أخبارتقارير و تحقيقات

هل تنجح مسقط في كسر الجمود النووي بين طهران وواشنطن؟

مؤشرات أولية إيجابية وظلال التصعيد العسكري تلوح في الأفق

 

في تطور لافت يشير إلى احتمالية إحياء الدبلوماسية النووية بين الولايات المتحدة وإيران، شهدت العاصمة العمانية مسقط نهاية الأسبوع الماضي جولة جديدة من المباحثات بين وفدي البلدين، وصفتها واشنطن وطهران بأنها “بناءة”. وعلى الرغم من هذا التوصيف الإيجابي، لم تخلُ الأجواء من توترات وتصريحات تصعيدية، تعكس حجم الهوة بين الطرفين ومدى تعقيد الملفات العالقة، لاسيما البرنامج النووي الإيراني ودوره الإقليمي.

الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي لا يزال له تأثير واضح على الخطاب السياسي الأمريكي، وصف المحادثات بأنها تسير “على نحو جيد”، لكنه سرعان ما عاد لنهجه التقليدي في التصعيد، مهددًا يوم الاثنين بضرب المنشآت النووية الإيرانية في حال فشل المفاوضات وعدم التوصل إلى اتفاق يُعيد طهران إلى الالتزامات السابقة.

في المقابل، أبدى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي شيئًا من الانفتاح المشروط، معتبرًا أن المحادثات في بدايتها كانت إيجابية، لكنه لم يُخفِ تشاؤمه تجاه نوايا الطرف الأمريكي. خامنئي أكد أن التفاؤل الإيراني لا ينبع من ثقة في المفاوض، بل من “الثقة بالقدرات الذاتية”، ملمّحًا إلى أن النتائج ليست مضمونة، وأن مسار الحوار قد يفضي إلى اتفاق أو قد يُغلق دون نتائج.

ويُنتظر أن تُستأنف الجولة الثانية من المباحثات يوم السبت المقبل، وسط تصاعد الجدل حول شروط العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015. فقد شدد كبير المفاوضين الأمريكيين، ستيف ويتكوف، على ضرورة التزام إيران بنسبة تخصيب لا تتجاوز 3.67%، وهي النسبة المنصوص عليها في الاتفاق الأصلي، في وقت تؤكد فيه تقارير أن طهران وصلت إلى نسبة تخصيب تصل إلى 60%. ويتكوف أشار إلى أن أي اتفاق جديد سيعتمد بدرجة كبيرة على التحقق الصارم من أنشطة التخصيب، وتحديدًا مدى اقتراب البرنامج النووي الإيراني من الأبعاد العسكرية، بما يشمل تطوير الصواريخ.

لكن الموقف الإيراني بدا أكثر تصلبًا في هذا الجانب، حيث رد المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني مؤكدًا أن القدرات الدفاعية والعسكرية للبلاد “خط أحمر لا يقبل المساومة”، فيما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية أن النفوذ الإقليمي والصواريخ الباليستية من أبرز الثوابت التي لا تخضع للنقاش.

ومع ذلك، فإن الواقع الميداني يُظهر تراجعًا نسبيًا في النفوذ الإيراني بالمنطقة، خاصة بعد انسحابها الجزئي من الساحة السورية، وتلقي حلفائها في لبنان وغزة ضربات مؤلمة. كما تتخذ الميليشيات العراقية الموالية لإيران حاليًا موقف الحياد الحذر، في وقت تواصل فيه جماعة الحوثي في اليمن شن هجمات على السفن في البحر الأحمر، رغم الضربات الأمريكية اليومية التي تهدف إلى ردعها.

ويرى مراقبون أن إيران قد تكون بصدد استخدام ورقة الحوثيين كورقة مساومة في المفاوضات مع الولايات المتحدة، في محاولة للحصول على تخفيف للعقوبات أو مكاسب سياسية مقابل وقف دعمها للجماعة اليمنية المسلحة.

أما على صعيد الملف النووي، فتتراوح التوقعات بين رغبة إيرانية في إنجاح المفاوضات لتجاوز العقوبات المفروضة، خصوصًا تلك التي تعيق صادراتها النفطية، وبين احتمال أن تُفشل طهران المباحثات إذا ما وجدت المطالب الأمريكية غير قابلة للتحقيق، وهو ما يضعها في مواجهة مع خيارين أحلاهما مر: تقديم تنازلات حقيقية أو مواجهة عسكرية قد تكون كارثية.

وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبقى الأيام القليلة المقبلة حاسمة، لا سيما مع اقتراب موعد الجولة الثانية من المحادثات، حيث تتجه الأنظار إلى ما إذا كانت مسقط ستنجح مجددًا في لعب دور الوسيط القادر على تجسير الفجوة بين طهران وواشنطن، أو أن سيناريو التصعيد سيعود ليطغى على المشهد، ويقود المنطقة نحو مزيد من التوتر وعدم الاستقرار.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى