ثقافة و فن

القاص اليمني  نجيب التركي يكتب: وفاء 

 

القاص اليمني  نجيب التركي يكتب: وفاء

في فترة ما بعد الظهر، حين تسلّلت أشعة الشمس بخجل عبر زجاج المحل، وقفت على السلم لأصل إلى الرف الثاني، كل شيء بدا طبيعيًّا، حتى حدث فجأة أن اهتزَّ السلم تحت قدميّ، ثم انكسرت إحدى قدميه السفليّة مصدرة صوتًا حادًّا، كأنه طعنة اخترقت سكون المكان، شعرت بأنَّني مُعلق بين الأرض والسماء، تجمد الزمن، وتخبّط قلبي كعصفورٍ في قفصٍ ضيّق.

 

لم يكن مجرد سلّم خشبيّ في المحل، بل كان أشبه برفيقٍ صامت، يتنقل بين البيوت، شاهدًا على تفاصيل صغيرة لا تُحكى.

 

لم يخلُ بيت في الحارة من زيارته، وكأنَّه يحمل قدسيَّة خفيَّة، كأنَّ روح الخير والتواصل نفسها كانت تعبر معه إلى الأبواب المفتوحة.

 

كنت أراه قائمًا في زاويته بثباتٍ مهيب، كأنَّما يعدني بالوفاء الذي لم أشك فيه يومًا.

 

تشبّثت بحافة الرفّ بغريزة النجاة، بينما كان السلم يتهاوى تحت ثقلي ببطء، كأنَّما يعترف بخيانته الأولى، نزلت بحذر، وقلبي يدق بجنون، ثم نظرت إليه وهو مُلقى على الأرض، مكسور القدم، فاقدًا هيبته، تساءلت: هل كان هذا تحذيرًا من القدر، أم رسالة بأن الثقة، حتى في الأشياء البسيطة، قد تكون زائفة؟

 

في تلك الأثناء، صوت داخلي يصدح بكلمات كبيرة: “كأن السلم لم ينكسر لأنَّه ضعيف، بل لأنه كان يحمل عبئًا أثقل من خشبه، عبء ثقة لم يكن مهيّأً لتحملها”

 

خرجت من المحل حاملًا إيَّاه بين يديّ. ثقله لم يكن كما كان من قبل؛ ربَّما لأنَّ قيمته في داخلي قد تبدّدت، توجهت به إلى البيت، وعندما رأته أمّي قالت ببساطة:

“إلى النار وبئس المصير”

 

لم أجبها، وقفت أراقب النار وهي تلتهمه قطعة بعد أخرى، شعرت كأن الرماد يهمس لي بالحقيقة القاسية: الحياة لا تقبل أنصاف الحلول، وكلّ شيء يحمل صدقه فقط إلى أن ينكسر”

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى