أخبارتقارير و تحقيقات

فورين بوليسي: ما دوافع ترامب الحقيقية لدعم تغيير القيادة في أوكرانيا؟

في ظل التوترات المتصاعدة بين القوى الكبرى، تجد أوكرانيا نفسها اليوم في قلب صراع دولي تتداخل فيه المصالح الإقليمية والعالمية، مما يهدد استقرارها السياسي ومستقبلها الجيوسياسي. فمع استمرار تداعيات الحرب الروسية-الأوكرانية، تتزايد الضغوط على كييف من مختلف الأطراف. حيث أصبحت ورقة مساومة بين القوى الكبرى، وسط محاولات لإعادة تشكيل المشهد السياسي فيها.

تطرقت مجلة “فورين بوليسي” إلى تصريحات الرئيس الأميركي  دونالد ترامب، التي أثارت جدلا واسعا حول ضرورة إجراء انتخابات مبكرة في أوكرانيا، معتبرة أن هذه الدعوة قد تفتح الباب أمام صراع نفوذ بين ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. فكلاهما يسعى لتحقيق مصالحه عبر الدفع نحو تغيير القيادة الأوكرانية، في وقت تحاول فيه كييف الحفاظ على سيادتها وسط هذه الضغوط المتشابكة.

لطالما استخدمت روسيا استراتيجية تغيير الأنظمة الحاكمة كأداة لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، وسجّل التاريخ تدخلاتها في دول عدة بغرض التأثير على توجهاتها السياسية. ومع دخول الحرب في أوكرانيا عامها الرابع، ازدادت معاناة الأوكرانيين بسبب الخسائر البشرية والمادية. وهو ما انعكس على الرأي العام المحلي. فقد أظهرت استطلاعات الرأي أن نحو ثلث المواطنين أصبحوا أكثر انفتاحاً على تقديم تنازلات، بينما يرى 44% أن المفاوضات لإنهاء الحرب تأخرت كثيراً.

في هذا السياق، أبدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي سابقا استعداده للحوار، لكنه رفض مقترحا أميركيا قدم خلال إدارة ترامب. يقضي بمقايضة الدعم العسكري الأميركي والانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) بمنح واشنطن امتيازات اقتصادية تشمل الوصول إلى الموارد الطبيعية والمعادن النادرة في أوكرانيا. إلا أن هذا الطرح قوبل برفض واسع داخل كييف، حيث اعتبر محاولة لاستغلال البلاد اقتصاديا دون تقديم ضمانات أمنية حقيقية.

على الصعيد الدبلوماسي، تعقد المشهد مع إعلان ترامب عزمه إنهاء عزلة روسيا الدولية والسعي لإعادة تطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن. فقد أجرى ترامب اتصالاً هاتفياً مع بوتين. تبعته لقاءات بين مسؤولين أميركيين وروس، لم يدع إليها ممثلو أوكرانيا أو الدول الأوروبية، في خطوة أثارت القلق حول نوايا الإدارة الأميركية المستقبلية تجاه الصراع. ووفقا لمجلة “فورين بوليسي”، بدأت واشنطن بمراجعة المطالب الروسية، حيث رفض وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث فكرة انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وحثّ كييف على التخلي عن هدفها المتمثل في استعادة جميع أراضيها المحتلة.

من جهة أخرى، تسعى موسكو إلى فرض انتخابات مبكرة في أوكرانيا كشرط لتوقيع أي اتفاق سلام، وهي خطوة تهدف إلى إزاحة زيلينسكي من السلطة. ففي 18 فبراير، صرح ترامب أن أوكرانيا تتحمل مسؤولية بدء الحرب، مشددا على أن الانتخابات الجديدة قد تكون مفتاح السلام. ووفقا للمجلة، فإن سيناريو الانتخابات المبكرة قد يدخل أوكرانيا في مواجهة نفوذ مزدوج من روسيا والولايات المتحدة، وهو أسلوب اعتادت موسكو استخدامه لنزع الشرعية عن قادة الدول المنافسة لتحقيق مصالحها الاستراتيجية.

الموقف الروسي من زيلينسكي واضح، إذ سبق أن وصفه بوتين بأنه “غير شرعي” بسبب تأجيل الانتخابات الأوكرانية التي كانت مقررة عام 2024، مستغلاً هذه النقطة للتشكيك في شرعية أي اتفاق قد يبرمه زيلينسكي مستقبلاً. وفي المقابل، لجأت الدعاية الروسية إلى تصوير زيلينسكي، رغم أصوله اليهودية، كزعيم لدولة “يسيطر عليها النازيون”، وهي السردية التي استخدمها بوتين منذ بداية الغزو لتبرير الحرب.

أما ترامب، فلديه أسبابه الخاصة لإضعاف زيلينسكي. حيث تعود العلاقة المتوترة بينهما إلى أول محاكمة لعزل ترامب عام 2019، حين اتُهم بالضغط على كييف للتحقيق مع نجل الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن. وفي 19 فبراير، شن ترامب هجوماً على زيلينسكي، واصفاً إياه بأنه “ديكتاتور بلا انتخابات”. وذلك بعد انتقاد زيلينسكي للموقف الأميركي تجاه بلاده.

ترى “فورين بوليسي” أن أي تغيير في السلطة في كييف قد يعزز موقف موسكو ويقربها من تحقيق هدفها الأساسي، وهو إنهاء استقلال أوكرانيا كدولة ذات سيادة. فروسيا أتقنت استخدام أساليب الحرب الهجينة. بدءا من نشر المعلومات المضللة، وصولاً إلى دعم المرشحين السياسيين الموالين لها، وهو ما قد يسمح لها بإعادة أوكرانيا إلى فلك نفوذها دون الحاجة إلى تدخل عسكري مباشر.

ورغم أن البعض قد يرى أن التوصل إلى تسوية سياسية قد يوفر فرصة لوقف الحرب، إلا أن المجلة تحذر من أن ذلك قد يكون مقدمة لعودة أوكرانيا إلى الهيمنة الروسية. لا سيما إذا لم تتوفر بدائل غربية قوية لدعم كييف. وإذا استمرت الولايات المتحدة في التعامل مع أوكرانيا كمجرد مورد للثروات الطبيعية بدلاً من شريك استراتيجي يستحق الدفاع عنه، فقد تكون العواقب أكثر خطورة على المدى الطويل.

على الصعيد العالمي، فإن سقوط أوكرانيا سيعزز النفوذ الروسي بشكل يتجاوز حدود أوروبا الشرقية، ويفتح المجال أمام تحولات جيوسياسية أوسع تصب في صالح موسكو، وربما الصين أيضاً. لذا، تقترح “فورين بوليسي” أن تتبنى الإدارة الأميركية نهجاً أكثر حذرا، وأن تتجنب الحلول السريعة التي قد تمنح الكرملين انتصارا سياسيا دون الحاجة إلى تحقيق مكاسب عسكرية على الأرض. في النهاية. يظل مصير أوكرانيا مرهونا بقدرتها على الصمود وسط هذا الصراع الدولي المعقد، ومدى استعداد حلفائها لدعمها دون تقديمها كتنازل في لعبة المصالح الكبرى.

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى