مقالات

حاتم عبدالهادي السيد يكتب : الأطلال في الشعر العربي وعمود القصيدة

حاتم عبدالهادي السيد يكتب : الأطلال في الشعر العربي وعمود القصيدة

لا يمكن اعتبار الشعر الجاهلي نسخة كربونية واحدة، ولربما كان لشعراء المعلقات شأو عظيم في مثل هذا النهج، إلا أن الكثير من مجايليهم؛ ومن أتى بعدهم في العصور اللاحقة لم يقفوا بالأطلال،ولم يبكوا على الأطلال، بل شهدنا تجديداً في الشكل والمضمون كذلك، وفى الأغراض، وتنوع الصور الشعرية ، وغدت لكل عصر سماته؛ وثيماته، وضرب الشعراء الصعاليك بعمود الشعر عرض الحائط؛ وكانوا بحق مجددين وثائرين،مع وصفهم بالخارجين عن القانون، أو القبيلة والعرف القبلي آنذاك. لذلك لم تَعرف قصائدهم بكائية الحبيبة، وكانوا ثواراً، فكتبوا شعرهم لهجاء المجتمع الذى نفاهم وطارد فلولهم في الجبال والسهول الشاسعة عبر الصحراء العربية الممتدة، ومع ذلك فقد تركوا لنا تراثاً شعرياً يحمل سمات التجديد والتحول؛ بالخروج على شكل القصيدة،بل ومضمونها، فهذا أبو خراش الهذلي الصعلوك الشاعر قد انتهبه الجوع والبؤس والعطش، يكتب واصفاً حاله، وخارجاً عن تقاليد القصيدة الشكلية الى عالم أرحب لوصف الذات : ذاته والمجتمع والعالم، يقول :

وإني لأثوى الجوع حتى يملني فيذهب لم يدنس ثيابي ولا جرمي
وأغتبق الماء القراح فأنتهى إذا الزاد أمسى للمزلج ذا طعم
مخافة أن أحيا برغم وذلة وللموت خير من حياة على رغم

فأي جمال لهذا الشاعر الهصور، الذى يُعلى من شأن الذات، ويتمنى الموت حين يشعر بأنه قد فرضت عليه حياة الذل والمهانة.

 

وهذا الشنفري يعلى من الذات ويعتز بها على متع الحياة ، فنراه يحثو التراب ويستطعمه، كي لا يركع يوماً لتقاليدٍ بالية، أو عرف قبلِيٍّ ظالم، يقول :

وفى الأرض منأى للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القلى متعزل
أديم مطال الجوع حتى أميته وأضرب عنه الذكر صفحاً فأذهل
وأستف ترب الأرض كى لا يرى له علىَّ من الطول امرؤ متطوِّل

انهم الشعراء المجددين، لا الصعاليك، والحكماء المطاردين، وفلاسفة الشعر الكبا، أصحاب النفوس السامقة، وكأنهم أحزاب المعارضة في الزمن الحديث .

ولعلنا لن نغفل الشعراء المخضرمين الذين شهدوا العصرين الجاهلي والإسلامي، وكتبوا الشعر التجديدي الرائع، ذا الخصوصية الفريدة؛ أمثال : زهير بن أبى سلمى، الحطيئة، حسان بن ثابت والذى كان شعره في الجاهلية أقوى من شعره بعد إسلامه، فقد كان شاعر الخزرج ولسان حالهم في الحروب،واتصل بالغساسنة ومدحهم فأجزلوا له العطاء، واتصل بالحيرة وأصبح شاعرهم الى أن أزاحه النابغة الذبياني .

ولقد تجلى التجديد لدى الشعراء المخضرمين عبر تعدد موضوعات القصيدة، فشعراء الخمريات مثلًا يبدأون القصيدة بالغزل مباشرة، أو بالبكاء على الأطلال، ثم يدخل الى الفخرأو الهجاء مباشرة، الى جانب قوة اللغة وفصاحتها المعجمية،وجودة السبك، ووصف الخمر المقرونة بالفخر الذاتي، أو الفخر بالقبيلة، يقول حسان بن ثابت :

اسألت رسم الدار أم لم تسألي بين الجوابي والبضيع فحومل
لله در عصابة نادمتهم يوماً بجلق في الزمان الأول
يمشون في الحلل المضاعف نسجها مشى الجمال الى الجمال الهزل
ولقد شربت الخمر في حانوتها صهباء، صافية، كطعم الفلفل
نسبى أصيل في الكرام ومذودي تكوى مواسمه جنوب المصطلى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى