الرواية التشاركية العروبة والوطن والحب النور يأتى من خلف النافذة
كتب : حاتم عبدالهادي السيد
تعبر رواية : ” النور يأتى من النافذة” – منذ البداية – عدة حواجز فكرية، ورؤى ضبابية لبعض الظلاميين الذين يتصيدون لكل كاتب يكشف اللثام عن حقيقة الوضع لعرب فلسطين في الداخل الفلسطينى / الصهيونى المحتل،فهم عرب ونصارى متمسكون بوحدتهم الوطنية، بعروبتهم ، وايمانهم بقضية فلسطين الكبرى ، وعاصمتها القدس،مزيحة اللبس عن كل ما يثار عن هؤلاء الفلسطينيين الذين تجنسوا بالجنسية اليهودية – رغماً عنهم – وأطلق عليهم مجازاً : عرب الخط الخضر ، أو عرب 1948م.
ولعل الكاتبين للرواية : ابراهيم جاد الله ،المصرى، وحنان جبيلى عابد ،الفلسطينية، قد ارتأيا معاً كشف المسكوت عنه في قضايا الداخل الفلسطينى لتأكيد الهوية الفلسطينية ، لا بين عرب فلسطين الداخل فحسب، بل بين النصارى المسيحيين هناك كذلك، ولعمرى فان هذه الروايات التشاركية تجلى الكثير من اللغط حول هؤلاء الفلسطينيين المقاومين للاحتلال والمعتزين بعروبتهم على الرغم مما شابهم من توجس أحدثه الكيان العبرى بشأنهما ، والاعلام الغربى في كونهم لا يجسدون الوطنية الفلسطينية العربية،أو أنهم كيان مزروع في قلب فلسطين لاحداث بلبلة أممية تجاههم ، مما أوعز للسلطات – عبر الاتفاقيات البغيضة العالمية أن تخشاهم وتحذرهم ، فقط لكونهم يحملون الجنسية اليهودية،التى حصلوا عليها قسراً من قبل المحتل الغاشم ، وهذا تأسيس أول – فيما أحسب – لما تطرحه هذه الرواية الشاهقة، التى اتخذت قصة حب ربطت بين الفتاة ايلياء ( أحد أسماء فلسطين التاريخية)، وبين زكريا الكاتب والناقد المسرحى،الذى ذهب مرات عديدة الى حيفا والناصرة وغيرها هناك لالقاء المحاضرات عن المسرح الفلسطينى،ودوره السامق في مقاومة الاحتلال الصهيونى الغاشم داخل المنطقة الخضراء، التى اصطلح الاحتلال تسميتها بذلك،ليمايز بين أبناء الشعب الواحد، باختلاف دياناتهم المتعددة .
وتمثل الرواية التشاركية – كما أصطلح تسميتها – صورة للبهاء العروبى والقومى للحب المصرى العروبى القومى لفلسطين،والالتفات للقضية الفلسطينية التى هى الشغل الشاغل للمصريين والعرب، وعرب المنطقة الخضراء( فلسطينيين ونصارى،وملل أخرى عربية )، كما تعكس الرواية بغض العربى للمحتل الصهيونى الغاشم،وتقدم ذلك من خلال قصة حب سامقة بين ايلياء، فتاة فلسطين – المرشدة السياحية الآتية مع فوج سياحى الى مدينة شرم الشيخ للتريض والسياحة،وزكريا المصرى، الكاتب والمخرج المسرحى الذى هام بالكتابة عن المسرح الفلسطينى في الداخل المحتل،وقصة الحب التى نشأت بينهما ، وتعمقت بالزواج في النهاية، وانتهت نهاية تراجيدية مسرحية بعودة ايلياء الى الناصرة بفلسطين مرة أخرى لأنها لا تحمل تأشيرة اقامة مع زوجها في مصر .
وتتجلى المحبة لمصر والمصريين من خلال الحوارية التى تحمل مضمونية الدراما المونقة التى تعكس قدرة الكاتب والكاتبة،على صوغ الموضوع باقتدار وبوعى شديدين، بما يعكس ثقافتهما العروبية تجاه العرب وقضاياهم ،وقضية فلسطين القومية التاريخية،ويتجسد ذلك من خلال هذه الحوارية التى تعطيك انطباعاً بأنك داخل جوقة مسرح،أو أنها مسرواية واقعية، وطنية،فأثناء القاء زكريا محاضرته انبرت ايلياء في مداخلة تعكس الحب المصرى الفلسطينى واضاءة الرؤى نحو حب الأوطان،على اختلاف الأديان والمشارب ، تقول ايلياء عبر مداخلتها،باللهجة الفلسطينية الرشيقة :
( – هلق أنا سمعت حكي كتير علمي ومحترم من حبيبنا الأستاذ زكريا،وهاد كمان بيسعدنا أكتر إنو بيكون حداغير فلسطيني مهتم بهاد الشكل بشأن فلسطيني من اختصاصه العلمي أو الجامعي، قبل هيك تعرفت على الإستاذ اللي كتير بهرني تعلقه بفلسطين وكل تفاصيل الحياة فيها. بس عندي إضافة صغيرة بجوز الإستاذ زكريا أكيد انتبه الها منيح، وأكيد عارفها. في عنا بعكا مهرجان كتير مشهور بيعرض مسرحياته في بستان الباشا في عكا القديمة،وهي مسرحيات عربية مستواها الفني والثقافي كتير محترم،بتعالج قضايا كتير مهمة لواقعنا العربي الفلسطيني.الفنانين يستحقوا كل الدعم لأنهم يؤكدوا دوماً إننا شعب حضاري ومثقف متل ماعرض الأستاذ زكريا فى بحثه ولكن…يا ريت تكون امكانية انه ابداع الفنانين يوصل للعالم العربي،وفي عنا ممثلين مبدعين يستحقون حتى الشهرة العالمية لكن للأسف التقوقع هذا فرض عليهم رغم كل الجهود الابداعية. يا ريت المسرح الفلسطيني يحصل على التقدير الذي يستحقه دولياً وعالمياً.المسرحيات غالبا تقام في بستان الباشا، وهو من أجمل المباني في عكا القديمة،التي تشهد على عبق التاريخ على صمود قاهرة نابليون والعريقة بكل ما فيها من سحر المكان والتاريخ والحضارة. ووجهة نظري ياللي على أد معرفتي إنو فعلا المسرح وكل النشاط الإنسانى بالداخل الفلسطيني عنا محتاج لدعم حقيقي عربيا ودوليا وليس أن يكون محصورا دون أي انطلاقة تذكر تدعم المبدع الفلسطيني ليأخذ مساحة وحيزاً يستحقه على جميع الأصعدة ليخرج من “بين المطرقة والسندان”. باتشكركم كتير،وباتشكر كرمكم إنكم سمحتم لحداغير مدرج إسمه فى الندوة وغير متخصص بالمسرح، فأنا موش غير سائحة فلسطينية من عكا صار لي ثلاث أيام هون وبشرفني وكل اللي معي إننا نحط رمزنا الفلسطيني على كتف الأستاذ زكريا تا يضل حامله بروحه وضميره).
هذا ويبدو السموق المصرى تجاه القضية الفلسطينية واضحاً من خلال مواقف ومشهديات زكريا التى تعكس النضال المصرى التاريخى من أجل تلك القضية الكبرى، تقول الرواية :
” مشى زكريا مزهوًا بالحطة الفلسطينية كأنها نيشان شرف علق على كتفه،واقترب بخطواته من إيلياء، وسارًا معا في الممر المؤدي إلى الباب الرئيسي للقاعة وهو يقول:
– بحب فلسطين وشعب فلسطين وريحة فلسطين وبنت فلسطين.
ونظراته تغزل الحب نحو إيلياء، همس في أذنها.
– أموت شوقا لفلسطين لأزورها وأستنشق هوائها وترابها.
من جديد فلم تشبعني ولم تسد رمق محبتي زياراتي السابقة لأنها استنفذت في العمل والأبحاث لم أغرق في التجول بين أزقتها ولا الغرق في تضاريسها ولا من زيتونها وزعترها.
– لهاي الدرجة ؟!.
– وأكثر من ما بتتخايلي.
– أشعر أنك بتبالغ.
– ليه ؟
ضحكت إيلياء ونبرة الحزن لا تفارق كلماتها.
– لأني يا عزيزي أشعر بأننا بين الشاطر والمشطور لا أبناء عمنا يحبوننا ولا إخوتنا يحبوننا فنحن بينكم وبينهم..
– إنت غلطانة إحنا بنعشق تراب فلسطين من خلال موقف وطني عروبى وسياسي وفكري وإنساني، بس بالله عليك لا تذكريني بأجواء قصيدة درويش ( أنا يوسف يا أبي ) ومعركة مارسيل خليفة حين غناها، وتلك المعارك الضارية التي خضناها تأييدا لرؤيته الفنية السياسية ضد أعداء النور. – يمكن لكن مش الكل كأننا أبناء الفرخ القبيح أو البطة السوداء” .
وعبر الحوار السيموطيقى الذى يعبر بالدوال والمدلولات الى عمق الذ1ات المحبة لفلسطين وجدنا زكريا يحوط فتاته بغلاف من الجمال الأسلوبى المتبدّى عبر الدراما التى تحيلنا الى المسرح تارة، والى لغة السينما عبر السرد الذى تتداخل عبره الأجناس الأدبية تارة أخرى، لتكسبه لغة ناضجة، جديدة ومبهرة،ورشيقة لطيفة،وباذخة شاهقة أيضاً.
انه الأديب المأخوذ حتى النخاع بقضايانا العربية،فلسطين والعراق وما كان من أمر الامبريالية الأمريكية وتابعها اسرائيل بشأن احتلالهما ومحاولات تقسيمهما وتخريبهما بداية، ثم بعد ذلك مشروع التقسيم الشامل لكل الدول العربية فيما عرف بالشرق الأوسط الجديد، وما كان من استلاب للأراضى الفلسطينية في الداخل العميق في عكا والناصرة وطولكرم وبيت الأسد وغيرها،وهى الأماكن التى تدور عبرها الرواية وصولاً الى شرم الشيخ،ذلك المنتجع المصرى الحدودى،ليؤكدعمق الوشائج المصرية الفلسطينية،حيث وجدنا “أم عصام” الفلسطينية تتغنى بكون جذورها مصرية،كما تشير الرواية – دون مباشرة – الى جزيرة ” ثيران”، وتبعيتها للادارة المصرية في الرحلة التى دعته اليها ايلياء ليشاهد مضيق ثيران لأول مرة في حياته، وهوعلى ظهر المركبة النيلية في عمق البحر الأحمر العريق .
ويظهر الكاتبان مسرح المقاومة للصهاينة ، في المنطقة الخضراء نجد لغة الخطابية تعلو ، وكأنهما يكتبان مقالة داخل السياق الروائى الذى يضم كل الأ شكال الأدبية ، متجاورة ، دون ان تؤثر تلك الخطابية على مسيرة السرد الروائى الشاهق ، يقول على لسان الراوى العليم :
( في الليلة المخصصة له فى مسرح عشتار برام الله للحديث عن مسرح المضطهدين،ومسرح المنبر،لارتباط هذا المسرح على وجه الخصوص بأنه منذ سنوات قد اهتم المنتمون له بتجربة المسرحي البرازيلي الشهير أوغستو بوال الذي أرسى مقولة أنه على كل مسرح أن يسعى إلى التغيير، لذا فقد قام أحد المنتسبين لهذا المسرح بترجمة كتابه “ألعاب للممثلين وغير الممثلين” إلى العربية).