المزيدثقافة و فنمقالات

سؤال مابعد المركزيات الأوروبية.. الناقد والمبدع وموت النص.. وعالم الأدب ما بعد كورونا

 

حاتم عبدالهادي السيد

لمن يكتب الناقد ؟ وهل يتوجب عليه أن يتبسط فى طروحاته لتصل رسالته إلى المبدع / القارى ؟ وما حدود الكتابة الأدبية ؟ وهل هناك منهاجية محددة يتوجب على الناقد أن يسلكها كى يخاطب العامة؛ مع العلم بأن النقد يخاطب الخاصة فى الأساس، وربما يتوسل القارىء والمبدع – أحياناً – فيبسط كتابته،- كما أزعم – وهل مطلوب منه ان يتبسط، أم على القارىء أن يرتفع بالدرس القرائى لديه ليبحث عن مضامينية المصطلحات ليحدث الحراك المأمول ؟ ثم ما مدى حدود النقد وطموحاته؟ وهل يمكن اعتبار التأويل منهاجية يمكن التعويل عليها لتفكيك شيفرات النص ؟ ثم إذا أمتنا المؤلف – على حد قول رولان بارت – ثم الناقد، بل والنص فماذا سيتبقى للقارىء فى ظل هذا التخبط،وقد اماتوا القارىء – وبالتالى فهذا ” موت للإله ” ، كما يزعم كثيرون كذلك …!! .
إنها الصيحات الكبرى التى تخرج علينا كل يوم ؛ فهل نحن بصدد نقد جديد لما بعد المركزيات الأوروبية، وما بعد الحداثة وغير ذلك دون النظر إلى تراثنا النقدى العربى الكبير ؟ وهل ثمة نظرية نقدية عربية يمكن لنا أن نصوغها بعيداً عن ” التغريب النقدى ” مثل : وماذا بعد المسألة الأوروبية فى النقد ؟ وهل نتحدى المتن بالهامش – عبر المدرسة الكولونالية – لنعيد البحث عن الهوية والتراث، لتبيان وجود منهج عربى نقدى جديد عبر ” ” الدراسات الثقافية ” فى تاريخنا النقدى الكبير، وعبر صراعات العولمة وغيرها، وهل ثمة ” فلسفة ثقافية نقدية ” تعيد تأسيس هوية النقد العربى فى ضوء الكم الهائل من النظريات الأوروبية والأمريكية التى غدت تقليداً ، و ” موضة ” ، بل وعقدة – عقدة الخواجة – لدينا كعرب،لنتمثل الأنموذج الغربى باعتباره سفراً مقدساً لا يجب تخطيه، وبالتالى نسقط جهود النقاد العرب – على مر تاريخهم – من الخارطة النقدية العالمية ؟ ثم ألم يان الأوان لطرح منهاجية عربية، وصوغ مصطلحات عربية، بل ونظريات – وهى كثيرة – لإعادة الإعتبار ” للهوية النقدية العربية ” بعد اتكاء منجزنا النقدى – الآن – على طروحات ونظريات وأفكار غربية ؟ وهل يمكن العودة إلى القديم وتطويره بمنجز حداثوى لمواكبة التغيرات والتلاحقات المتعاقبة والسريعة فى مجالات الفكر والفلسفة النقدية عبر المركزيات،ولعبة الأمم، والقوة، والنفوذ، والهيمنة، والعصرنة، والأمركة ؟ أم نقف لنقلد ؛ وفقط . دون أن نستوضح إلماحات تجيب عن سؤال : وماذا بعد كل هذه المابعد حداثيات التجديدية، والتجريبية، ؛ودون النظر إلى طبيعة المجتمعات العربية،وظروفها،وخصوصياتها الثقافية والفكرية، وفلسفتها،بل وعلومها؟ ثم هل نتحرر من عقدة الغرب لنعود إلى الأصالة نافضين عن تراثنا النقدى كل ما هو مخترع وحادث غربى،أو بالمعنى الأدق : هل ثم ضوء فى نهاية نفق النقد الذى نمارسه – بجهالة.. وبمعلومية – ثم نقول مفاخرين : نحن تنويريين،ودعك من الظلاميين،والعرب المتخلفين – للأسف – وهى ركامات خلّفها الإستعمار على مر الأجيال ، وأوقعنا فيها ” دعاة التنوير بالباطل ” عبر صيحاتهم ” تيار الوعى” ، ” ومسايرة كل ما هو غربى – واعتباره نصاً مقدساً – لا يجب تجاوزه، فغدونا نقول كل صباح : كما يقول رولان بارت، وعلى حد قول ريكور، وكما قال سوسيير، وغيرهم، ولم نقل على ” حد قول الجرجانى ” أو ” السكاكى ” ، أو القزوينى، أو حازم القرطاجنى،وغيرهم من علماء النقد واللغة والفلسفة،والبلاغة وغير ذلك في العلوم والفنون والاداب، وغيرها … ثم أليس هناك فلاسفة عرب لنتمثلهم، أم أن إمامنا – الآن – وشيخنا هوبارت وريكور فى النقد، والسيدة سوزان برنارد وغيرهم ؟! .
لسنا ضد الحداثة، بل للأسف نمارسها، على غير هدى، عبر بيئاتنا العربية، وقيمنا الإسلامية، وهويتنا ، وهوانا الشرقى، فالنقد يطلع من الغرب، والعلم يطلع من الغرب، بل المأكل والمشرب والموضة وغير ذلك كلها ذات نكهة غربية غرائبية، لهدم الهوية والثوابت والقيم، و بعيداً عن فكرة المؤامرة، فهذه هويات ومركزيات لا تتناسب مع هوانا الشرقى، فالشمس – على امتداد العصور – تطلع من الشرق، وهذه هى الثوابت، وبعيداً عن ” العقد والتعصب للعرب ” – الذين تخلفوا حيناً – لكننا لن نظل نسمهم بالعجز، ونضعهم فى باب الظلمات،وهم كذلك المستنيرون عندما انفردوا بالغرب سبقوهم ،وإلا فمن فى أوروبا ينكر اسهامات ” ادوارد سعيد “، و ” ايهاب حسن”، بل و” حاتم الجوهرى ” وغيرهم من نقادنا المغاربة والشوام والمصريين ، والعراقيين، واللبنانين، بل والخليجيين كذلك،وفى الإمارات والسعودبة وغير ذلك .

ولنكن منصفين ، ولنتكلم بكل صدق : هل منجزنا النقدى العربى – الآن – بل عبر مئة عام – هو عمر النقد الجديد،- نحن راضون عنه حقيقة ؟ وهل تحزلقاتنا كنقاد، تجعلنا نوثق، أو نستشرف منهاجية عربية للنقد ، ونحن نقلد الغرب المتأمرك، أو الشمال المتأورب، – الأوروبى – ونصدق مقولات كاذبة من مثل : ماذا قدم النقاد العرب – باستثناء القلة – سوى رؤى شخصية تكالب كثيرون منا على الإنتقاص من قدرها؛ لأن هناك من النقاد – الذين ندعوهم بالكبار – تابوهات؛ومقدسات،وأيقونات؛جرفونا معهم للاستسلام والخنوع بدعاوى التنوير والتقليد لكل ما هو غربى، ولن نقول كذلك : لقد تآمروا على النقد، والهوية، وحاولوا عبر العلمانية، ودعاوى الإلحاد، والعهر الحداثى أن يمحوا الهوية بحجة ” اللحاق بركب الحداثة والتمدين ” ، ولم يخرجوا متسلحين بالتراث، فوجدنا من يريد أن يكتسب شهرة فى الغرب : ينتقد التراث ، وينفيه بدعاوى الحداثة، واعتباره عقيماً،لا يقدم الأنموذج،ولا يطرح النظرية، ومن هنا كان لابد من الإنجراف ” إلى الغرب المتأمرك _ الصهيو إمبريالى “؛ والكولونالى، وما بعد مدرسة براغ، واستتباعات الحداثة ، وما بعد الحداثة ” كالخراف التى تنجرُّ وراء القطيع الأمريكى الصهيونى الأوروبى، عبر النموذج الأمثل للعصرنة ، والأمركة، وعالم ماك، ، وغيرها ليتم غزونا ثقافياً ، وخنوعنا سياسياً ، وتركيعنا اقتصادياً،عبر لعبة الأمم،وصراع الحضارات، والثقافات ، دون النظر إلى التجاور والتمدين،والإرث الإنسانى الكبير للحضارة والثقافة العربية، بل وإلى المناهج النقدية العربية، والفلسفية أيضاً !! .
سيأتى يوم يعود النهر إلى مجراه، ويعود البحر إلى صفاءه،ويعود للعرب مجدهم الحضارى والتاريخى ، وليست هذه أحلام شعراء، بل مقادير واقع عالمى يتجه نحو الشرق؛ وعما قريب عبر ” عالم ما بعد كورونا ” سنرى تجديداً في خارطة العالم، وقيادته، وتسيير عقلية العالم الكبرى؛ رغم التسلح النووى، وصراع الهويات والحضارات والقوة، والأقطاب، فهناك قطب الأقطاب الأكبر؛ والهيولى العظيم الذى تنجذب له كل الأقطاب عبر الكون والعالم والحياة .. فهل من جديد ؛ ربما ؟!!.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى