في 11 ديسمبر، تحل الذكرى الـ113 لميلاد الأديب العالمي نجيب محفوظ، الذي اعتبر أن البساطة تكمن في جوهر الحياة. لم يكن محفوظ مولعًا بالاحتفالات أو مظاهر التكريم، بل وجد شغفه الحقيقي في القراءة والكتابة، وفي لقاء أصدقائه على المقاهي التي شكلت ملامح حياته وأعماله الأدبية.
في كتاب “صفحات من مذكرات نجيب محفوظ”. يروي محفوظ للكاتب رجاء النقاش عن علاقته بالمقاهي قائلاً: “كانت المقاهي بالنسبة لي مصدرًا غنيًا بالأفكار والشخصيات، ومخزونًا بشريًا لا حدود له.”
البداية في العباسية
يتذكر محفوظ بداياته مع مقهى قشتمر، الذي كان ملتقى شبابه في العباسية. يقول: “كنت أجتمع مع شلتي هناك، وكنا نشارك في أحاديث عن كرة القدم والحياة اليومية. لم يكن الأدب جزءًا من حياتنا حينها. لكن المقهى كان يحمل عبق الحي وروح الجيران.” ومع مرور الزمن، تحول محفوظ وأصدقاؤه إلى رواد قهوة عرابي، بعد أن تركها الجيل الأكبر.
في أربعينيات القرن الماضي، انطلقت ندوة كازينو الأوبرا كجلسة عفوية. لتصبح مع الوقت ملتقى أدبيًا يناقش فيه المثقفون والأدباء أبرز الكتب والأعمال الفنية. لكن الأجواء تغيرت بعد مرور موكب الرئيس جمال عبد الناصر، حيث فرضت الشرطة ضرورة الحصول على تصريح لكل لقاء. ويضيف محفوظ بسخرية: “كان المخبر الذي يحضر الجلسات لا يفهم شيئًا من مناقشاتنا حول كافكا وسارتر. حتى أنه طلب مني تلخيص النقاشات لتقديمها في تقريره!”
مقهى ريش
بسبب المضايقات الأمنية. انتقلت الندوة إلى مقهى ريش. الذي جمع بين عبق وسط البلد وروح المثقفين. ومع ازدياد أعداد الحضور، انتقلت الندوة إلى كازينو قصر النيل. حيث استقرت لفترة طويلة بعيدًا عن الأعين المتطفلة.
يحكي محفوظ عن مقهى أحمد عبد الله في خان الخليلي. الذي كان موقعه تحت الأرض: “كان التصميم مدهشًا؛ نوافذه تطل على أقدام المارة، وفي وسطه فسقية تضفي طابعًا فريدًا. كان يقدم أفضل شاي في مصر، وذكرته في الثلاثية بسبب إعجابي به.”
لم تكن المقاهي مجرد مكان عابر في حياة نجيب محفوظ. بل كانت محطات للقاء الفكر، ونوافذ لرصد المجتمع بكل تناقضاته وتفاصيله. من قشتمر إلى ريش، بقيت هذه الأماكن شاهدة على حياة الأديب الكبير. وألهمته لرسم شخصياته وأحداثه التي خلدت في ذاكرة الأدب العالمي.