المزيد

معرض مسقط الدولي للكتاب …التنوع الثقافي ثراء للحضارات

 

 

بقلم/أحمد تركي… خبير الشؤون العربية
يُعد معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الجديدة الـ29 عُرساً ثقافياً يتجدد باستمرار لينهل منه المُتعطشين إلى الفكر والثقافة والأدب والفن، ويمثل نافذة عُمان على ثقافات العالم، وسط مناخ عُماني من الحرية المسئولة والفكر المستنير البعيد عن المصادرة.
ومنذ انطلاقته عام 1992م وحتى هذا العام 2025 يسجل المعرض مؤشر تصاعدي على عدة مستويات (عدد الدول المشاركة – عدد دور النشر المشاركة – المساحات – الحضور الجماهيري). إذ جاءت فكرة إقامة معرض دولي للكتاب في السلطنة كمشروع ثقافي وفكري وتوعوي تلبية لمتطلبات الساحة المعرفية الثقافية العُمانية التواقة الى إقامة معرض للكتاب باعتبار معارض الكتب أحدأ الأوعية المعلوماتية لكسب المعارف ولإبراز الإنتاج الفكري.

بات المعرض واحدا من المعارض المهمة على المستويين الخليجي والعربي، إذ يعتبره المثقفون إطلالة حضارية وثقافية عُمانية متجددة على العالم، يعرضون خلاله إبداعاتهم الأدبية والثقافية دون حظر أو تقييد.
تهدف سلطنة عُمان من تطوير مناشط وفعاليات معرض مسقط للكتاب عاماً تلو الآخر إلى بناء وصياغة عقلية الانسان بما يتواكب مع التقنيات الحديثة والتدفق المعلوماتي في عصر أصبح فيه العالم عبارة عن “قرية كونية” من خلال شبكة المعلومات الدولية “الإنترنت” والتي صاحبها التطور غير المسبوق في الإعلام الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي من تويتر وفيس بوك وغيرها من الأدوات العصرية الجديدة.
والواقع أن معرض مسقط الدولي للكتاب، تحول بفضل برنامجه الثقافي المتجدد دوماً، إلى ملتقى محبب للمفكرين والأدباء والكُتاب وصناع المعرفة ومستهلكيها من المواطنين والمقيمين المتعطشين للحصول على جديد العلوم والأدب والفن في العالم، وهو ما جعل المعرض بحق نافذة ثقافية تطل منها عُمان على العالم، ويطل منها العالم كله على عُمان وعلى منجزها الحضاري التاريخي والمعاصر.
يتميز معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ 29، باختيار محافظة شمال الشرقية كضيف شرف للعام 2025، لتكون محطة تُضاف إلى إنجازات إبراز كنوز المحافظة الثقافية والأدبية، وأيضًا المقومات الاقتصادية والسياحية والتراثية؛ فهي نافذة سيطلع من خلالها الزوّار إلى كثير من معالم شمال الشرقية فيما يخص الثقافة والأدب والعلماء وما تركوه من بصمات ثقافية وأدبية واجتماعية، وستكون منصة متعددة للتسويق للمحافظة، من حيث إضافة الذكاء الاصطناعي في التقديم، وركن للأطفال، وحقيبة توزّع للطلبة، بها العديد من المواد التي تعبّر عن الهوية العُمانية والسمت العُماني، تُسهم في تثقيف النشء بهذا الجانب المهم، وستكون هناك 15 ندوة ومحاضرة في مجالات مختلفة كالأدب والعلوم والرياضة والتعليم ومجالات متعددة خلال فترة المعرض.
ولعل هذا الإختيار، هو تقليد عُماني رفيع يسمح بإطلالة واسعة، على بعض مما تتمتع به المحافظة من إسهام حضاري وتاريخي، كبير ومتواصل، ومن نهضة شاملة، تعيشها في كنف مسيرة النهضة العمانية المتجددة، التي يقودها بحكمة واقتدار السلطان هيثم بن طارق.
ويوماً بعد يوم، أثبت معرض مسقط للكتاب بالدليل القاطع أنه معرض دولي بصبغة ونكهة عُمانية خالصة، فهو لا يقل تنظيما وأهمية عن أي معرض عالمي إلى جانب دوره في تعزيز دور السلطنة الثقافي وإثبات ريادتها في احتضان المهرجانات الدولية المختلفة.
وهنا يمكن الإشارة إلى الجوانب الإيجابية التالية:
أولاً: يسجل المعرض مؤشر تصاعدي كل عام، إذ تُشارك في هذه الدورة الجديدة الـ 29 نحو 674 دار نشر، منها 640 بشكل مباشر، و34 عبر التوكيلات، من 35 دولة، ويقدم 681041 عنوانًا لكتب عمانية وعربية وأجنبية، بواقع 52 ألف إصدار حديث، ويقيم المعرض عددًا من الفعاليات الثقافية يبلغ عددها 211 فعالية ثقافية تحمل ثيمة “التنوع الثقافي ثراء للحضارات”، وتغطي مجالات متعددة كالأدب والفكر والمجتمع والفنون، وبرنامجًا مخصصًا للأسرة والطفل يبلغ عدد أنشطته 155 فعالية متوزعة على عدد من الأركان والأنشطة المعنية بالأسرة والطفل، إضافة إلى مجموعة من حفلات توقيع الكُتب التي تُقيمها دور النشر لكتّابها، احتفاء بكل الكتّاب والمثقفين.
ثانياً: أطلقت وزارة الإعلام منصة “عين للطفل”، في خطوة تهدف إلى تعزيز المحتوى الإعلامي المخصص للأطفال في سلطنة عُمان، وتأتي هذه المبادرة ضمن استراتيجية الوزارة لتوفير مصادر معرفية تُسهم في تنمية وعي الطفل، وبناء شخصيته، وتعزيز انتمائه الوطني، من خلال محتوى هادف يُراعي احتياجات هذه الفئة العمرية ويواكب تطلعاتها، وتقدم محتوى للطفل يعبر عن الهوية والثقافة والقيم العُمانية، ويحافظ عليها ويبني النشء لتحقيق التطلعات المستقبلية يسهم في بناء جيل واعٍ ومبدع قادر على التفاعل الأمثل مع التقنيات الحديثة.
تضم منصة “عين للطفل” مجموعة متنوعة من المحتوى الإعلامي، منها برامج إذاعية وتلفزيونية، وأعمال حصرية من إنتاج منصة عين، ومجموعة من الرسوم المتحركة والكتب الصوتية المخصصة للناشئة إضافة إلى محتوى يزيد عن 65 ألف مادة مرئية ومسموعة، منها أكثر من 8 آلاف مادة سمعية ومرئية للطفل، تصل المنصة لكل دول العالم ولديها جمهور في أكثر من 170 دولة.
وزير الإعلام العمانى: واجهة الطفل في منصة “عين ” بيئة معرفية شاملة
وأكّد الدكتور عبد الله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام العُمانى، أن إطلاق منصة “عَيْن” يأتي تجسيدًا للرؤية الحكيمة للسلطان هيثم بن طارق سلطان عمان وحرصه على رعاية الطفل العُماني وتنمية قدراته، من خلال التوظيف الإيجابي للتقنيات الحديثة لصياغة وعي الأجيال، وتعد خطوة استراتيجية نحو تطوير محتوى إعلامي هادف للأطفال، الذين يمثِّلون الشريحة الأهم في بناء المستقبل.
وأوضح أن هذه الواجهة ليست مجرد جانب ترفيهي، بل بيئة معرفية شاملة، تلبِّي احتياجات الطفل العُماني النفسية والتعليمية والقيمية، وتواكب في الوقت نفسه التطورات الرقمية العالمية.
وأكد الحراصي إيمانه بأن بناء الإنسان يبدأ من الطفولة، ومن هذا المنطلق تأتي واجهة الطفل لتكون فضاءً آمنًا وممتعًا، يعزز صلة النشء بهويته وقيم مجتمعه، ويثري خياله ومعرفته بأساليب معاصرة بما يتلاءم مع احتياجاته ويواكب التحولات التقنية والمعرفية المتسارعة.
ووفقاً لخبراء التربية، فإن منصة (عين للطفل) توفِّر المحتوى الثقافي الآمن، الذي يعبِّر عن الطفل العماني وتطلعاته وإمكانات دخوله إلى عوالم من المعرفة والتعلُّم والإمتاع. إنها منصة تقوم على مفاهيم التربية الحديثة المعتمدة على بناء المواطن الإيجابي المرتبط بمجتمعه وحضارته الضاربة في القِدم والمتطلِّع إلى العالمية بانفتاحها وآفاقها الواسعة اعتمادًا على الإبداع والابتكار والتفكير الناقد، ولهذا فإن المنصة لا تقوم على التعليم المباشر بقدر ما ترتكز على فكرة الإمتاع النافع.
ثالثاً: الدور الرائد الذي يقوم به الإعلام العُماني في المحافل الثقافية المحلية أو الإقليمية أو الدولية، وفي الترويج لسلطنة عُمان وتراثها الثقافي والحضاري وتجربتها التنموية وخطتها المستقبلية 2040، إذ تشارك وزارة الإعلام في فعاليات معرض مسقط للكتاب عبر أربعة أجنحة، تمثّل مختلف قطاعاتها، وهي: وكالة الأنباء العُمانية، والمديرية العامة للإعلام الإلكتروني التي تضم منصة “عين” والبوابة الإعلامية، والمديرية العامة للمطبوعات والمصنفات الفنية، إلى جانب المديرية العامة للإعلام الخارجي ممثلة في المركز الإعلامي الذي يستضيف 74 إعلاميًا من 50 مؤسسة إعلامية دولية.
رابعاً: لعل استضافة الدورة الـ29 من معرض مسقط الدولي للكتاب “الأيام الثقافية السعودية”، بحضور نخبة من الأدباء والمفكرين، إلى جانب جلسات حوارية حول الذكاء الاصطناعي وواقع النشر، وأمسيات شعرية وموسيقية ، تؤكد الاهتمام الذي توليه قيادة البلدين من اهتمام بالثقافة في السعودية وفي سلطنة عُمان، التي تنعكس في الجانب الدولي ويطّلع عليها الجميع، ومما يكسبها أهمية أنها إحدى مبادرات مجلس التنسيق السعودي العُماني فيما يتعلق بتعزيز التعاون الثقافي بين البلدين، والذي يكون معرض الكتاب الدولي، سواء في الرياض أو مسقط، أحد مظاهره وجوانبه.
خامساً: نجاح سلطنة عُمان في التوظيف الأمثل لقوتها الناعمة “الأداة الإعلامية والثقافية” كأحد أهم الأدوات، ليس فقط الدبلوماسية، وإنما تمتد لتشمل الأدوات الاقتصادية من خلال الدبلوماسية الاقتصادية التي وجهت بها القيادة السياسية، فمعرض مسقط الدولي للكتاب باعتباره أحد أهم معارض الكتب في العالم العربي وباعتباره الحالة الثقافية التي تعكس حقيقة وعمق المجتمع العماني، يقدم مؤشرا سنويا لوعي المجتمع ومسارات الحرية الثقافية.
المؤكد أن معرض مسقط الدولي للكتاب، سيظل دوماً منارة عُمان الثقافية المتجددة، التي تُثري العالم العربي، بإبداعاته المعرفية وإنتاجه الفكري المتدفق الذي يؤكد دوماً أن التنوع الثقافي ثراء للحضارات والتواصل مع الآخر.
ـــــــــــــكلام الصورة/ وزير الإعلام العُماني يفتتح معرض مسقط للكتاب 2025

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى