المزيد

الأحدب قصيدة من مشهد واحد للشاعر :محمود حسن عبد التواب 

الأحدب قصيدة من مشهد واحد للشاعر :محمود حسن عبد التواب

 

مدخل

” صوتُ خطواتٍ قادمةٍ من بعيد ”

 

” يفتح الستار على دَرَجٍ مرتفع ، عليه شبكة صياد بريّ ، وصور لنساءٍ يعرضن جمالهن ، تتوسط الدَّرجَ سيدةٌ ظهرها للجمهور في ملابس شبه عارية ، وإضاءة خافتة ”

_ يظهر شيخ معمم ورجل أحدب _

 

الشيخ : ” يلملم جُبّته ، ويضرب كفا بكف ”

سبحان الله

هذا اليوم غريبٌ جدّا

في كلِّ مكانٍ أبصرُ ما يُذهبُ عقلي

 

الأحدب : ” مترنحًا ”

يبدو أن اليومَ غريبٌ فعلَا

قل لي

ما أبصرتَ فضيلتُكم ؟

 

الشيخ : حينَ ذهبتُ أنادي لصلاةِ الفجر

هاءتْ لي زاويةُ الحارةِ شيئا من بللورٍ فاضحْ

وقفت فيه امرأةٌ عاريةً إلا من ورقِ التّوت

 

الأحدب : ” يقفز ”

وأنا أيضا شاهدتُ …

أهذا من سخْطِ الله علينا يا شيخْ ؟

ويحي !

انظر خلفكَ يا مولانا

 

الشيخ : ماذا سا أحدبْ ؟

” يستدير نحو الدرج لتبدو المرأة ”

حىْ .. حىْ

أقسمُ أنَّ نهاركَ أسودْ يا أحدبْ

أنهايةُ هذا العالمِ قد حلَّتْ

 

الأحدب : ” ساخرا ”

حلَّتْ وانْحَلَّتْ

أتخيَّلُ هذا يا مولانا

 

الشيخ : لكنْ

هل يكفي أن تظهَرَ هذي المرأةُ عاريةً

حتّى نتخيّلَ أن الساعةَ قد حانتْ ؟!

 

الأحدب : لا يكفي يا مولانا طبعا

” يكلم نفسه بصوت لا يسمعه الشيخ ”

هذا الشيءُ يسيل لُعابي

جسدٌ فاتنْ

كبنات الحور

” مختالا ”

وأنا جذَّابٌ جدا

وامرأتي غير جميلة

أقصدُ حين سَتَقْبَلُني امرأةٌ زوجًا

قطعا ستكون تماما مثل الدَّرفيلِ قبيحة

تَتَكوَّمُ جنبي كل مساءٍ

” ساخرا ”

لا يمكنُ أن تقبلَ بي إلا هذهْ

 

” المرأة تشير للشيخ ”

الشيخ : حاشا للهِ وأستغفِرُهُ

أن تَفْتِنني امرأةٌ مثلك

” ينصرف الشيخ غاضبا ”

” المرأة تشير بإصبعها للأحدب ”

 

الأحدب : ” يكلم نفسه ”

العمرُ يمضي في رتابتهِ كئيبا ظالما

وتظلُّ عمركَ دُميةً أضحوكةً

يَتندَّر الأطفالُ والسُّفهاء إن نظروا إليك ..

ووحدهم بُسطاءُ قريتكَ الفقيرةِ يعطِفونْ

 

” يتنقل عاقدا يديه خلف ظهره المحني ”

أنوارُ يا اللهُ .. أجملُ طفلةٍ في المدرسةْ

كانت ضفائرُها تطيرُ كَذَيلِ مُهرة

وتَشِبُّ مثل حصانِ عمدتنا جمالا

أي ْ ” يتحسسُ قفاه ”

مُوجَعٌ هذا القَفا

” يتحسَّسُ معصَميه ”

ما كانَ يجدرُ أن يُقَيِّدني خفير العمدةِ الحيوانُ

في شجرِ الحديقةِ كالمواشي

خفراءه يمشون فوق عظاميَ المُتَكَسِّرة

وعِصِيُّهم تنهالُ فوق دماغيَ _ السَّكرانِ كيْ أنسى ابتلائي _

هوَ كوزُ ذُرةْ

شرموخُ تمرٍ فاسدٍ

هم يسفكون بها دماءً ما لها دِيةٌ لديهم

ولا قاضٍ ليقضي

من شدَّةِ الضَّربِ المُبَرِّحِ كدتُ أقضي

 

” يبكي .. يضحك .. في هستيريا ”

الأحدب : أمي يرحمُها الله برحمتِهِ

كانتْ تُخْبيءُ لي كِسْراتٍ من خبزٍ ناشفْ

بَقِيتْ بعدَ طعامِ الضُّرةِ والأبناءْ

وأبي ” يضحك بشدة ” وأبي

لم يدخلُ مخدعَ أمِّي لمَّا ولدتني إلّا مرَّةْ

مرَّة ْ .. يا سادةْ

كانَ يُعَيِّرُها بي

كانتْ امِّي تَتَأَلَّمُ كلَّ مساءِ

تشكو للغرفةِ وحدَتَها وَ تَئِنْ

كانتْ تتحدَّثُ حينَ تظُنُّ فتاها الأحدبَ قد نامْ

وأنا أسمَعُها

كانت تشكو هذا البردَ السَّاكنَ في غُرفتها

والأعصابَ النَّاشفةَ المَيْتَةَ في جسدٍ مُهْمَلْ

كنتُ عقابَ أبي للسَّيَّدة الأمْ

 

” ما زال يتنقل عاقدا يديه خلف ظهره المحنيِّ والمرأةٌ تشير له ”

 

الأحدب : السيدةُ العُريانةُ والمومسةُ الأجملُ تدعوني كيْ أتَخلَّصَ من ضعفي

أعرفُ أنَّ العمدةَ كان عشيقَ المرأةْ

الفرصةُ سانحةٌ كيْ أتشاركَ والعمدةُ شيئا من ممتلكاتهْ

حينَ أدوسُ الجسدَ المرمرَ يقبعُ تحت حذائي خفراءُ العمدةِ والعمدةْ

لن أفلتَ حقي في القسمةْ حتي لو كانت باب جهنمْ

” يقفز للدرج ويعتم المسرح ”

 

محمود حسن عبد التواب13 يناير 1991 م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى