الحكاية الشعبية الخرافية…حكايات الغول والزير سالم وأثرها على الوجدان الشعبي المصري والعربي
الحكاية الشعبية الخرافية…حكايات الغول والزير سالم وأثرها على الوجدان الشعبي المصري والعربي
حاتم عبدالهادي السيد
الحكايات الخرافية في سيناء وفيرة حقًّا، وإن أكثرها شيوعًا في بادية سيناء هي خرافات الغيلان(6)؛ فتغدو إضافة الرواة لإحداها أمرًا منطقيًّا متوقعًا، وقد أضافوا بالفعل إلى جسد السيرة حكاية (الزير) في وادي الغيلان بحثًا عن ماء الحياة [ص50]، وهي حكاية تبدو مستقلة، لكنها تسرّبت، كأنها سائل الحياة، في عروق السيرة التي تشرّبتها، واكتملت بها، في مشهد نريد إيضاحه.
إن السير الشعبية – عامة – تمثّل حكايات كبرى، كما يقول أ/ مسعد بدر؛ والكلام له خنا – وهذه بدورها تأتلف من حكايات صغرى، أو من وحدات حكائية “مترابطة بشكل متتابع، تكوّن بمجموعها متون تلك السير”(7). وتُعرّف الوحدة الحكائية بأنها “سلسلة الأفعال المتعاقبة التي يقوم بها بطل السيرة لإشباع حاجة ما، مادية كانت أو معنوية، وتستدعي رحيلًا عن المكان الذي يقيم فيه، والدخول إلى مكان خصومه، والدخول معهم في مواجهة، وعودته ظافرًا إلى مكانه، وقد أشبع الحاجة التي دفعته للرحيل”(8). وكل هذه السمات البنائية تنطبق تمامًا على حكاية (الزير) في وادي الغيلان؛ لتمثّل تراكمًا خرافيًّا ووحدة حكائية في الآن نفسه.
كما يُلحّ الدارسون – كما يقول أ/ مسعد بدر على أن “السيرة الشعبية ليست تراكمًا حكائيًّا لا تجمعه سوى قصة إطار… فالتراكم الحكائي في السيرة مؤسس ومنتظم، وكل وحدة حكائية مهما صغرت نجدها لبنة أساسية في بناء النص، ولها ارتباطات بسابقاتها وبلواحقها. والقفز على أي منها لا يمكنه إلا أن يُحدث ثغرة أو فجوة في بنية النص”(9)؛ وتطبيقًا لهذا الاقتباس، نلاحظ أن ذهاب (الزير) إلى وادي الغيلان ارتبط بأحداث سابقة هي ما رأته (الجليلة) في المنام بشأن (الزير) ومحاولاتها المتعددة للخلاص منه [ص46]، كما ارتبط حصوله على ماء الحياة بأحداث لاحقة، حين يُعالج بهذا الماء بعد سنين ليُكمل مسيرة بطولته [ص66]. وهذه الترابطات تدلّك على أن “حصول هذا التراكم لا يعني التوظيف المجاني بهدف الإطناب أو التطويل لإثارة القارئ”(10)، بل يعني أنه وحدة بناء أساسية وأصيلة.
وقد تتخطّى مصادر التراكم، في سيرتنا هذه، بيئة سيناء إلى البيئات المجاورة جغرافيًّا أو تلك التي لها معها علائق تاريخية قديمة. وهذا وضع مألوف في السيَر الشعبية العربية بصفة عامة، حيث “استوعبت السيرة الشعبية المرويات الدينية، والموروث الديني الأسطوري للشعوب المختلفة. ومثّل الدين الشعبي لليهود والمسيحيين والمسلمين جانبًا كبيرًا من هذه السيَر”(11).
خُذ مثالًا ما أضافته سيرتنا هذه، وانفردت به دون السيرتين الأولى والثانية، من مكر (الجليلة)؛ فبعد أن نكّل (الزير) بقومها أرادت أن تحتال عليه وأن تقيّد قدميه فينتقم منه أهلها ويقتلوه؛ فكان يقطع القيد المتين كل مرة حتى احتالت عليه مجددًا مرة ثالثة وفتَـلَتْ له قيدًا من شَعره هو؛ فعجز عن قطعه ونال منه الأعداء مرادهم [ص64].
ولنا أن نتساءل: ما مصدر هذه الوحدة الحكائية؟ أهي من نسج خيال الرواة؟ أم هي حكاية قديمة تسرّبت إلى حيث هنا؟ ألا يمكن أن تكون هي حكاية (شَمْشُون ودَلِيلة)؟ ومن هما هذان؟ وما حكايتهما؟ وهل تلتقي الحكايتان؟ وكيف؟.