الفاتيكان يغلق أبوابه أمام الزوار ترقبا لانتخاب بابا جديد بعد وفاة البابا فرنسيس

في خطوة تعكس الطقوس الصارمة والتقاليد العريقة للكنيسة الكاثوليكية، أُغلِقت متاحف الفاتيكان، بما فيها كنيسة سيستين الشهيرة، أمام الزوار مع بدء التحضيرات لاجتماع المجمع المغلق للكرادلة، الذي سينتخب البابا الجديد خلفًا للبابا فرنسيس. وتأتي هذه الإجراءات في وقت تعيش فيه مدينة الفاتيكان لحظة فارقة بعد وفاة البابا فرنسيس، الشخصية المؤثرة التي طبعت حياة الكنيسة والعالم خلال أكثر من عقد من الزمن.
ورغم أن الفاتيكان لم يُحدد بعد موعد إعادة فتح المعالم السياحية، فإن حالة الترقب تسود بين الزوار والمراقبين، خصوصًا وأنه لا يوجد جدول زمني محدد لانعقاد مجمع الكرادلة، وهو الحدث الذي يتم في ظل سرية تامة داخل جدران كنيسة سيستين، حيث تُحسم مصائر الكنيسة الكاثوليكية في لحظة تاريخية تتكرر مرة كل عدة سنوات. وتُفرض فترة حداد تمتد لتسعة أيام بعد دفن البابا، وهو ما تم بالفعل يوم السبت الماضي، قبل أن يُعقد المجمع، الذي قد يستغرق أيامًا أو حتى أسابيع، بحسب تعقيدات العملية الانتخابية.
متاحف الفاتيكان، التي تمثل قلب الإرث الفني والديني العالمي، تُعد من أكثر المعالم الثقافية استقطابًا في العالم، إذ استقبلت نحو 6.8 مليون زائر في عام 2024 وحده، بحسب إحصاءات رسمية. وتحتضن هذه المتاحف كنوزًا لا تُقدّر بثمن من لوحات ومنحوتات من عصور النهضة والباروك، وأعمالًا فنية لأساطين الفن الحديث والمعاصر أمثال سلفادور دالي وبابلو بيكاسو وبول غوغان. وتُشكل غرف رافائيل، التي تزيّنها الجداريات الشهيرة للفنان الإيطالي، إحدى أبرز الوجهات التي تُجسّد عمق التاريخ الكنسي والفني معًا.
ويأتي هذا الإغلاق المؤقت في لحظة تأمل عالمي في إرث البابا فرنسيس، الذي لم يكن مجرد رأس للكنيسة الكاثوليكية، بل رمزًا أخلاقيًا وإنسانيًا واسع التأثير. تميز البابا الراحل بموقفه المبدئي من قضايا الحرب والعدالة الاجتماعية، وميله إلى التواضع والتقشف، كما فتح أبواب الفاتيكان على أسئلة معاصرة لطالما اعتُبرت من المحرمات في التاريخ الكنسي. ففي 2024، خطف البابا الأضواء بزيارته الفريدة إلى بينالي البندقية، حين حط بطائرة هليكوبتر في سجن نسائي بجزيرة جوديكا لحضور معرض فني شاركت فيه نزيلات السجن، في خطوة رمزية حملت دلالات روحية واجتماعية عميقة.
كما شهدت فترة بابويته تحوّلًا مهمًا في النظرة إلى التراث الثقافي العالمي، إذ بادر بإعادة ثلاث قطع من منحوتات البارثينون إلى اليونان، بعد أن ظلت في متاحف الفاتيكان لقرابة قرنين. ووصف البابا فرنسيس هذه الخطوة بأنها “بادرة صائبة” ينبغي على المؤسسات أن تقوم بها متى أمكن، ما فتح الباب أمام نقاش عالمي واسع حول التراث المسلوب خلال العصور الاستعمارية.