حاتم عبد الهادى الشاعر السيناوى يكتب: حكايات من اعماق بحيرة البردويل بسيناء
حاتم عبد الهادى الشاعر السيناوى يكتب: حكايات من اعماق بحيرة البردويل بسيناء
عُرفت بحيرة البردويل قديمًا باسم: “بحيرة سربون، أو “سربونيس”، وهي المنطقة التي اختبأ فيها «تيفون» إله الشر، بحسب الأسطورة العربية القديمة، وفي العصور الوسطى أطلق عليها اسم: “سبخة بردويل” نسبة للملك “بلدوين الأول” حاكم مملكة بيت المقدس، الملقب ببردويل، والذي قام بحملة على مصر في عام 511هـ 1118م، حيث هاجم الفرما وأحرقها، وفي طريق العودة توفي بهذه السبخة، فأخرجت أحشاؤه ورميت في المنطقة، وبعدها سميت سبخة بردويل، -كما يقول دكتور أحمد صالح-، ومنها جاء اسم “بحيرة البردويل” بعد ذلك.
ولقد أعلنت بحيرة البردويل من قبل الحكومة المصرية كأحد المواقع المهمة ضمن اتفاقية رامسار الدولية لحماية الأراضي الرطبة للطيور المائية، وذلك نظرًا لموقعها المتميز وبيئتها الطبيعية الغنية التي تعتمد عليها أعداد ضخمة للغاية من الطيور المائية المهاجرة، كما أنها تعد أحد المناطق الهامة للطيور المهددة بالانقراض في العالم كله. كما اعتبرت منطقة من المناطق ذات الحماية الخاصة لاتفاقية برشلونة لحماية البحر المتوسط، والمناطق ذات الحماية الخاصة. وتعتبر بحيرة البردويل من أهم معالم المحمية. ويفصل البحيرة عن البحر المتوسط حاجز رملي رفيع، ويقع بوغاز الزرانيق وأبو ذكرى في نهايته الشرقية وهما الاتصال الطبيعي الوحيد بين البحر وبحيرة البردويل. وتتميز منطقة المد والجزر بطبقة طينية سميكة تتخلل ساحل البحيرة.
وبحيرة البردويل –كما يقول دكتور هايل الجازي- هي ما يُطلق عليها اسم سبخة البردويل، من البُحيرات التي تقع في جمهوريّة مِصر العربيّة في محافظة شمال سيناء، وهي من أكبر البحيرات في مِصر، حيث تبلغ مساحتها قرابة (165.000) فدّانًا، ويبلغ طولها الإجماليّ حوالي (130) كيلومترًا، وعرضها حوالي (40) كيلومترًا. تَمُرّ البُحيرة بمنطقة المُحَمّدية ثم بور سعيد شرقًا حتّى منطقةِ العريش في الغرب انتهاء بمنطقة الزّرانيق، كما تتّصل البُحيرة بالبحر عبر فَتحةٍ صغيرةٍ تُقدر بـ (100) مترٍ تقريبًا، وفي فصل الشتاء تُصبح البُحيرة مُسطّحًا مائيًّا واحدًا، وفي فصل الصّيف تنحصر عن ضفّتها الشّرقية مؤقّتًا. الثّروة السَّمَكِيّة في البحيرة تُعدّ من أهمّ مصادر الثّروة السَّمَكِيَّة في جمهوريةِ مِصر عامةً وفي منطقةِ سيناء خاصةً، ويتلخّص تاريخ ثروتها السّمكية في ثلاثِ فتراتٍ ما بين (1952- 2005)، حيث كان متوسّط الثّروة السَّمَكِيّة فيها في الفترة الأولى قرابة (1460) طنًّا من الأسماك، أما الفترة الثّانية فمتوسّط إنتاجها قرابة (1530) طنًّا خلال الاحتلال الإسرائيليّ، أما الفترة الثّالثة خلال السّيادة المصريّة فيتراوحُ مُتوسّط إنتاجِها قرابة (2240) طنًّا، ولكن هناك مشكلة تعاني منها البُحيرة، وهي الطّيور المهاجرة التي تأتي للبحيرة وتتغذّى على كمياتٍ كبيرةٍ من أسماكِ البحيرة خلال فترة هجرتِها. تقع البحيرة على السّاحل الشّمالي لمنطقة سيناء وتحتلّ منه نسبةً كبيرةً. تتميّز البُحيرة بنسبةِ ملوحةٍ عاليةٍ نسبيًّا، وهناك حاجزٌ رمليٌّ مرتفعٌ يفصلُها عن البحر، حيث أنّ أقصى اتساعٍ لهذا الحاجز كيلومترًا واحدًا، وأقل اتّساع لا يتجاوز (100) مترٍ، وغالبًا ما تُغطّي مياه البحر هذا الحاجز، كما تتميّز بأنّها ضحلة، وبعمقٍ يتراوحُ ما بين (0.5- 3) أمتارٍ تقريبًا، والقاع رمليٌّ تغطّيه حشائشُ الحامول أو الخندق، وتكثر فيها أشهر وأكثر الأسماك طلبًا، منها السمك البوري “ذا البطارخ الثمينة الغالية الثمن” -الكافيار- والأسماك المرجانية، الدّنيس والطّوبارة، كما يتواجد فيها أعدادٌ كبيرةٌ من طيور الدّغبز أو الخطّاف الصّغير وأبو الرّؤوس، كما توجد بالبحيرة السلاحف البحرية الكبيرة الملونة، خاصة الخضراء، وغيرها. كما تتداخل المحمية مع محمية الزرانيق لقربها منها، وإن تنوعت مفرداتها، خاصة وأن بحيرة البردويل تمثل أكبر بحيرة مصرية منتجة للثروة السمكية، والمنتجات البحرية في مصر، كما تعد أطول ساحل للمصايد البحرية المصرية كذلك.
وتقع بحيرة البردويل –كما يقول دكتور سامي صالح عبد المالك البياضي- ما بين مصب وادي العريش ومصب الفرع البيلوزي الطيني أحد أفرع النيل السبعة الذي كان يصب في شمال غرب سيناء.
ومع بداية العصور التاريخية على أرض سيناء ازدهرت طرق الحرب الدفاعية والتجارية بين مصر وجيرانها عبر سيناء، فازدهر طريق حورس الحربي الذي يساير حواف بحيرة البردويل ونجده في نقوش سيتي بمعبد الكرنك في الأقصر، حيث كانت تحصنه 12 قلعة تم تحقيق بعضها من خلال الكشوفات الأثرية التي أجريت على أرض سيناء.
كما اهتم اليونانيون والرومانيون بالتمركز على ساحل سيناء الشمالي بمحاذاة البحر المتوسط، وقاموا بتشييد مراكز عمرانية جديدة، وإعادة استخدام مراكز كانت معروفة من قبل مثل: تل الحير “مجدول”، والفرما “بلوزيوم” والمحميات “جارا” وجزيرة وكثيب القلس “تل كاسيوس”، والفلوسيات اوستراكين.
وفي العصر البيزنطي كان يوجد حصن مدينة الفلوسيات “إوستراسين، إوستراكين” على أطراف بحيرة البردويل الشرقية، حيث تم اكتشاف المدينة المحصنة والمساكن والمقابر وثلاث كنائس بازيليكية ولقد ظل ” حصن الفرما ” يؤدى وظيفته على أكمل وجه حتى كانت نهايته خلال العصر الفاطمي على يد الملك بردويل ملك بيت المقدس عام 511 هجرية / 1118 ميلادية الذي أمر بإحراقه عندما فشل في فرض سيطرته عليه، ومنذ أواخر العصر الفاطمي أصبح حصن الفرما محجرًا لتعمير مراكز حضارية بالقرب منه وتوزعت وظائفه عليها.
وعن أهمية بحيرة البردويل في العصور الإسلامية المتعاقبة، أكد الدكتور سامي البياضي خبير الآثار أنه تم فتح القسم الشمالي من شبه جزيرة سيناء المسار لأطراف بحيرة البردويل على يد عمرو بن العاص عام 18هـ 640م مرورًا برفح والعريش ثم الطريق المار جنوب بحيرة البردويل، والفرما متخذًا طريق الرمل طلبًا لتوافر آبار المياه وبعدًا عن الساحل لوجود الحاميات الرومانية كما ذكر المؤرخ سليم حسن بحيرة البردويل في كتابه “موسوعة مصر” مؤكدًا أنه في العصر العباسي تولى عنبسة بن إسحاق الضبي والي مصر بناء حصن الفرما على أطراف بحيرة البردويل الغربية في عام 239هـ853م، ذلك الحصن الذي يعتبر أقدم أثر عباسي وحصنًا حربيًّا باقيًا بمصر، من العصر العباسي.
وأشار دكتور سامي البياضي بأن المماليك قد اهتموا بالساحل الشمالي لشبه جزيرة سيناء، نظرًا للقضاء على مملكة بيت المقدس أيام صلاح الدين الأيوبي، وعودة طريق التجارة الشمالية بين مصر وبلاد الشام المساير لأطراف بحيرة البردويل.. فقاموا ببناء برجين في الطينة بالقرب من البردويل في أيام السلطان المملوكي الأشرف برسباي، وفي عهد السلطان قانصوه الغوري تم بناء قلعة في الطينة على أطراف بحيرة البردويل الغربية.. لافتًا إلى أنهم اهتموا أيضًا ببناء الخانات على هذا الطريق منها: خان في مدينة الورادة الإسلامية التي تعرف حاليًا بالخوينات داخل محمية الزرانيق، وفي العصر العثماني تم الاهتمام بقلاع السواحل فتم بناء قلعة كبيرة في العريش في عهد السلطان سليمان القانوني عام 968 هجرية / 1560 ميلادية..