
اشكالية الحوار بين النص والعرض في المسرح د. منصور نعمان نجم الدليمي دار الكندي للنشر/ الأردن .
تعريف الحوار :
الحوار هو الأداة الرئيسة التي يبرهن بها الكاتب علي مقدمته المنطقية، ويكشف بها عن شخصياته ، ويمضي بها في الصراع .
( لاجوس اجري، فن كتابة المسرحية ،ترجمة دريني خشبة، دار الفكر العربي، القاهرة، ص 410 وانظر اشكالية الحوار، د. منصور نعمان الدليمي ص 19) .
الحوار بين حبكتي النص والعرض :
تتحقق حبكة العرض المسرحي من الحوار الذي يتداخل مع لغة المسرح المكونة للعرض المسرحي، وهذه اللغة تحددها تقنيات المسرح، من ديكور واضاءة وأزياء، وماكياج واكسسوار، وأداء تمثيلي على خشبة المسرح.
كما تتدخل تقنية الممثل الشخصية في اضفاء وهج خاص للحوار، كما أن اقتراب حبكة العرض من حبكة النص تعطينا عرضا متميزًا، ونلحظ ذلك في مسرحية أوديب ملكًا لسوفوكليس، فالحوار بين ” أوديب والكاهن” يكشف عن الوضعية ويزودنا بالمعلومات اللازمة للإلمام بالتفاصيل التي تمس الحدث، فالحوار لا يكشف عن الوضعية الأساسية التي انطلق منها الحدث الدرامي، لكن الحوار يكشف عن كارثة عمت أرجاء المدينة، وأحاطت بالجوقة ” الشعب ” فطفح كيل الجوقة، وراحت ترجو مليكها أن يساعدها من وباء الطاعون الذي أحاط بالبلاد.
ولقد كان حوار أوديب وكريون يؤكد اندفاع أوديب للاستقصاء عن سبب الكارثة، فيأتي الجواب مليئاً بالريبة والشك، يقول المحاور :
اويديبوس : تكلم أمامهم جميعًا، إن آلامهم لتثقل عليّ، وإن الأمر لأخطر من أن يمسني وحدي.
كريون : سأقول إذا ما سمعته من فم الإله، أن الملك ابولون يأمرنا أن ننقذ هذا الوطن من رجس ألمَّ به، وألا تسمح لهذا الرجس بأن يبقى حتى ينمو ويصبح شفاؤه عسيرًا .
إن الحوار هنا يشكل أزمة، ويكشف عن صراع ممتد قد يتأجج في أي لحظة، إذ أوديديبوس يمثل السلطة، وترسياس يمثل القوة التي تعرف الغيب، وهذا الحوار بينهما يمثل الدفاع والهجوم والتراشق بالألفاظ، لكن الملك اتهم شخص ” ترسياس” ، يقول :
-تعلم اني أتهمك بأنك اشتركت في الجريمة، ودبرتها وهيأت لها، ولم تبرأ منها إلا يدك. ولو أنك كنت بصيرًا لما ترددت في أن أؤكد أنك وحدك القاتل . (سوفوكليس، أوديب ملكًا، ترجمة طه حسين، بيروت، دار العلم للملايين 1978م، ص 194) .
ولا تتحقق حبكة العرض إلا بالتوافق العميق بين أجزاء العرض المكونة للوحدة الفنية، وايجاد الانسجام بين جميع العناصر التي تخلق سيمفونية العرض.(الكسي بويوف، التكامل الفني في العرض المسرحي، ترجمة شريف شاكر، دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد القومي،1976 م، ص155) .
الفكرة بين النص والعرض :
عَرَّف أرسطو الفكرة بأنها: “القدرة علي قول الأشياء الممكنة والمناسبة “. أي ما له صلة بجوهر القضية، أو ظروفها .
وهناك تسميات أخرى للفكرة علي أنها كما يقول “باختين” : مشروع، أو موضوع، أو بحث، أو أطروحة، أو فكرة جذرية، أو فكرة أساسية، أو هدف أو غرض، أو قوة دافعة، أو غاية، أو خطة، أو عقدة، أو انفعال . ( م. ب باختين، قضايا الفن الإبداعي عند ديستويفسكي، ترجمة د. جميل نصيف التكريتي، بغداد، دار الشؤون الثقافية،1986، ص 111 :113) .
والفكرة تتفاعل مع العناصر الدرامية الأخرى من حبكة وشخصية وحوار ليصوغ لنا المؤلف الدرامي العالم الذي يعالجه من زاوية وعي المؤلف ونظرته للحياة، فالفكرة هي خلاصة وعي خالق النص كما يقول أرسطوطاليس(أرسطو طاليس، عن الشعر، ترجمة شكري محمد عياد، القاهرة، دار الكاتب العربي، 1967، ص 56:54).
أهمية الفكرة والفرق بينها وبين موضوع المسرحية :
ليست الفكرة هي الموضوع، كما يظن ذلك كثير من الباحثين، فالفكرة هي التي تعطي للمسرحية وحدتها، وللكاتب هدفه الأول.
( فود ب . ميليت بمنتلي، عن المسرحية، ترجمة صدقي خطاب ، دار الكتب ،بيروت،1966،ص 385) .
ومهما كانت تسميات الفكرة فإن أي نص درامي لا يخلو منها، فكل العناصر الدرامية الأخرى تتغذي علي الفكرة، وتؤسس في ضؤئها فعالياتها في النص اجمالًا، والحوار بصورة خاصة. (روجرم بسفيلد “الابن” ، فن الكاتب المسرحي، ترجمة دريني خشبة، مكتبة نهضة مصر، 1964م، ص . 155).
والفكرة الأساسية تتغذي على مجموعة من الأفكار الفرعية، وهي تُحتِّمُ خلق حوار مسرحي معين يكون ملائما لها من ناحية، وملائمًا للشخصيات والأحداث والأماكن، وزمن وقوع الأفعال من ناحية أخرى.
(بدري حسون فريج وسامي عبدالحميد، الاخراج المسرحي ، بغداد، جامعة بغداد 1980، ص 115).
كما أن الصياغة البارعة للحوار تجلو موقف المؤلف من الفكرة ، وموقفه من الحياة التي يصورها دراميًا .