم الآتى، هذا ولولا عدم الاهتمام بتسليح شعب سيناء وعدم الالتفات إليهم من جانب الحكومة المصرية- آنذاك- لكان الوضع مختلفا، ومع كل ذلك فقد قدم شعب سيناء تضحيات كثيرة من جانب المدنيين حتى الأطفال والمرأة شاركوا فى مساعدة الجيوش، ولقد عرفت القيادة المصرية بذلك فيما بعد فظهرت البطولات جلية فى حرب 1967م و1973م، وكل هذه البطولات مسجلة فى ملفات المخابرات المصرية وفى ملفات منظمة سيناء العربية، ولا أعرف سبباً فى عدم نشر هذه الملفات إلى الآن رغم مرور حوالي 50 عامًا على تلك البطولات الرائعة والتى تثبت شجاعة أبناء سيناء وقوة انتمائهم، وعظم وطنيتهم وبسالتهم فى مساعدة رجال القوات المسلحة والحكومة المصرية فى الحرب والسلم على السواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى