أخبارشئون عالمية

170 مليار دولار للترحيل.. فهل تنجح خطة ترامب؟

في ظل تصاعد الخطاب السياسي المتشدد تجاه الهجرة في الولايات المتحدة، يبرز مشروع قانون الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، المعروف بـ”القانون الكبير الجميل”، كمحاولة غير مسبوقة لإعادة تشكيل المشهد القانوني والمالي المرتبط بالهجرة واللجوء، عبر ضخ 170 مليار دولار في بنود تُثير جدلًا واسعًا. المشروع لا يكتفي برفع موازنات الأجهزة الفيدرالية، بل يفرض قيودًا مالية جديدة على المهاجرين، تتجاوز كونها مجرد رسوم لتصبح – كما وصفها نقاد – أدوات “عقابية” تستهدف الفئات الأكثر ضعفًا.

ورغم أن القانون يخصص نحو 3.3 مليار دولار للهيئة القضائية المختصة بقضايا الهجرة، إلا أنه لا يزيد عدد قضاة الهجرة عن 800 قاضٍ فقط، في وقت يواجه فيه النظام القضائي المختص ملايين القضايا المتراكمة. هذا التقييد العددي، بحسب مراقبين، يعني عمليًا إبطاء إجراءات النظر في طلبات اللجوء لسنوات، وربما عقود، ما يخلق حالة من الجمود القضائي تدفع ثمنها العائلات المهاجرة.

ولعل أبرز ما يثير الصدمة في مشروع القانون الجديد، هو فرض رسوم مالية لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة على طالبي اللجوء. إذ ينص التشريع على دفع 100 دولار عند تقديم الطلب، مع رسوم سنوية مماثلة طالما ظل الطلب قيد النظر. وعلى الرغم من أن بعض المقترحات السابقة داخل الكونغرس ذهبت إلى رفع هذه الرسوم حتى 1000 دولار، فإن إقرار الحد الأدنى لم يُخفف الانتقادات، بل أثار استنكارًا من منظمات حقوق الإنسان وخبراء الهجرة، الذين رأوا فيه “اختبار ثروة” يخالف جوهر القانون الإنساني الذي يفترض أن يوفر الحماية لا التمييز على أساس الدخل.

لا تقتصر الرسوم الجديدة على اللجوء فقط، بل تشمل تصاريح العمل، وطلبات الحماية المؤقتة، وتأشيرات غير المهاجرين، ما يعني أن عبء التكاليف سيمتد ليشمل معظم نوافذ الهجرة القانونية إلى الولايات المتحدة. ويرى خوان أوروزكو، أحد أبرز المدافعين عن حقوق المهاجرين، أن هذه الرسوم لا تعبّر عن سياسة إنفاذ بقدر ما تجسّد رؤية اقتصادية “تجعل المال شرطًا للبقاء والنجاة”.

في المقابل، تُظهر موازنة 2025 تضخمًا كبيرًا في نفقات إنفاذ قوانين الهجرة، حيث خصص الكونغرس نحو 34 مليار دولار لهذا الغرض، متجاوزًا بذلك ميزانيات جميع وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية الأخرى مجتمعة. تحليل أعدّه ديفيد بير، مدير دراسات الهجرة في معهد كاتو، يُظهر مفارقة مذهلة: الإنفاق على إنفاذ قوانين الهجرة يفوق بـ36 مرة موازنة مصلحة الضرائب لإنفاذ الضرائب، وبـ21 مرة موازنة تنفيذ قوانين الأسلحة النارية، و13 مرة موازنة مكافحة المخدرات، و8 أضعاف ميزانية مكتب التحقيقات الفيدرالي.

هذه المقارنة تفتح باب التساؤلات حول جدوى هذا الإنفاق الضخم، خصوصًا في ظل استمرار المشكلات البنيوية في النظام القضائي للهجرة، وتراجع مؤشرات الحماية الإنسانية للمهاجرين. ويذهب بير إلى أن القضية لا تكمن في قلة الموارد، بل في كيفية توجيهها، معتبرًا أن الولايات المتحدة تشهد حالة من “الإنفاق المفرط بلا عائد تنظيمي حقيقي أو بعد إنساني”.

بين تصعيد الإنفاق على الحدود وتعقيد الإجراءات على طالبي الحماية، يكشف مشروع قانون ترامب عن توجه راديكالي يعيد تعريف مفهوم الهجرة من قضية إنسانية إلى ملف أمني – اقتصادي بحت. وفي حال تم تمريره، فإنه قد يشكل نقطة تحول فاصلة في تاريخ السياسة الأمريكية تجاه المهاجرين، تُعيد رسم العلاقة بين الدولة واللاجئين على أسس تمييزية وغير مسبوقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى