الروائى حاتم عبدالهادي السيد يكتب : دراسة تحليلية لكتاب حدائق سيناء المقدسة
الروائى حاتم عبدالهادي السيد يكتب : دراسة تحليلية لكتاب حدائق سيناء المقدسة
يشكل كتاب “حدائق الأرض المقدسة “التراث البدوي والتاريخ الطبيعي في جبال سيناء الشاهقة” للمؤلفين سامي زلط وفرانسيس جلبرت، مسيرة عمل ميداني وبحثي استمرت لمدة ثلاثين عاما في سيناء، رصدت ووثقت وبحثت المعلومات والمعارف والعادات والتقاليد الداخلية الخاصة سواء منها الاجتماعية أو الأسرية، فضلا عن البيئة السيناوية داخل الحلقة الصخرية لجنوب سيناء: الصخور، الوديان، المناخ، الموارد المائية، الزراعة والتنوع البيولوجي، إنشاء الحدائق وتاريخ زراعتها، وأهم ما تنتجه، والقيمة الغذاية والطبية له وتأثيرها على الحياة الأسرية، وأشكال مكافحة الآفات، النباتات على اختلاف محاصيلها، حيوانات الحدائق: الثدييات، والطيور، الزواحف والثعابين وغيرها.
وقال المؤلفان في كتابهما الذي ترجمه أحدهما وصدر عن المجلس القومي للترجمة”تحتوي الجبال العالية في جنوب سيناء على عدة أماكن تعد من أجمل الأماكن في العالم، وإذا تعمقنا في التاريخ نجد أن المنطقة المحيطة بمرتفعات جبلي كاترين وموسى هي موطن لبدو قبيلة الجبالية، وهي منطقة تطلق عليها قبائل سيناء الأخرى “أرض الشيح والعطر والمر والبعثران” بسبب الروائح العطرة للأعشاب البرية العطرية التي تملأ الوديان، هذه الروائح التي تزيد من سحر المكان وتزيد من قدسيته وخصوصيته. تضم المنطقة خصائص ثقافية ودينية وبيئية فريدة، وتحتل مكانة خاصة في التاريخ الطبيعي المصري، وزادت شهرتها لوجود دير سانت كاترين وجبل موسى بها، إلى جانب تميزها بوجود أعلى الجبال في مصر مع تنوع هائل في نباتاتها وحيواناتها خصوصا أن بعضها لا يظهر في أي مكان آخر في العالم.
وأشار المؤلفان إلى أن هناك ثلاث سمات واضحة أذهلتهما “هي ثراء معارف البدو عن البيئة المحيطة بهم ـ غياب التوثيق لتلك المعارف المهمة ـ رعة اختفاء تلك المعارف تحت تأثير التوسع السياحي والتنمية. لذا فمن المهم الحفاظ على تلك المعارف من أجل الأجيال القادمة التي ترغب بلا شك في التعرف عليها. ومن المثير للاهتمام أن العديد من الحجاج في الماضي قاموا بتسجيل تجاربهم خلال زيارتهم لدير سانت كاترين، كما سجلوا العديد من الملاحظات عن البدو والمناظر الطبيعية التي رأوها. أما اليوم فإن هذه التسجيلات أصبحت قليلة للغاية.
وأكد المولفان أن المعلومات الواردة في الكتاب تعكس في حقيقة الأمر تفسيراتنا ورؤيتنا الشخصية للأوضاع كما نراها نحن، ولا تمثل رأي أي من تحدثنا معهم. وحيث إننا لم نتمكن من التحقيق من دقة كل جزء من هذه المعلومات، فإن بعضها يعكس إدراكنا لمعارف البدو ومعتقداتهم بدلا من كونها حقيقة مؤكدة، كما أن هذه المعلومات تخص قبيلة الجبالية دون غيرهم من بدو قبائل جنوب سيناء الأخرى أو البدو في سائر الأنحاء، فمن الممكن أن تتم هذه التقاليد والممارسات المذكورة من قبل البدو في أنحاء أخرى، ولكننا لم نسع لمعرفة صحة ذلك فنحن نركز فقط على البدو داخل الحلقة الصخرية لجنوب سيناء وبالأخص بدو قبيلة الجبالية، ومع ذلك فإننا اغتنمنا الفرصة لوضع معارفهم التقليدية في سياق الكلام عن مصر ككل سواء القديمة أو الحديثة. ويعتمد بدو قبيلة الجبالية فى حياتهم اليومية على 3 عناصر مستمدة من بيئتهم، هى النباتات والحيوانات البرية والأليفة والزراعة داخل بساتينهم وحدائقهم الخاصة، وتأسس نمط الزراعة هناك منذ ما لا يقل عن 1500 سنة، ما يمثل جانبا كبيرا من تراثهم.
ورأى المؤلفان أن فكرة إنشاء حدائق خاصة في سيناء لإنتاج بعض المحاصيل الزراعية قد رسخها النساك ممن جاءوا للإقامة في المنطقة على مدار القرون الميلادية القليلة الأولى. وقد استخدم بدو الجبالية الزراعة كمصدر مهم ودائم للمؤن يمكن الاعتماد عليه، وهي بذلك لا تتشابه مع معظم قبائل البدو الأخرى الموجودة في الشرق الأوسط إلا بدو مرتفعات النقب الذين يعيشون أيضا بالقرب من المستوطنات البيزنطية القديمة. حالة أخرى وحيدة جديرة بالذكر لقبائل مشابهة في المملكة العربية السعودية تنشيء الحدائق لكن بطريقة مختلفة إلى حد ما، فالبدو هناك يقيمون حدائق كبيرة مسورة بالطين يزرع بها أساسا أشجار النخيل إلى جانب بعض الخضراوات والأعلاف الحيوانية. اعتادت هذه القبائل على ري الحدائق أو ما يسمونه المزارع من خلال الآبار كما هو الحال في جنوب سيناء.
حدائق سيناء
أنشئت لأول مرة على نحو جدي في نهاية القرن الرابع الميلادي وأوضح المؤلفان أن حدائق جنوب سيناء الكبيرة والمنظمة على نحو جدي أنشئت لأول مرة عندما خرج دير سانت كاترين إلى حيز الوجود على الأرجح في نهاية القرن الرابع الميلادي، وقد قطع الغزو العربي للمنطقة في القرن السابع دعم الحكومة البيزنطية المركزية، وغادر معظم المستوطنين وتدهورت طريقة إنشاء الحدائق في معظم الأماكن إلا في الجبال العالية المعزولة في جنوب سيناء.
ومن أقدم الحدائق بالمنطقة هي تلك الموجودة في وديان الدير وجبال والأربعين وإطلاح، والتي من المؤكد أن تاريخها يعود إلى تلك الفترة الزمنية، كما أن هناك حدائق أقامها آخرون في الأديرة المتفرقة مثل دير أنتوش في منطقة رأس زليقا قرب جبل أم شومر ووادي رمحان، ودير البنات في وادي فيران؛ ودير سجيليا في وادي أجالاقرب جبل سربال، ودير أبو المغار في وادي الفريع وهو جزء من سها الراحة. كما أن أقدم الحدائق في نظام وادي جبال هي تلك التي في واديان الزواتين والجلت الأزرق، والتي من أكثرها شهرة الحديقة المسماة “جنينة النصراني”. ويعتقد أنه تم الانتهاء من زراعة هذه الحدائق من قبل المسيحيين البيزنطيين قبل ظهور الإسلام. وتعد الحدائق التي تظهر الآن بقايا لشبكة واسعة من الحدائق التي أنشأها الرهبان والنساك منذ القرن الرابع.
وتابع المؤلفان “يمتلك بدو قبيلتي الجبالية وأولاد سعيد حدائق سانت كاترين، وتمتلك قبيلة مزينة أيضا بعض الحدائق لكن تنحصر ملكيتهم للحدائق فقط ولا تمتد للأرض، وبالتالي لا يحق لهم إنشاء أي حدائق جديدة.. وجميع الحدائق تحتوي على أشجار فاكهة ومعظمها تنتج بعض الخضراوات، وتعد أكبر حديقة من حيث المساحة هي تلك التابعة للدير عند نهاية وادي الأربعين، حيث تصل مساحتها إلى حوالي 20 هكتارا وتحتوي على عدد كبير من أشجار الزيتون القديمة (حوالي 700 شجرة).
وقد وصف أحد الرحالة “بوركهاردت” هذه الحديقة عندما زارها عام 1816 بأنها مكان رائع للراحة وسط أشجار الزيتون. ولا تستخدم الأسمدة الصناعية في أي من الحدائق على حسب ما نعرف، بل يتم جمع روث الماعز والجمال وينقع ثم يوضع على سطح التربة ولا تستخدم المبيدات الكميائية ما عدا كبريتات النحاس التي يتم رشها على الخضراوات لمكافحة الآفات الحشرية في بعض الحدائق بمدينة سانت كاترين. وبالتالي تكون جميع المحاصيل التي تنتجها حدائق الوديان المختلفة عضوية بصورة كبيرة. وعندما يكون هناك فائض في الانتاج، يباع هذا الفائض لتوفير داخل إضافي. وأخيرا قام أحد البدو من أصحاب الخبرة (محمود دقوني) بعمل مشروع بيئي متميز كان يقوم به أجداده، وهو القيام بتجفيف ثمار الفاكهة والخضراوات بطريقة بدائية في الهوا الطلق ويقوم بتغليفها وتسويقها للبدو وزوار المنطقة وفكرته بدأت لرفضه طغيان استخدام الخضراوات والفاكهة المعلبة أو المحفوظة وانتشارها في محلات البقالة بمدينة سانت كاترين .
ولاحظ المؤلفان أن البدو يأخذون موضوع ملكية الحدائق على محمل الجد، فإذا كان مالك الحديقة ليس موجودا لا يسمح بدخولها لسببين، أولهما: احترام مبدأ الملكية نفسه. وثانيهما أن الحديقة في الصيف مأوى الأسرة، لذا فإن الزائر كما هو غير مسموح له بمقابلة العائلة داخل المنزل لا يسمح له بزيارة الحديقة. ومن المثير للاهتمام أن النساء لا يمتلكن أبدا الحدائق، بل تنحصر ثروتهن في الذهب والماعز.
وأضافا “على الرغم من أن البدو يقومون بري المحاصيل الزراعية لحدائقهم بانتظام سواء كانت محاصيل خضر أو فاكهة، فإن هذه النباتات قليلا ما تتعرض للرعي. تزرع الخضراوات في المساحات التي بين أشجار الفاكهة، ونظرا لأن الحديقة تروى بانتظام فهي أيضا مهمة لنمو النباتات البرية. وتوضح النباتات البرية الأكثر شيوعا في هذه الحدائق من خلال القائمة التي تم رصدها ووضعها بملحق بنهاية الكتاب، وتم ترتيب تلك النباتات وفقا لوفرتها. تترعرع النباتات البرية حول محاصيل الحديقة مباشرة خلال فصل الربيع. وبالتالي لا تحتوي الحدائق على المحاصيل الزراعية فقط، بل تضم أعدادا كبيرة من النباتات البرية. وعليه فإن الحدائق تمثل عنصر مهما من العناصر البيئية لتلك النباتات وما يصاحبها من حيوانات. ويتم حاليا إجراء الأبحاث حول هذا الجانب عن أهمية الحدائق بالنسبة للحياة الفطرية”.
وكشف المؤلفان – كما جاء بموقع ميدل ايست أون لاين – عن أن “اللوز والتفاح من الثمار المميزة لحدائق الوديان العليا للجبال، بينما يزرع الزيتون في حدائق قليلة متفرقة مثل حدائق وادي الزواتين ووادي الأربعين لكن بأعداد كبيرة. وهنا القليل من أشجار الجوز لاسيما في وادي طبرق ووادي طينية. وعادة ما توجد أشجار التين البري والكمثرى في وادي الجبال. وتكون بعض أصناف الفاكهة الأخرى محدود الانتشار، فمثلا لا يوجد اثنتين من أشجار التوت القديم، واحدة منهما كبيرة الحجم وموجودة في وادي إطلاح. بينما تزرع أشجار العنب والرمان في كل مكان تقريبا.
ومن أشجار الفاكهة التي تنمو في الحدائق، والمرتبة حسب الوفرة كل من: اللوز والزيتون والتفاح والمشمش والرمان والتين والعنب والسفرجل والبرقوق والخوخ والجوز والخروب والليمون والكمثرى والبرتقال واليوسفي والنخيل، بينما تضم القامة بالنبة للخضراوات وغيرها من النباتات: التبغ والطماطم والفول والذرة والباذنجان والبرسيم والقرع والكركديه والورد والفستق والخيار. ومن المثير للاهتمام أن البدو لديهم معرفة أكبر بأشجار الفاكهة التي تنمو في حداقهم عن الخضراوات، على العكس من المزارعين في الدلتا الذين يعرفون الكثير عن محاصيل الخضر الخاصة بهم عن الفاكهة..
شمل الكتاب إحدى عشر ملحقا شمل البيانات المناخية الخاصة بسيناء والبيانات المجمعة عن الحدائق والنباتات البرية الشائعة في الحدائق، والقبائل والأنساب البدوية ودليل الأماكن، الخضراوات والفواكهة، أنواع الطعام البدوي، بالإضافة إلىقاموس به جميع الأسماء العربية والكلمات المستخدمة في النص وملحقا يذكر بالتفصيل الطريقة المستخدمة في هذا الكتاب، وتم تزويده بقوائم النباتات والحيوانات مع أسمائها البدوية والعربية .