الدروس الخصوصية إعتراف صريح بفشل المنظومة التعليمية
..آخر زمن ..
بقلم حسنى فاروق ..
الدروس الخصوصية إعتراف صريح بفشل المنظومة التعليمية ..
حالة من الترقب ، وربما الرعب تنتاب جسد الأسرة المصرية ، وتربك كل حسابات العقل ، وتدمر كل خلايا الإتزان لأى جهاز عصبى مهما بلغت قدرته على التحمل والمواجهة ، وكأن المشهد الدرامى للحياة ينذر بقدوم وحش غبى يلتهم الأخضر واليابس ، ويطلق ألسنته فى كل جانب ، ورغم ذلك فلا أحد كان من كان تأخذه الجرأة ليردع هذا الخطر القادم ، لكنه يرضخ له دون مقاومة .
إنذار ببدء هذه الظاهرة .
لعل أهم وأخطر عوامل ظهور تلك الظاهرة فى مصر ، هو غياب الرقابة ، وأقصد الرقابة الفعالة ، وليست الروتينية ، فليس من الطبيعى أن نترك مشروعا ما يدار من تلقاء نفسه ، أو من قبل كوادر تجهل تماما ، أو ربما تتجاهل قواعد الإدارة والتنظيم ، فلا شك ستكون النتيجة مضحكة بكل المقاييس والحسابات .
وتنسلخ عن هذا العامل عوامل أخرى لا تقل خطورة ، بل إنها حلقات يشد بعضها بعضا ، هذه العوامل تتمثل فى 1 ــ المعلم ، الذى صار تعيينه صورة روتينية كذبة وفارغة ، لا معنى لها ، واجهة لإكتمال بناء المشهد الحياتى ، متناسين أهم دور يمكن أن يقوم به المعلم ، فلا أحد ينكر أن المعلم هو محور مهم من محاور التعليم ، ولن تستقيم المنظومة التعليمية بدونه بأى حال كان ، وعلى ذلك ومن الضرورى إحتواء هذا الكيان المقدس بكل سبل الرعاية ، المادية والتدريبية والنفسية والترفيهية ، مما يساهم ذلك فى إخراج قيمة كبيرة واعية بفنون التدريس الذى يحتاج إلى إستعداد خاص وعوامل أكثر خصوصية ، فى تلك اللحظة التى يشعر فيه المعلم بالاستقرار والإتزان المناسبين يصير كالشجرة المثمرة التى تؤتى أكلها كل حين .
وعند سؤال أحد الطلبة عن أسباب لجوءه إلى الدرس الخصوصى ، فإنه لن يجد مشقة فى الرد أو فى الإدلاء بالحجج الدامغة ، وأول ما يعرضه الطالب من أسباب هو : إعراض بعض المعلمين عن الدرس داخل الفصل ، كمن يعلنون بطريقة غير مباشرة عن وجود طرق أخرى أكثر فائدة للتعليم ، وهى الدروس الخصوصية ، هكذا يعلنها المعلم دون تورع منه أو إتقاء وازع دينى أو أخلاقى ، هكذا يبدو الأمر فى غاية السهولة .
والمعلم نفسه لا تنقصه الدربة أو الخبرة فى الإقاع بالطالب ، فهو عندما يتعرض للدرس داخل الفصل ، يتناول عن قصد جزئيات ، تاركا جزئيات أخرى أكثر تأثيرا ؛ يعجز الطالب أمامها عن الإلمام بخيوط الدرس ، مما يضطره إلى اللحاق بقافلة الطلاب الذين حجزوا أماكن للدروس الخصوصية .
ولا أحد ينكر أن هناك نوعية من الطلاب ، يتجهون إلى الدروس الخصوصية ، ليس لتدنى مهارات المعلم ، ولكن لأن الدروس الخصوصية صارت معلما من معالم المشهد التعليمى ، سلوكا روتينيا لا يخضع لأية معايير .
وأحد الطلاب يعلن صراحة أن أولياء الأمور هم السبب فى اللجوء إلى الدرس الخصوصى ؛ لأنهم على قناعة تامة بأن الحصول على الدرجات القصوى ، هى عن طريق تلك الدروس ، رغم عدم إحتياجه لها .
على الجانب الآخر ، نرى أولياء الأمور فى صراع دائم مع إقتراب موعد الدراسة ، فهم يقلبون الوضع على كل جانب ؛ حتى يتسنى لهم توفير تلك التكلفة الباهظة التى تحتاجها الدروس الخصوصية ، مما يجعلهم يصبون وبرضا تام ما يجمعون من أموال فى حجور المعلمين ؛ وسبب ذلك قناعة أولياء الأمور التامة بتردى الوضع التعليمى بكافة محاوره . والطريف أن هذا المشهد قد تتغير أدوار شخصياته فى كثير من الظروف ، فالمعلم الذى يجمع ما ادخره أولياء الأمور ، نفقة لدروسهم الخصوصية ، نجده يقوم هو بنفس الدور مع معلم آخر ، فيعطىيه أجر ما قام به من تعليم أبنائه ، فيبدو الأمر كمعادلة لا بد أن يتساوى طرفاها ،
فعلى من تقع اللائمة ؟!.
دفاع مشروع .
ما يدفع المعلم لإعطاء الدروس الخصوصية ليس أقل خطورة ، فهو يحتاج إلى بناء حياته وتأمين حياة أبنائه ؛ فالإعتماد على الراتب وحده لا يصل به إلى بر النجاة ، ولا سبيل أمامه سوى إنعاش مستواه الإقتصادى ، ورفع دخل أسرته بما يتناسب وتقلبات الحياة .
وأكد بعض المدرسين انهم براء من هذه التهم ، ومما يشاع عنهم ، فهم يقعون تحت إصرار بعض الطلاب الذين لا يألون جهدا فى الحصول على الدرس الخصوصى ، وأمام إصرار الطلاب يضطر المعلمون إلى تلبية رغباتهم ، ورضوخا لرغبات أولياء أمور قد يمتون بصلة قرابة أو علاقة عمل مع هؤلاء المعلمين ؛ مما يجدون حرجا فى رفض طلبهم ، رغم إنشغالهم ، ورغم عدم قناعتهم بتلك الطريقة فى التعليم ، والتى تركز على التعليم بمفهومه الضيق ، وتهمل محور الإبداع بألية بعيدة عن الفهم والبحث والتقصى والاستنباط ؛ ليدحضوا ذلك الإعتقاد السائد بأن السبب الرئيس فى انهيار المنظومة هو تقصير المعلم .
على من تقع المسئولية ؟.
صرح أحد مسئولى التعليم بأن الطالب نفسه له نصيب لا يستهان به من الإنهيار ؛ ذلك لأنه يتجاهل تماما دور المعلم داخل الفصل ، وأنه كثيرا ما يفتعل أشياء وتقليعات جديدة وغريبة تحول بين إتمام الدرس داخل الفصل كإنصرافه إلى إشباع غريزة ما عنده ، كالتدخين ، أو تناول حبوب مخدرة أو ما أشبه ، مما يعطل بدوره سيره فى التعليم بصورة طبيعية ، وعلى ذلك تلح الحاجة إلى دور مسئولى التربية والبحث الأكاديمى فى التعامل مع هذه الفئة من الطلاب .
ضياع مبدأ تكافؤ الفرص .
يؤكد بعض خبراء التربية أن هذه الظاهرة الغريبة دمرت دون رحمة مبدأ تكافؤ الفرص ، فقد نجد أن هناك طلابا محدودى الدخل يحصلون على درجات منخفضة ؛ لعدم قدرتهم على اللحاق بقافلة الدروس الخصوصية ، مما يسبب ارتباكا فى توازنهم النفسى والعقلى والسلوكى ، مما قد يضطره فى بعض الأحيان إلى الجنوح والخروج عن الإطار المجتمعى اللائق .
إعادة نظر .
وفيما يخص مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة ، فإن أول ما يمكن أن يحد منها هو :
1 ــ إعادة النظر فى إعداد المناهج الدراسية فى جعلها أكثر تشويقا للطالب وأكثر تفاعلا معه .
2 ــ إجراء اختبارات حقيقية مستمرة للطلاب أثناء الدراسة ؛ للوقوف على نقاط الضعف ومعال