فن التحطيب والحضارة المصرية القديمة

فن التحطيب والحضارة المصرية القديمة
كتب : حاتم عبدالهادي السيد
جذور فن التحطيب :
تعود جذور فن التحطيب( الرقص المصري القديم ) إلى مصر القديمة، حيث وجدت نقوشات على المعابد المصرية القديمة، أما العصاة التي استخدمها قدماء المصريين كانت مصنوعة من نبات البردي المعجون حتى لا تسبب إصابات بالغة للاعبين وبمرور الوقت تغير نوع العصاة من الشومة الغليظة وحتى عصاة خفيفة من الخيزران.
وكانوا يؤدونها – كما جاء بموسوعة ويكبيديا – كنوع من التدريب للقتال وقت الحروب، وللتسلية في فترات السلم، وكانوا ينزعون نصل الحراب ويتدربون بالعصا على فنون الدفاع والهجوم، وبمرور العصور باتت موروثا شعبيا توارثته الأجيال، ربما يختلف في محافظات عن أخرى، إلا أنه يظل تقليدا أصيلا يساعد على التقارب والتماسك الاجتماعي، ويمارسه الناس في المناسبات الاجتماعية والاحتفالات الدينية، خاصة في الصعيد حيث يعتبرونه وسيلة لترسيخ قيم الشجاعة والوفاء، لا أداة للعنف أو القمع.
وبقيت اللعبة «غِيَّة الرجال» هذه تجسيدا للمروءة والشهامة والمنافسة التي لا تعرف الخصومة، فرغم اعتمادها على فكرة القتال بما يعنيه من هجوم ودفاع، وانتصار وخسارة، فإنها تعكس معانى إنسانية جيدة مثل روح الجماعة، والدفاع عن الكرامة، واحترام الآخر، ووسيلة فعالة لتفريغ الطاقة بشكل سلمي، حيث لا مجال للثأر في ممارسة التحطيب، فهى الحلبة الوحيدة في الصعيد التي إذا توفي أحد المتبارزين في أثنائها لا يجوز لأهل المتوفى المطالبة بثأره، أو حتى ديته، وذلك على نقيض حالات القتل الأخرى، كما أنه لا يسمح لمن كان على خصومة باللعب كطرفين متنافسين ..
طريقة التحطيب
عادة ما تكون المبارزة بالعصا على أنغام المزمار بين شخصين، حولهما دائرة من المشجعين يتابعون حركاتهما بدقة، ينتظرون اللحظة التي يستطيع أحدهما إسقاط العصا من يد الآخر حتى يعلنوا فوزه والاحتفاء به، وهذا هو المشهد المتكرر للعبة أو الرقص بالعصا، المعروفة في أنحاء مصر، والمنتشرة بكثرة في محافظات الصعيد، والتي يولع بها أبناء الجنوب، ومن يتابع الأفلام السينمائية القديمة أو الدراما المصرية فلا شك أنه تعرف على هذه اللعبة الشعبية التي يبحث عنها الهواة والمحترفون في الموالد أو الأفراح، ويذهبون وراءها في أي مكان لإشباع رغبتهم في ممارستها، كما شكلت مفردة أساسية في بعض لوحات الفنانين التشكيليين.
عصا التحطيب :
“العصا هي محور التحطيب، والأداة الأساسية التي لا يمكن أن تبدأ اللعبة من دونها، فالعصا أداة ورمز، لها جذورها في الموروث الديني والشعبي، خاصة عند أهل الصعيد، فقد تم ذكرها في القرآن الكريم في قوله تعالى: (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى)، كما أن للعصا أشكالا وأصنافا واستخدامات متعددة، لكن تشتهر في التحطيب باسم “الشومة” حيث تتسم بالصلابة وصعوبة الكسر، ويؤدي استخدامها في الضرب إلى القتل – أحيانا – ولكن نادرا ما يحدث أي أذى لأي من المتبارزين..
مميزات التحطيب :
لعبة التحطيب تعلم الإنسان الصبر والمروءة والجرأة والشهامة، وهناك قيم أخرى كثيرة، لأنها ليست مجرد لعبة عادية، إنما هي فن في البداية، فلا بد لمتعلم التحطيب أن يجيد فنون التعامل مع الآخرين، ويتمتع بذكاء يمكنه من الانتصار على خصمه، كما أنها تتطلب قوة بدنية وجسمانية تمكن المبارز من الإمساك بالعصا جيدا وبقوة حتى لا تقع من يده ويكون مثار سخرية من المشاهدين، لكن بدأت اللعبة في الفترة الأخيرة في الانقراض والاندثار في كثير من قرى الصعيد، ومن أجلها أضطر الكثير للذهاب إلى الموالد والأفراح في أي مكان لأشباع رغبته في ممارستها، وعلى الرغم من التكاليف وتعب السفر إلا ان الكثيرين لا يمكنهم الاستغناء عنها أو نسيانها لأنهم يعشقونها..