عمالة الأطفال بين الضرورة والتحريم

آخر زمن ..
عمالة الأطفال بين الضرورة والتحريم ..
بقلم / حسنى فاروق ..
رغم الاتفاقيات والمواثيق التى تضخها كل المؤسسات الدولية وجمعيات حقوق الانسان التى تدعى كذبا حماية الطفل ، وإتخاذ كل التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية ، ودرء أى معوقات تترصد به ، وتعمل على قهره وتهديد سلامته ، وتنقية أجواء المناخ حوله من أى شائبة غريبة ، وتجريم كل استغلال له بأى صورة من الصور ، وذلك مثل جره إلى ممارسة أعمال ليس مؤهلا لها جسديا ونفسيا وإدراكيا ، والتى من شأنها حرمانه من ممارسة حقوقه الطبيعية فى التعليم والتثقيف والترفيه والعلاج ، إلا أن ظاهرة عمالة الأطفال باتت خطيرة إلى حد الكارثة .
ولعل السبب الرئيس فى استفحال هذه الظاهرة ــ وكما يعترف الكثيرون ــ هو انحسار مؤشرالمستوى الاقتصادى للأسرة إلى أدنى درجة ، ما يدفعها إلى إهمال حق الطفل البسيط فى التعليم والابداع ، لكن الأمر يخرج عن نطاق هذا السبب إلى أسباب أخرى ليست أقل خطورة ، وربما تكون هى الأخطر على الاطلاق .
فالنظام التعليمى السائد والمترسخ فى أذهان مدعى البحث والدراسة منذ سنوات أصبح عاجزا تماما عن توفير مناخ أكثر تحضرا ورقيا ، يستطيع الطفل من خلاله أن يطلق سهام إبداعه وابتكاره ، وبدلا من أن يمد هذا النظام يده للطفل لتوصيله إلى أعلى درجات التمدن والتحضر والرقى ، صار ــ ودون رحمة ــ يتفنن فى سحبه إلى مهاو سحيقة يدمر فيها أحلامه وتطلعاته فوق صخور التخلف والجهل والتهميش وإدعاء التحضر ، الأمر الذى يخرج لنا فى النهاية جيلا باهتا لا ملامح له ، ولا شخصية تحدد هويته ، جيلا غير واع بما حوله ، وغير قادر على مواجهة تحديات العصر ، ويمتلك قدرة فائقة على بث سلوكيات غريبة قادرة على الإطاحة بكل القيم السامية والراسخة فى المجتمع منذ أزمنة بعيدة .
وعلى هذا فإن الأمر يحتاج إلى وقفة جادة وواعية ، وخبيرة بكيفية الاحتواء والتعامل مع مثل هذه الظاهرة ، فلا نلقى اللوم على الأسرة وحدها ، ولا على الدولة وحدها ، وإنما المشكلة هى قاسم مشترك بينهما ، كل حسب قدراته ومدى إدراكه ووعيه ، وذلك لأن إهمال هذه المشكلة يأتى بسلبيات لا تعود على الأسرة وحدها ، وإنما على المجتمع كله .
والخطوة الأولى للمواجهة هى أن يكون التعليم تفاعليا عن طريق بناء علاقات إيجابية وفعالة مما يمنح الثقة بين التلاميذ لتوليد كم هائل من الأفكار والأطروحات ، وكذا إيجاد مساحة مناسبة لإنتاج استراتيجيات جديدة تزيد من إكتساب التلاميذ للمهارات المختلفة ، والخطوة الثانية هى تقنين العمل للطفل ، وإرساء معايير ودعائم تستند على النظرة العميقة والدقيقة للمشكلة ، والنظر إلى هذه المشكلة على أنها من أمور السياسة العليا للدولة ، وليست مشكلة عابرة ، وإتخاذ الإجراء القانونى الرادع ، ومعاقبة كل من يعطل أو يخل أو يستخف بهذه القوانين وتلك الاتفاقيات