أخبارتقارير و تحقيقات

إيلون ماسك يهاجم USAID وترامب يدعم الإغلاق.. ما مصير المساعدات الدولية؟

كتبت: رانيا سمير

في تطور مفاجئ أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية والدبلوماسية، أعلن الملياردير الأمريكي إيلون ماسك عن دعمه لإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وهي المؤسسة المسؤولة عن تنفيذ برامج المساعدات الخارجية الأمريكية في أكثر من 130 دولة. هذا الإعلان، الذي جاء في أعقاب سلسلة من الانتقادات اللاذعة التي وجهها ماسك عبر منصته X، ترافق مع تصريح للرئيس السابق دونالد ترامب أكد فيه موافقته على “إغلاق” الوكالة، مما يضع مستقبل المساعدات الخارجية الأمريكية على المحك.

لماذا تكتسب هذه القضية أهمية كبيرة؟

 

تعتبر الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية واحدة من أبرز المؤسسات الحكومية التي تشرف على توزيع المساعدات الخارجية، إذ أدارت خلال السنة المالية 2023 ميزانية بلغت نحو 43 مليار دولار، وشملت برامجها مجالات الإغاثة من الكوارث والتنمية الاقتصادية والصحة العامة. وتعد هذه المساعدات أداة رئيسية لتنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية، وفقا لتقارير دائرة أبحاث الكونغرس.

تشمل قائمة أكبر الدول المستفيدة من المساعدات الأمريكية أوكرانيا وإثيوبيا والأردن وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث تُستخدم هذه الأموال في مشاريع تتراوح بين الأمن الغذائي وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية ودعم الأنظمة الصحية. ومع تصاعد الانتقادات للوكالة، يتزايد القلق بشأن تأثير إغلاقها المحتمل على هذه الدول، فضلًا عن التداعيات الجيوسياسية التي قد تنجم عن تقليص الدور الأمريكي في المساعدات الخارجية.

هجوم ماسك وتصاعد الأزمة

 

في سلسلة من التغريدات أمام ملايين من متابعيه، وصف ماسك الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بأنها “فاسدة ومبذرة”، مطالبا بإنهاء عملها بالكامل. جاءت تصريحاته بعد تقارير تفيد بأن اثنين من كبار مسؤولي الوكالة تم وضعهما في إجازة إدارية عقب محاولتهما منع ممثلي وزارة كفاءة الحكومة من الوصول إلى الأنظمة الداخلية خلال عملية مراجعة دورية.

وفي تصعيد آخر، اختفى الموقع الإلكتروني الرسمي للوكالة بشكل مفاجئ، مما أثار تكهنات حول ما إذا كان ذلك جزءا من تحركات داخلية تستهدف تقليص عملها. كما نشرت صحيفة واشنطن بوست تقريرا يفيد بأن عشرات المسؤولين في الوكالة تم وضعهم في إجازة إدارية بسبب اتهامات بمحاولتهم الالتفاف على قرار ترامب بتجميد المساعدات الخارجية.

لمحة عن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية

تأسست الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 1961 بموجب أمر تنفيذي من الرئيس جون كينيدي، بهدف تنفيذ قانون المساعدات الخارجية الذي وصفه مركز أبحاث الكونغرس بأنه “حجر الزاوية” في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. استلهمت الوكالة استراتيجيتها من خطة مارشال التي ساعدت في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. وركزت في بداياتها على دعم “المساعدة الفنية ورأس المال”.

على مر العقود، توسع نطاق عمل الوكالة ليشمل مجالات أوسع، مثل دعم الديمقراطية، وتعزيز الأسواق الحرة، وتمويل المشاريع التنموية. إضافة إلى برامج المساعدات الإنسانية التي تشمل التغذية والتعليم والرعاية الصحية.

كيف تدار أموال المساعدات الخارجية؟

تعتبر برامج الصحة العامة القطاع الأكبر في ميزانية الوكالة. حيث لعبت دورا رئيسيا في تمويل الاختبارات والعلاجات الخاصة بفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) ضمن خطة الرئيس الطارئة للإغاثة من الإيدز (PEPFAR)، والتي استفاد منها نحو 79.6 مليون شخص في عام 2019.

خلال جائحة كورونا، تضاعفت ميزانية القطاع الصحي للوكالة لمكافحة تداعيات الفيروس عالميا. غير أن الأزمة الأوكرانية أدت إلى زيادة حصة المساعدات الإنسانية. متجاوزة قطاع الصحة في السنة المالية 2023 بسبب التدفقات المالية الهائلة التي خصصتها واشنطن لدعم كييف في مواجهة روسيا.

الجدل حول مستقبل الوكالة

في ظل الجدل المتصاعد، صرح ترامب للصحفيين بأن الوكالة “تدار من قبل مجموعة من المجانين المتطرفين”، مؤكدا أن إدارته “تعمل على القضاء عليهم”. وتعليقا على وضع مسؤولي الوكالة في إجازة، كتب ماسك على منصة X: “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منظمة إجرامية. حان الوقت لإنهائها”.

بالتزامن مع ذلك، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية أمرا بتجميد جميع المساعدات الخارجية التي يتم تمويلها عبر وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، في خطوة تهدف إلى مراجعة البرامج والتأكد من مدى توافقها مع سياسة “أمريكا أولًا” التي يتبناها ترامب. لكن وسط حالة الإرباك التي سادت المؤسسات المعنية، وقع وزير الخارجية ماركو روبيو استثناء يسمح بمواصلة “البرامج الإنسانية المنقذة للحياة”.

تداعيات القرار على المساعدات الدولية

الجدل حول مستقبل الوكالة لم يقتصر على الداخل الأمريكي، بل امتد إلى الشركاء الدوليين الذين يعتمدون على المساعدات الأمريكية. فقد كشفت وكالة رويترز أن تجميد التمويل دفع بعض المقاولين إلى تعليق شحنات أدوية حيوية لعلاج أمراض مثل الملاريا وفيروس نقص المناعة البشرية في عدة دول.

في باكستان، على سبيل المثال، صدرت أوامر بوقف مشاريع إعادة إعمار مراكز الشرطة التي تضررت جراء الفيضانات الأخيرة، وفقا لما ذكرته إذاعة NPR. هذه التداعيات أثارت قلقا واسعا بين الدول المتلقية للمساعدات، وسط مخاوف من تفاقم الأزمات الإنسانية في العديد من المناطق.

الموقف السياسي والمطالبات بالحفاظ على الوكالة

حتى الآن، لم يصدر البيت الأبيض بيانًا رسميًا بشأن مستقبل الوكالة، لكن ترامب صرّح بأن إدارته “تدرس الأمر”. في المقابل، طالب مشرعون ديمقراطيون في رسالة موجهة إلى القائم بأعمال مدير الوكالة بضرورة الحفاظ على استقلالها، محذرين من أن إغلاقها قد يؤثر سلبًا على دور الولايات المتحدة كقوة عالمية في مجال التنمية والمساعدات الإنسانية.

تتجه الولايات المتحدة نحو واحدة من أكثر القرارات إثارة للجدل في تاريخ مساعداتها الخارجية، مع تصاعد المطالبات بإغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وسط انتقادات حادة من شخصيات بارزة مثل إيلون ماسك ودونالد ترامب. وبينما تتواصل الضغوط السياسية والمراجعات الإدارية، يبقى السؤال المطروح: هل ستشهد السياسة الخارجية الأمريكية تحولًا جذريًا في طريقة إدارة المساعدات الدولية، أم أن الضغط السياسي والدبلوماسي سيحول دون تنفيذ هذا القرار؟.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى